السوداني وإنقاذ العراق

السوداني وإنقاذ العراق

منح مجلس النواب العراقي مساء الخميس الثقة لحكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني لترى النور، ويشكّل هذا الضوء الأخضر للحكومة الجديدة محطة حاسمة في مسار الخروج البطيء من أزمة سياسية عانى منها العراق على مدى أكثر من عام، أي منذ الانتخابات التشريعية في تشرين الأول/ أكتوبر 2021.
كشفت هيئة النزاهة الاتحاديَّة، يوم الأحد، عن إفصاح رئيس مجلس الوزراء، محمد شياع السوداني، عن ذمَّته الماليَّة بعد تسنُّمه المنصب ونيل كابينته الثقة في أول أيام دوامهم الرسمي.
دائرة الوقاية في الهيئة أشارت، في بيان صحافي، إلى أنَّها “تلقَّت استمارة كشف الذمَّة الماليَّة الخاصَّة برئيس مجلس الوزراء السيد محمد شياع السوداني، ليغدو أول المسؤولين في كابينته المفصحين عن ذممهم الماليَّة، بعد نيلهم الثقة من مجلس النواب العراقي”.
فيما وجَّه السوداني وزراء كابينته في الحكومة الجديدة بكشف ذممهم الماليَّة أمام هيئة النزاهة خلال مُدَّة أقصاها أسبوع واحد من تاريخ تسنُّمهم المسؤوليَّة.
وشدد السوداني على عدم وجود خطوط حمراء أمام أي ملف فساد مرتبط بجهة سياسية أو أية شخصية كانت، وأكد أن الحكومة ستقدم كل الدعم إلى هيئة النزاهة، سواء على مستوى الإجراءات التنفيذية أم في الجانب التشريعي، عبر تقديم مشاريع قوانين تتصدى للفساد وتسهم في إغلاق منافذه.
وبيّن السوداني أن الهدف لا يقتصر على زج الفاسدين في السجون، بل يتعدى إلى تقديم الإجراءات الوقائية للحد من الفساد، وزرع ثقافة النزاهة وعفة اليد والحفاظ على المال العام، والحيلولة دون تورط الموظفين في مخالفات أو جرائم فساد. وأكد أنّ أولى المعايير في التعامل مع حكومات الدول هو في مدى التعاون الذي تبديه مع العراق لتسليم المُدانين بقضايا الفساد واسترداد الأموال المختلسة والمهربة.
في هذا الكشف عن الذمة المالية يتصرف السوداني كرجل دولة يتمحور حول هوية العراق.
ويشكل ملف الفساد الإداري والمالي أكبر الملفات التي تواجه الحكومات العراقية المتعاقبة بعد تورط شبكات مرتبطة بجهات سياسية عليا وتورط عشرات الوزراء ووكلائهم والمديرين العامين والمستشارين في ملفات فساد تنظر فيها الهيئات التحقيقية لهيئة النزاهة.
كما يواجه رئيس الحكومة، تحديات، تتعلق بالوضع المعيشي.
