استضافت الجزائر القمة العربية الواحدة والثلاثين التي عقدت في الاول من الشهر الحالي بعد أن تم تأجيلها ثلاث سنوات بسبب جائحة كورونا التي اجتاحت العالم واستمرار الخلافات العربية والتباين في المواقف من الأزمات التي شهدتها المنطقة العربية ومع إصرار الدولة المضيفة تم انعقادها في وقت تزامن مع الاحتفال الوطني الكبير للشعب الجزائري بالذكرى (68) لانطلاق ثورة التحرير الشامل من براثن الاستعمار الفرنسي عام 1962 والتي عرفت بثورة المليون شهيد ولتكون رسالة تضامن واضحة من أبناء الشعب العربي لأشقائهم الجزائريين وتأكيدا لروح التضامن العربي المنشود ودعوة صريحة لتجاوز الخلافات بين الأقطار العربية خاصة وأن عقد القمة سبقها قيام القيادة الجزائرية بجمع الشمل بين الفصائل الفلسطينية دعما لنضال أبناء الشعب الفلسطيني في مواجهته للاحتلال الصهيوني وأساليبه القمعية والتعسفية واستمرار احتلاله الأراضي العربية.
ورغم أن المراحل الأولى لانعقاد القمة العربية والتي تمثلت باجتماعات وزراء الخارجية العرب تخللها في بعض جلساتها تبادل للاتهامات وتراشق في الكلمات بين وزيري خارجية المغرب والجزائر على خلفية العلاقة مع جبهة البوليساريو والتي بسببها لم يدم الاجتماع الأول إلا(15) دقيقة بعد اربع احتجاجات من قبل الوزير المغربي ثم تدخلت بعض الوفود العربية وانهت الخلاف للعودة لإعداد بيان القمة والمواضيع ال رئيسية الهامة التي تشكل العمق العربي والعمل الاستراتيجي ومحاولة حل جميع الخلافات ودعم حقوق أبناء الشعب العربي في عدد من عواصم الاقطار العربية التي تشهد أزمات سياسية وتدخلات دولية إقليمية في شؤونها ومستقبلها ، ولكن الأمر الاهم هو الاتفاق الذي تحقق في إعداد صياغة قرار حول الأمن الغذائي القومي العربي وتبني الأعمال المنبثقة عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي العربي لمواجهة الآثار والنتائج الاقتصادية التي أحدثتها المواجهة العسكرية الروسية الأوكرانية على مجمل الاقتصاد العالمي ومنها ما شكل عبئا عربيا واجهته بعض الاقطار العربية.
ان القمة العربية انعقدت في ظروف دولية وإقليمية وعربية شديدة التعقيد واخذت التوجهات العربية أبعادها في فهم هذه الظروف وإيجاد الوسائل الناجحة لتلافيها وأهمها ضرورة العمل على وحدة الصف العربي وتوحيد القرار السياسي ولم الشمل وإعطاء أولوية للتضامن العربي في جميع المؤتمرات الدولية والإقليمية واجتماعات الأمم المتحدة ومنظمة المؤتمر الإسلامي، ولهذا جاءت مقررات القمة التي صدرت بعنوان ( إعلان الجزائر) لتتضمن عدة قرارات وتوصيات أكدت على مركزية القضية الفلسطينية ودعم نضال الشعب الفلسطيني والتمسك ببنود مبادرة السلام العربية التي اقرت في مؤتمر بيروت عام 2001 وتوحيد الجهود لحماية مدينة القدس ومقدساتها ودعم حصول دولة فلسطين على مقعد لها في الأمم المتحدة وتعزيز العمل العربي المشترك وحماية الأمن القومي العربي ورفض جميع التدخلات الخارجية والتضامن مع الشعب الليبي وإنهاء أزمته السياسية ودعم الحكومة الشرعية اليمنية وتوحيد الجهود العربية حول تحديد رؤية مشتركة لكيفية حل الأزمة السورية وتجديد التضامن مع الشعب اللبناني والحفاظ على امنه وبسط سيادته على اقاليمه البرية والبحرية والدعوة لإنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية والدمار الشامل في منطقة الشرق الأوسط.
وبقراءة دقيقة لمقررات القمة فإنها عكست حقيقة وجود بعض الخلافات العربية في المواقف السياسية والأزمات الداخلية والإقليمية ومنها عدم التغلب على الخلاف المغربي الجزائري والذي أدى إلى عدم حضور الملك محمد السادس لاجتماعات القمة التي كان من المقرر تواجده فيها ولكي تعقبها زيارة للرئيس الجزائري الرباط لإنهاء ملف الخلافات بين البلدين ، كما وان الابتعاد عن ذكر إيران وتركيا بالاسم عن التطرق للتدخلات الخارجية في الشؤون العربية وهما الدولتان اللتان لهما توجهات ومشاريع سياسية يسعيان فيها للتدخل في عدد من عواصم الاقطار العربية يؤكد معيار التباين والخلاف في عدم وجود أرضية واضحة لمعالجة أسباب التصدي لمقتضيات الأمن القومي العربي وكما جاء في إعلان الجزائر، ثم الإبقاء على صيغة مماثلة من الخطاب العربي الذي تقتضيه القمم العربية من خطاب معتدل وقرارات تبتعد عن ذكر الحقائق ومعالجة الأزمات التي تعصف بالمجتمع العربي ولا تلبي طموحات أبناء الأمة وتبعدهم عن حالة اليأس والإحباط مع عدم وضوح في مجمل السياقات الأستراتيجية لعمل عربي قادم والافتقار إلى آليات وبرامج سياسية وأفكار حيوية لحل المشاكل والأزمات التي تعاني منها بعض الاقطار العربية وخاصة ( لبنان والعراق وليبيا والسودان واليمن وسوريا) وضعف الدور الميداني لجامعة الدول العربية وكأن مشاكل الأمة تهم فقط السياسات الدولية والإقليمية التي نرى دولها تتدخل دائما بوساطات ولجان وحوارات لحل المشاكل والأزمات العربية وفقا لمصالحها الميدانية واستراتيجيتها في منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي.
تبقى قرارات القمة العربية ذات شمولية كاملة ولكنها تفتقد إلى روح التنفيذ المباشر والدعم الميداني لحل جميع الأزمات بعيدا عن الخلافات العربية التي دائما ما تكون الحاجز الرئيسي في حل جميع المشاكل والمعوقات التي تقف عائقا في تضامن وتقدم الأمة العربية.
وحدة الدراسات العربية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية