الرباط – لم يحصل أيوب -صاحب بقالة في أحد الأحياء الشعبية بضواحي الرباط- سوى على 10 عبوات من الحليب، هي حصته اليومية من الموزعين.
وبينما كانت حصته في الشهور الماضية غير محدودة ومن علامات تجارية متنوعة، تغير الحال اليوم، ولا تكاد تمضي الساعة الأولى من الصباح حتى ينتهي ما لديه من عبوات حليب.
يقول للجزيرة نت إنه يحاول تدبير هذا العدد الضئيل من مادة الحليب بتوزيعها على زبائنه، ولا يجد تفسيرا يجيب به على أسئلتهم حول النقص في هذه المادة المعروفة بوفرتها في البلاد.
ووجد أصحاب محلات بيع المواد الغذائية أنفسهم في مواجهة مع المستهلكين الذين أصبحوا يتجولون على الدكاكين في أحيائهم للعثور على نصف لتر من الحليب.
وتشهد المملكة تراجعا في إنتاج الحليب بنسبة تصل إلى 60% مقارنة بالسنوات الماضية، وفق ما أكده منتجو هذه المادة.
ويعزو المهنيون هذا النقص إلى الجفاف القاسي الذي شهدته البلاد وارتفاع أسعار الأعلاف والحليب المجفف في السوق الدولية.
برلمانيون من الأغلبية والمعارضة وجهوا أسئلة لوزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية، يستفسرون عن أسباب النقص الحاد في مادة الحليب في معظم نقاط البيع التجارية بالمغرب مع تطبيق زيادة مؤثرة في الأسعار، متسائلين عن التدابير التي ستتخذها الحكومة لدعم سلاسل إنتاج الحليب لتوفير هذه المادة مع الحفاظ على القدرة الشرائية للمواطنين.
وأرجع فيصل قفصي رئيس فدرالية الجمعيات التجارية والمهنية والحرفية بجهة الرباط سلا القنيطرة، انخفاض تزويد الأسواق الوطنية بمادة الحليب إلى الجفاف الذي شهدته البلاد منذ سنوات وزادت حدته العام الجاري، وارتفاع أسعار الأعلاف.
وقال قفصي للجزيرة نت إنهم لمسوا من خلال تواصلهم الدائم مع محلات تجارة القرب تراجع إنتاج الشركات الكبرى إلى النصف، لافتاً إلى أن الفدرالية تعمل على وعي التجار من خلال دعوتهم لترشيد توزيع حصتهم من الحليب وحفظها في ظروف جيدة حتى لا تفسد.
وأضاف “تواصلنا مع تجار القرب وأوضحنا لهم أسباب الوضع حتى يشرحوها للمستهلكين لتجنب أي بلبلة في المجتمع”.
ولفت رئيس فدرالية الجمعيات التجارية والمهنية والحرفية بجهة الرباط سلا القنيطرة، أن تأثير ندرة الحليب لم يكن كبيرا جدا، ولم يغير عادات معظم المواطنين المغاربة بسبب استهلاكهم مشروب الشاي بشكل أكبر.
من جانبه، أوضح رئيس فدرالية الجمعيات التجارية والحرفيين بالمغرب عبد الله حنافي، أن الانخفاض الذي شهدته الأسواق من مادة الحليب رافقه إقدام الشركات المصنعة على رفع أسعار منتجات الحليب.
وقال للجزيرة نت إن بعض الدكاكين انخفضت حصتها من الحليب إلى النصف، مما خلق مشكلة بين التاجر في الحي والمستهلكين، لأن الكمية لا تلبي طلباتهم.
واستغرب المتحدث النقص الكبير في حصة التجار من عبوات الحليب مقابل الزيادات المتوالية في الأسعار دون أي توضيحات أو تفسيرات من الشركات مما فتح المجال -بحسبه- لانتشار الإشاعات.
المغرب/ ضواحي الرباط/ سناء القويطي/ أبقار في إحدى القرى ضواحي الرباط / مصدر الصورة: سناء القويطي
النقص في منتجات الحليب يرجع إلى الجفاف القاسي الذي شهدته البلاد وارتفاع أسعار الأعلاف والحليب المجفف في السوق الدولية (الجزيرة)
تعاونيات مفلسة
يعتبر الفلاحون وأصحاب تعاونيات الحليب الحلقة الأولى في إنتاج هذه المادة، وقد تكبد هؤلاء خسائر فادحة في السنوات الماضية تعمقت خلال العام الجاري.
ويفسر رئيس “فدرالية منتجي الحليب والمنتجات الفلاحية”، أحمد بومكريزية، انخفاض تزويد الأسواق الوطنية بالحليب بأسباب متنوعة ومتداخلة.
