الأسلحة الإيرانية إلى روسيا… تقارب متأنّ للمصالح الإستراتيجية

الأسلحة الإيرانية إلى روسيا… تقارب متأنّ للمصالح الإستراتيجية

يعكس دخول إيران على خط الحرب الأوكرانية رغبة من طهران في تعزيز التقارب مع روسيا، إذ أن الطريق إلى زيادة التعاون الثنائي في مجال الطاقة والمبيعات العسكرية بين روسيا وإيران سيُفتح مع العقوبات الأميركية القاسية التي فرضت مؤخرا على روسيا حتى لو بقيت القيود على إيران سارية.

واشنطن – يتهم الغرب إيران علانية ببيع طائرات دون طيار أو حتى صواريخ لروسيا، وهي مزاعم يمكن إثباتها أحيانًا بينما تبقى في أحيان أخرى مجرد تكهنات، لكنها تشير إلى إستراتيجية تخدم مصالح طهران من نواح عدة.

وتنفي الجمهورية الإسلامية التي فرض المجتمع الدولي عقوبات شديدة عليها بسبب برنامجها النووي وتتعرض لانتقادات قاسية لقمع الاحتجاجات حاليًا، أنها تقدم الدعم لموسكو. ومع ذلك، يبدو التقارب الثنائي ملموسًا.

وأكدت كييف الأسبوع الماضي أن نحو 400 طائرة إيرانية دون طيار استُخدمت ضد أهداف مدنية ولضرب بنيتها التحتية، وأضافت أن موسكو طلبت 2000 من هذه المسيرات. وطالب وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا نظيره الإيراني بأن يتم “فورًا” وقف إمداد موسكو بالأسلحة.

إيران تكسب من نشر أسلحتها، إذ يمكن أن يكون المسرح الأوكراني ساحة اختبار فريدة من نوعها بعد الشرق الأوسط

وفرضت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي من جانبها، منتصف أكتوبر، عقوبات على ثلاثة إيرانيين وكيان بتهمة تزويد موسكو بالأسلحة.

وقال البيت الأبيض الثلاثاء أيضا إنه “قلق” بشأن شحنات صواريخ أرض – أرض إيرانية يُحتمل أن تتسلمها موسكو. وأضاف جون كيربي المتحدث باسم مجلس الأمن القومي “لم نتمكن من تأكيد ذلك حتى الآن لكنه ما زال مصدر قلق”.

وبعض الاتهامات أيدتها المعارضة الإيرانية. إذ تقول منظمة “مجاهدي خلق” إن شحنات الطائرات المسيرة تغادر أسبوعيا من قاعدة تابعة للحرس الثوري في “طائرات شحن عسكرية روسية”.

وقالت المنظمة في بيان إن هذه الطائرات تُصنع في مصانع تابعة لجمعية صناعات الطيران والفضاء الإيرانية التي تتهمها المنظمة “بالتحايل على العقوبات واستيراد تقنيات محظورة”.

ولم يتسن التحقق من هذه المعلومات. لكن من الواضح أن المسيرات الإيرانية سمحت لموسكو باستعادة المبادرة عسكريًا بعد أن كانت قوات كييف هي التي تشن هجمات مضادة منذ نهاية أغسطس.

ويذكر المحللون الغربيون أن التعاون العسكري قائم منذ فترة بين الطرفين. وقال كولين كلارك، مدير الأبحاث في مجموعة صوفان، وهي مؤسسة استخباراتية وأمنية أميركية إن البلدين ناقشا منذ عام 2016 “تحديث الترسانة التقليدية الإيرانية”.

ولم يتم إبرام أي اتفاق منذ ذلك الحين، باستثناء تسليم روسيا عددًا قليلًا من بطاريات “أس – 300” المضادة للطائرات كأسلحة دفاعية بحتة. وقال الخبير إنه بالنظر إلى احتياجات روسيا الضخمة من الأسلحة في الوقت الحالي فمن “غير المؤكد” إبرام اتفاق في وقت قريب.

وفي سبتمبر، نقلت وسائل إعلام روسية عن وكالة الأنباء الإيرانية “بورنا نيوز” أن طهران تدرس شراء طائرات مقاتلة من طراز “سوخوي – 35”. وهو أمر لا يثير الاستغراب نظرًا إلى عدد الحوادث المؤسفة في أسطولها الذي يعود إلى ما قبل الثورة الإسلامية عام 1979.

وقال بيار رازو، المدير الأكاديمي لمؤسسة البحر الأبيض المتوسط للدراسات الإستراتيجية إن “الجيش الإيراني في حالة مثيرة للشفقة، فعتاده الحربي يبلغ متوسط عمره 50 عامًا. كل ما هو تقليدي أصبح قديمًا”.