وبعد ساعات من نيل حكومته ثقة مجلس النواب، أجرى السوداني أول لقاءاته مع وزير التجارة أثير داوود الغريري، لدعم «الأمن الغذائي للعراقيين». وجرى خلال اللقاء «استعراض خطط الوزارة، فيما يتعلق بمفردات البطاقة التموينية، وبرامجها في مجال الأمن الغذائي». وأكد السوداني، خلال اللقاء، أن حكومته «تولي اهتماما كبيرا بملف الغذاء وتضعه على رأس أولوياتها». ووجه بضرورة «اتخاذ اجراءات عملية بخصوص البطاقة التموينية وتحسين نوعيتها وبما يعزز دعم المواطنين من الفئات الفقيرة والهشة». وكشف عن منحه ملف الغذاء «اهتماما خاصا» ولاسيما بعد النجاح الملحوظ الذي حققته تجربة الشراكة بين وزارة التجارة والقطاع الخاص في ملف البطاقة التموينية. في السياق، أعلن رئيس مجلس الوزراء، تشكيل فريق تقصٍ في وزارة الصحة، فيما وجه بضرورة تطوير عمل العيادات الطبية الشعبية والمراكز الصحية في عموم العراق. وأشار إلى أن «الوزارة وعملها سيحظيان بدعم مباشر من رئاسة الوزراء، وأن فريقا للمتابعة جرى تكليفه لتقصي أدق التفاصيل في العمل الخدمي والإداري والفني للوزارة» موجها بضرورة «تطوير عمل العيادات الطبية الشعبية والمراكز الصحية في عموم العراق، والارتقاء بما تقدمه من خدمة للمواطنين في المناطق السكنية». وأكد، أهمية «توطين صناعة الأدوية محليا، وضرورة رعاية الطبقات الفقيرة وتوفير الأدوية والمستلزمات الطبية بما يتناسب مع دخلها المحدود». وقال مكتبه، في بيان، إنه «زار مقر وزارة الصحة، وترأس اجتماعا ضم وزير الصحة والكوادر الإدارية والفنية المتقدمة في الوزارة» مؤكدا «ضرورة النهوض بالقطاع الصحي الذي يمثل أولوية للحكومة الجديدة ومنهاجها الوزاري». وفي نفس اليوم، استقبل رئيس مجلس الوزراء السيد محمد شياع السوداني، رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي فائق زيدان، لتهنئة سيادته بمناسبة تسلم مهامه الجديدة. وشهد اللقاء تأكيداً مشتركاً على أهمية تكامل السلطتين التنفيذية والقضائية، ودعم القضاء لإجراءات الحكومة في الحفاظ على الأموال العامة تحت مظلة الدستور. كما جرى البحث في تدعيم الخطوات القضائية والقانونية لحماية الأموال العامة، بما يعزز ثقة المواطنين بأداء أجهزة الدولة، في جوانبها التشريعية والتنفيذية والقضائية.
ويتفق السوداني مع رئيس الجمهورية، عبد اللطيف رشيد، على الحاجة للمضي في «تحقيق الإصلاحات» في المرحلة المقبلة. ومساء أول أمس، التقى الطرفان، للتباحث في «مجمل الأوضاع العامة السياسية والاقتصادية والأمنية» حسب بيان صحافي. وجرى خلال اللقاء، وفق البيان، التأكيد على «أهمية تضافر جهود مؤسسات الدولة كافة للمضي قدما بتحقيق الإصلاحات، ودعم جهود الحكومة في تنفيذ برنامجها الحكومي في تحسين الواقع الخدمي والاقتصادي، وتوفير مستلزمات العيش الكريم للمواطنين».
دبلوماسيا، بحث رئيس مجلس الوزراء، السبت، مع السفيرة الأمريكية، آلينا رومانوسكي، العلاقات الثنائية بين العراق والولايات المتحدة وسبل تطويرها. وذكر مكتبه الاعلامي أن «رومانوسكي، نقلت تهنئة حكومة الولايات المتحدة الأمريكية بمناسبة تسلم مهامه، وتشكيل الحكومة الجديدة، ونيلها ثقة مجلس النواب». و«جرى خلال اللقاء البحث في مجمل العلاقات الثنائية بين العراق والولايات المتحدة، وسبل تطويرها، وفقا لما تتطلبه مصلحة الشعبين الصديقين».
كما استقبل السوداني، سفير الجمهورية الإسلامية الإيرانية لدى العراق محمد كاظم آل صادق، الذي نقل له تهنئة القيادة الإيرانية بمناسبة تسلمه مهامه، ونيل حكومته الثقة في مجلس النواب. وشهد اللقاء، حسب بيان صحافي، «استعراض مجمل العلاقات الثنائية بين البلدين الجارين، وسبل تعضيدها وتنمية التعاون المتبادل على مختلف الصعد والمجالات».