فإلى جانب الجفاف وارتفاع أسعار الأعلاف، يشير المتحدث إلى مغادرة عدد كبير من الفلاحين القطاع بسبب الخسائر التي تكبدوها في السنوات الأخيرة، جراء تخلي الشركات المصنعة للحليب ومشتقاته عن اقتناء الحليب الخام من المنتجين بعد تحرير استيراد الحليب المجفف.
ووجه المنتجون منذ سنة 2015 رسائل إلى وزارة الفلاحة يشتكون من الضرر الذي طالهم جراء اعتماد بعض الشركات على الحليب المجفف المستورد من الخارج بشكل مفرط للرفع من إنتاجيتها، مطالبين بالرفع من الضريبة الجمركية على استيراد هذه المادة.
ونجم عن هذا الوضع إفلاس عدد من تعاونيات الحليب وبيع الفلاحين أبقارهم والتوقف عن ممارسة هذا النشاط.
وفاقم الجفاف وما رافقه من ارتفاع في أسعار الأعلاف من الوضع، إذ انتقل ثمن الكيلو من العلف من 2.5 درهم إلى 3 دراهم ثم 5 دراهم، في حين يقول أحمد بومكريزية إن العلف المدعم من وزارة الفلاحة كان ضعيف الجودة وتسبب في إصابة الأبقار بأمراض وضعف حليبها.
وحسب المتحدث، فقد توقفت 75% من تعاونيات الحليب عن الإنتاج وأغلقت أبوابها إلى غاية العام الجاري، مما أدى إلى انخفاض إنتاج الحليب بـ 60%.
أما التعاونيات التي لا تزال تمارس هذا النشاط، فقد تراجع إنتاجها بشكل كبير وما زالت تقاوم رغم تدهور القطاع.
بعد تخليهم الجزئي عن الحليب الخام واعتمادهم على الحليب المجفف في تصنيع، وجدت الشركات المصنعة للحليب نفسها في مواجهة ارتفاع أسعار الحليب المجفف في السوق الدولية، وارتفاع تكلفة النقل الدولي من جهة والتراجع الكبير في عدد التعاونيات المنتجة للحليب الخام من جهة أخرى، مما دفعها لتقليص الإنتاج وبالتالي نقص تزويد الأسواق الوطنية من مادة الحليب.
ودفع هذا الوضع وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية إلى الاجتماع هذا الأسبوع بالمهنيين في القطاع، من أجل عرض الوضعية واقتراح تدابير لتجاوزها.
وقالت وزارة الفلاحة في بيان لها إن سلسلة الحليب تأثرت بعدة عوامل، لا سيما الجفاف الذي شهدته البلاد، وزيادة أسعار عوامل الإنتاج المرتبطة بالوضع الدولي (عواقب كوفيد-19 وأسعار الطاقة).
من جانبه، أفاد محمد لولتيتي، رئيس “الفدرالية المهنية المغربية للحليب”، في تصريح للصحافة عقب الاجتماع، بأن الفاعلين في القطاع يبذلون مجهودا حتى يستمر تموين الأسواق، لكن السلسلة تعيش صعوبة ارتفاع التكاليف.
واتفقت وزارة الفلاحة مع المهنيين على عدد من التدابير لتجاوز الأزمة الراهنة وضمان تزويد الأسواق من مادة الحليب وتشمل هذه الإجراءات:
بالإضافة إلى ذلك، سيتم اتخاذ تدابير أخرى تتعلق بتطوير سلسلة الحليب، وتشمل المساعدات والتحفيزات للاستثمار في القطاع والتثمين، واستيراد الأبقار الحلوب وإنتاجها محليا، والتلقيح الاصطناعي، والعمل على إنجاز برنامج خاص بإنتاج الأعلاف لدعم الإنتاج المحلي وغيرها من التدابير.
سلسلة إنتاج الحليب
تطورت سلسلة إنتاج الحليب بالمغرب خلال العقدين الماضيين، وتساهم هذه السلسلة في ضمان الأمن الغذائي للبلاد عبر تلبية 96% من الطلب، ويبلغ معدل الاستهلاك 74 لترا للفرد في السنة.
وحسب بيانات رسمية لوزارة الفلاحة، فإن عدد قطيع الأبقار الحلوب شهد ارتفاعا مهما منذ عام 2008، واستقر في حوالي 1.8 مليون رأس عام 2015.
ووفق المصدر نفسه، فإن هذه السلسة توفر حوالي 49 مليون يوم عمل في السنة، وتحقق رقم معاملات يقدر بنحو 13 مليار درهم (1.2 مليار دولار)، وقيمة مضافة تناهز 6 مليارات درهم (500 مليون دولار).
المصدر : الجزيرة