ولذلك يحتاج الجيش الإيراني إلى عملية تحديث لكنه منهك بالعقوبات. وأضاف أن التبادل يجري عن طريق “المقايضة”: طائرات دون طيار مقابل طائرات مقاتلة بالإضافة إلى التدريب.

400
طائرة إيرانية دون طيار استُخدمت ضد أهداف مدنية ولضرب بنيتها التحتية

وإلى جانب الاستحواذ المحتمل على طائرات سوخوي، يمكن أن تكسب طهران الكثير من نشر أسلحتها في أوكرانيا. فبعد أن نشرتها من خلال فصائل مسلحة قريبة منها في الشرق الأوسط، يمكن أن يكون المسرح الأوكراني ساحة اختبار فريدة من نوعها.

وقال إريك بروير، مدير مبادرة التهديد النووي وهي منظمة غير حكومية “إنها دعاية ممتازة… هل هناك وسيلة إقناع أفضل من إظهار قدراتك في حرب حقيقية؟”.

وأضاف أن إيران تنتهز كذلك فرصة الحرب في أوكرانيا “لضرب الغرب في ساحته الخلفية، وتذكر الولايات المتحدة وإسرائيل ودول الخليج بما يمكن أن تفعله لو ضربتها. وهذا يعزز من قدرة الردع الإيرانية على نحو مرئي”.

وأخيرًا، فإن إيران تستغل الوقت للتقارب مع موسكو في وقت تحتضر فيه اتفاقية فيينا بشأن برنامجها النووي مع استبعاد رفع العقوبات الأميركية لفترة طويلة.

وأكد إيفان كليشز، الباحث في معهد السياسة الخارجية في تالين بإستونيا، لوكالة فرانس برس “ما من شك في أن صناعات الطيران الإيرانية والروسية ستحرز تقاربًا، وهي عملية سرَّعت الحرب وتيرتها… ليس لدى أي من البلدين أمل في الحصول على التكنولوجيا من الغرب – بما في ذلك من تركيا – وهناك حدود لما يمكن أن تقدمه الصين”.

ويدافع ضباط الجيش في طهران علانية عن قوة الأسلحة الروسية، كما أكد بيار رازو. لكن الإيرانيين يحذرون من الاعتماد المفرط على موسكو. فهم “لا يريدون أن يضعوا كل بيضهم في سلة واحدة. إنهم يدركون أن موسكو يمكن أن تخسر (الحرب) ولن يرغبوا في أن يكونوا في الجانب الخاسر”. وهذا ما يضعف هذا التقارب المتأني للمصالح الإستراتيجية الثنائية.

وفي كل أزمة هناك أطراف مستفيدة وأطراف خاسرة، مثلما هو الحال بالنسبة إلى الأزمة الأوكرانية التي لا تعرف بعد مآلاتها مع استمرار قرع طبول الحرب بين موسكو وكييف. ويرى محللون أن إيران من بين الأطراف التي يمكن أن تستفيد من أي انفجار، حيث أن الكرملين لن يجد حرجا في تعزيز الروابط مع طهران وكسر العقوبات الأميركية على هذا البلد في حال تدحرجت الأوضاع نحو الحرب مع أوكرانيا المدعومة من حلف غربي بقيادة واشنطن.

ومن المحتمل أن تصبح إيران أحد أبرز المستفيدين من الأزمة المتصاعدة بشأن أوكرانيا إذا عبرت القوات الروسية الحدود الأوكرانية وفشلت المحادثات في فيينا في إحياء الاتفاق النووي الإيراني الذي أبرِم في العام 2015، وانسحبت منه الولايات المتحدة في العام 2018.

ويؤدي فرض عقوبات أميركية وأوروبية صارمة ردا على أي توغل روسي في أوكرانيا إلى جعل روسيا أكثر ميلا إلى تجاهل تداعيات انتهاك العقوبات الأميركية في تعاملاتها مع إيران.

وقد تعني ديناميكيات الأزمة الأوكرانية واحتمالات فشل محادثات فيينا من الناحية النظرية أن اتفاقية تعاون روسية – إيرانية طويلة الأمد يمكن أن تتحقق بنسق أسرع.

وقد يؤدي التفاوض مع روسيا التي تفرض عليها الولايات المتحدة وأوروبا عقوبات شديدة في أزمة متصاعدة في أوكرانيا إلى تمهيد الطريق لأن كلا الطرفين سيواجهان عوائق الإجراءات العقابية الغربية.

وأشار الباحث والمحلل السياسي الإيراني صادق زيباكلام، المقيم في طهران، إلى أن الوقت قد حان لكي يتقاعد النظام من شعار الثورة الإيرانية المُعتمد منذ ثلاثة وأربعين عاما “لا الشرق ولا الغرب”، والمحفور في لوحة بوزارة الخارجية.

العرب