كما أجرى رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، اليوم الأحد، زيارة إلى مقر قيادة العمليات المشتركة في العاصمة بغداد، وترأس اجتماعاً أمنياً للقادة العسكريين. واستمع السوداني لعرض موسع عن سير الخطط الأمنية والعسكرية التي تنفذها القوات العراقية البطلة، في مختلف قواطع العمليات، والتحديات التي تواجهها. وأشاد السوداني بمهنية القوات الأمنية، بمختلف صنوفها، وجهودها في محاربة بقايا فلول داعش الإرهابية، وصد التهديدات والمخاطر الداخلية، وثمّن تضحيات الشهداء وعوائلهم، وكذلك تضحيات الجرحى الأبطال الذين قدموا صورة بطولية ناصعة للعراق. وأكد القائد العام، أن الشعب مصدر السلطات والدستور العراقي واضح وصريح في التأكيد على الحقوق المدنية والسياسية والثقافية والاقتصادية للشعب ومن واجب الدولة وجميع سلطاتها الحفاظ على هذه الحقوق، مشددا على أهمية إنفاذ القانون واستعادة هيبة الدولة، بما يحقق الأمن المتكامل في عموم العراق، وبين أن الأمن مقدمة للبناء والأساس لانطلاق التنمية المستدامة في البلاد، من خلال استثمار الطاقات والثروات. ووجّه السوداني القادة الأمنيين بالتزام التعامل الإنساني مع جميع المواطنين، وإجراء زيارات ميدانية مكثفة إلى قواطع العمليات للوقوف على جاهزية القوات العسكرية والاهتمام بالمقاتلين ومعالجة مشاكلهم، ووجّه بإعادة النظر بنقاط التفتيش وبعدد الحمايات للقادة الأمنيين.
محمد شياع السوداني واضحة جدا حيويته فهو يعد رجل المرحلة المقبلة وما أدل على ذلك فلأول مرة ينجح رئيس الوزراء المكلّف في إنجاز تشكيل حكومته خلال أسبوعين فقط، أي أقل من نصف المدة الدستورية المحدَّدة بـ 30 يوماً من تأريخ التكليف. وربما لأول مرة أيضاً، ينجح رئيس الوزراء المكلف في تقديم “كابينة وزارية” أشبه ما تكون بالمتكاملة، إذ إنه جاء بـ 21 مرشحاً لشغل 21 حقيبة وزارية، من مجموع 23، لتبقى حقيبتان معلَّقتان، هما البيئة والإعمار والإسكان، بسبب خلافات بين الحزبين الكرديَّين الرئيسَين، الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني، والاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة بافل الطالباني.
السوداني يمتلك سيرة مهنية وشخصية خالية من شبهات الفساد وسوء استغلال السلطة، وعدم التورط في أي مشاريع تنطوي على طابع سلبي، إلى جانب علاقاته الجيدة بمختلف القوى والاطراف. وفوق هذا وذاك، فإنه جاء ببرنامج وزاري يتسم بالواقعية والعملية، إلى حد كبير، وتضمّن خمس أولويات، هي:- مكافحة الفساد، إدارياً ومالياً.- معالجة ظاهرة البطالة وخلق فرص العمل للشباب من الجنسين.- دعم الفئات الفقيرة والهشّة ومحدودي الدخل من المواطنين.- إصلاح القطاعات الاقتصادية والمالية، وخصوصاً قطاعي الزراعة والصناعة، والقطاع المصرفي، ودعم القطاع الخاص.- العمل بصورة عاجلة على التحسين والتطوير للخدمات التي تمس حياة المواطنين.
وقد يساعد السوداني في تحقيق برنامجه الوزاري انفتاح العراق على بيئته العربيه ومحيطه الإقليمي والدولي، وارتفاع أسعار النفط عالميا، مما سيرفد خزينة الدولة العراقية بما تحتاجه من أموال في سبيل تنفيذ برنامجه الوزاري الطموح.
يمكن أن ينجح السوداني وفريقاه، الوزاري والاستشاري، في استثمار الفرصة أو الفرص المتاحة، وفك بعض العقد المستعصية، وحلحلة الأزمات الخانقة، بيد أنه، في ظل ظروف وأوضاع كالتي يعيشها العراق، عبر تراكماتها السابقة وتحدياتها المقبلة، يتطلّب الأمر التكاتف والتعاضد من الجميع، وتشخيصاً وتخطيطاً دقيقَين، وصبراً جميلاً في انتظار النتائج المرجوّة. فالسوداني ببرنامجه الوزاري الطموح هو رجل الدولة العراقية في المرحلة المقبلة، لذلك على القوى السياسية العراقية الوقوف إلى جانبه لاستعادة العراق عافيته الداخلية والخارجية.

وحدة الدراسات العراقية 

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية