إلى أي حد ستصل التحولات الجيوسياسية العالمية بسبب الحرب الأوكرانية المشتعلة؟

إلى أي حد ستصل التحولات الجيوسياسية العالمية بسبب الحرب الأوكرانية المشتعلة؟

أشار المعلق ديفيد إغناطيوس بمقال في “واشنطن بوست” إلى التحولات الجيوسياسية العالمية بسبب الحرب الأوكرانية المشتعلة، أكد فيه أن العالم يعيد ترتيب نفسه، والمثال هو كوريا الشمالية التي أصبحت قريبة من روسيا والصين.

وقال: “في اللعبة الدولية للقوة والتأثير، اقتربت كوريا الشمالية  من الصين وروسيا، وتخلت عن الرغبة في التعامل مع الولايات المتحدة. ويمثل موقف بيونغيانغ المتشدد علامة عن إعادة ترتيب عالمي يحدث في أعقاب الحرب بأوكرانيا”. ومع استمرار الحرب في أوروبا فإن العالم بات ينقسم وبشكل حاد بين الشرق والغرب. ورغم قوة شراكات الولايات المتحدة إلا أن معسكر أعدائها قوي أيضا. وتقوم ضمن هذا الانقسام العالمي كل من كوريا الشمالية وإيران بتزويد الأسلحة والصواريخ لروسيا المحاصرة، حسب البيت الأبيض. فيما تحاول الدول المتأرجحة مثل السعودية والإمارات العربية المتحدة وتركياتحويط رهاناتها بين القوى العظمى المتصارعة.

ويعلق إغناطيوس أن كوريا الشمالية تعيش وضع الدولة المارقة منذ خمسينات القرن الماضي إلا أن تصرفاتها كانت متطرفة في الفترة الأخيرة حتى في معايير بيونغيانغ. فقد أطلقت وابلا من القنابل المدفعية والصاروخية باتجاه الجارة الجنوبية، وأرسلت مقاتلات لتخويف كوريا الجنوبية هذا الشهر. وفي أيلول/سبتمبر مررت قانونا جديدا وعدت فيه باستخدام الأسلحة النووية “أوتوماتيكيا ومباشرة” لو تعرضت قيادتها للهجوم.

ويوضح هذا التصرف المشين التكلفة الخفية للحرب الأوكرانية، ففي ظل التهديدات اليومية من روسيا باستخدام أسلحة نووية تكتيكية تشعر الدول الأصغر بأنها بحاجة للسلاح النووي لو أرادت النجاة وتعرف أنه لو كان لديها، فيجب ألا تتخلى عنها، وهو ما فعلته أوكرانيا عام 1994. وكتب الدبلوماسي الياباني البارز والسابق مايومي فوكوشيما في نيسان/إبريل مقالا بموقع “وور أون ذا روكس” قال فيه “زادت الحرب، وللأسف من قيمة الردع المفترضة للأسلحة النووية”.

 ومنذ بداية الحرب في شباط/فبراير، اتخذت كوريا الشمالية خطوات قوية من أجل تقوية عقيدتها النووية ورفض المفاوضات مع الولايات المتحدة الهادفة لتفكيك برامجها النووية. وبدأت بالتقارب مع  الصين وروسيا. ويبدو أن رغبة الرئيس كيم جونغ- أون التوصل إلى صفقة مع واشنطن، كما بدا في “رسائل الحب” المتبادلة مع دونالد ترامب، قد تبخرت. ويقول روبرت كارلين، المحلل البارز السابق لشؤون كوريا الشمالية في سي آي إيه: “تقترح كل الإشارات حدوث تحول جذري في تفكير كوريا الشمالية”. واعترف أنه بعد لقاء كيم مع ترامب في هانوي عام 2019 “لم تعد هناك إمكانية لعلاقات طبيعية مع الولايات المتحدة، تستحق العناء. ولو كانت الصين في صعود مستمر والولايات المتحدة في تراجع في منطقة آسيا- الباسيفيك، فلم يكن منطقيا لدى كوريا الشمالية وضع أي بيضة في سلة الولايات المتحدة”. وتقول المحللة الكورية الجنوبية راشيل مينينغ لي إن كوريا الشمالية ظلت تبحث في الولايات المتحدة كمعادل لقوة روسيا والصين، وقالت إن بيونغيانغ أنهت قرارا استراتيجيا عمره 30 عاما واتخذه كيم إل سونغ لتطبيع العلاقات مع واشنطن لكي تكون حاجزا ضد بيجين وموسكو.

وكان هذا التحول ردا على المعاهدة التي أعلنت عنها الصين وروسيا “لا حدود” والتي وقعها فلاديمير بوتين وشي جينبنغ. وتبع الإعلان عن “نظام عالمي جديد” غزو بوتين لأوكرانيا. وكان “نقطة انعطاف” لكيم كما تقول لي، مشيرة لخطاب ألقاه في أيلول/سبتمبر وقيم فيه المعاهدة هذه “تم التسريع بالانتقال من عالم القطبية الواحدة الذي تدعمه الولايات المتحدة إلى عالم متعدد القطبية وبشكل مهم”. وكان كيم مهتما جديدا بكل من الصين وروسيا، وسرعان ما أيد قرار موسكو ضم جمهوريات منفصلة في دونستيك ولوهانسك في أوكرانيا. كما ودعم القمع الصيني في هونغ كونغ وتهديداتها لتايوان. وبحسب كارلين، فقد قال وزير الدفاع الكوري الشمالي في آب/أغسطس إن بلاده “ستشن عمليات تنسيق استراتيجية وتكتيكية” مع الجيش الصيني، وسارع كيم لتقوية قوة الردع النووية الكورية الشمالية في نيسان/إبريل، وقال إنه سيعزز من قدراته النووية بمعدلات سريعة.

ثم جاء قانون أيلول/سبتمبر الذي يفرض هجوما نوويا مضادا لو تعرض للتهديد. وأهم من كل هذا هو أن كيم استبعد فكرة تخلص بلاده من السلاح النووي وقال “لقد رسمنا خطا بعدم التراجع فيما يتعلق بسلاحنا النوي ولن تكون هناك أي مقايضة بشأنها”. و “لن تكون هناك عملية نزع للسلاح النووي”. وراقبت إدارة بايدن التطورات بقلق، إلا أن مسؤولا بارزا في الخارجية قال يوم الثلاثاء “من الباكر الحديث إن كانت تعبر عن تحولات  أساسية”.

 وعبرت الإدارة منذ وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض عن جاهزية للمحادثات مع كوريا الشمالية، في أي  وقت وأي مكان وبدون شروط مسبقة. ولم ترد كوريا الشمالية باستثناء خطاب يدعو للحرب وإطلاق  أكثر من 60 صاروخا باليستيا هذا العام. وكيم محق في أمر واحد وهو أن الصين وروسيا تبحثان عن نظام دولي جديد ليحل محل النظام القائم على القانون والقواعد، كما يصفه بايدن، وأوكرانيا هي ساحة المعركة الحالية ولكنها ليست الساحة الوحيدة.

القدس العربي