تحت هذا العنوان كتبت جوي نوميير، الصحافية والمؤرخة الثقافية المتخصصة في روسيا وأوروبا الغربية، مقالة رأي في “نيويورك تايمز” اعتبرت فيها “أن الوضع الحالي لروسيا، تغلب عليها كفة العسكرة ومعزولة وفاسدة وخاضعة إلى هيمنة أجهزة أمنية وتنزف مواهب مع فرار مئات الآلاف إلى الخارج هرباً من الخدمة في حرب مرعبة، وضع قاتم”. ولفتت إلى أن بعضهم يتوقع نهاية لهذا الوضع بخروج الرئيس فلاديمير بوتين من السلطة، وحضت قادة البلاد اللاحقين في حال حصل ذلك على تفكيك الهياكل التي تربع بوتين على سدتها لأكثر من عقدين وتحويلها.
وأشارت إلى أن معارضين معروفين إلى جانب ممثلين شباب لحكومات محلية وإقليمية عقدوا “المؤتمر الأول لنواب الشعب في روسيا” في بولندا أوائل الشهر الحالي، واختاروا لمؤتمرهم قصر “جابلونا” خارج وارسو، والموقع ذو دلالة حيث شهد أولى المفاوضات التي أفضت إلى انتهاء الحكم الشيوعي في بولندا.
وقالت إن المشاركين وضعوا خطة لإعادة بناء روسيا بعد بوتين، لافتة إلى أن الوثيقة تتضمن مقترحات “تشكل معاً جهداً جدياً لتخيل روسيا من دون السيد بوتين”.
ووفق مقالة “نيويورك تايمز” فقد حل إنهاء الحرب في أوكرانيا في صدارة أولويات المؤتمر المذكور أعلاه، فالمشاركون اعتبروا أن المعارك ستنتهي بخسارة روسية أو كارثة نووية.
الأفول الروسي الخطير
واقترح المؤتمر انسحاباً روسيا من أوكرانيا كلها، بما في ذلك شبه جزيرة القرم التي ضمتها عام 2014، وإنشاء لجنة مشتركة بين البلدين للتحقيق في جرائم الحرب، وتسديد روسيا تعويضات إلى أوكرانيا عن البنية التحتية المدمرة وإلى عائلات القتلى الأوكرانيين، وسحب فكرة “حروب الغزو” من القاموس السياسي الروسي، إضافة إلى مراجعة تاريخ روسيا الإمبريالي مراجعة نقدية.
كذلك شدد المجتمعون على حظر عمل أي روسي يتحمل مسؤولية الغزو أو أبدى تأييداً له في أي منصب عام، كما دعوا إلى تشكيل لجنة تعيد تأهيل من لم يرتكبوا جرائم خطرة من بين هؤلاء، وفتح أرشيفات الوكالات الأمنية للتدقيق العام.
ولفتت نوميير إلى أن الوثيقة الصادرة عن المؤتمر أولت شأناً كبيراً لإعادة هيكلة الاتحاد الروسي، فنصت على تخفيف المركزية التي تربط أكثر من 80 جمهورية ومنطقة بالرئاسة الروسية، وإنشاء نظام برلماني ديمقراطي ومنح الجمهوريات والمناطق حق تقرير المصير.
ونبهت الكاتبة إلى أن وعوداً بتطبيق اللامركزية لم تتحققمنذ عهد فلاديمير لينين ووصولاً إلى عهد بوريس يلتسين، وفي حين أن الدستور الروسي ينص على المساواة بين جميع مواطني الاتحاد الروسي، يدفع بوتين بمواطنين من جمهوريات ومناطق فقيرة مثل داغستان وبورياتيا إلى أتون الحرب الدائرة في أوكرانيا، أكثر بكثير مما يفعل مع غيرهم من مواطنيه.
واعتبرت كاتبة المقالة في “نيويورك تايمز” أن المؤتمر لم يقدم تصوراً واضحاً بما فيه الكفاية في الشأن الاقتصادي، فهو يعد بمراجعة نتائج الخصخصة التي جرت خلال التسعينيات من القرن الـ 20 وأدت إلى قيام طبقة الـ “أوليغارشيين”، ويعد بإلغاء نظام التقاعد غير الشعبي الذي أقره بوتين عام 2020، لكنه لا يشير إلى ضرورة إنشاء شبكة أمان اجتماعي قوية وتحويل الاقتصاد الروسي بعيداً من الاعتماد على صادرات الطاقة، “ذلك أن الثروة والسلطةمنذ التسعينيات، حين طبقت الخصخصة والانتخابات الحرة معاً، متداخلان، مما يجعل الإصلاح السياسي والإصلاح الاقتصادي غير ممكنين إلا في شكل متزامن”.
وأشارت الكاتبة إلى عيب آخر شاب المؤتمر، إذ كان منظمه وراعيه الرئيس إيليا بونوماريف، وهو نائب روسي تفرد بالتصويت ضد ضم شبه جزيرة القرم وفرّ إلى أوكرانيا حيث يدير شبكة تلفزيونية ناطقة بالروسية ومعادية للكرملين، لكنه مثير للجدل في أوساط المعارضة الروسية، إذ أيد اغتيال ابنة ألكسندر دوغينالمنظر للسياسات البوتينية، مما جعل المعارضين البارزين لبوتين، غاري كاسباروف وميخائيل خودوروفسكي، يستبعدانه من مناسبة نظماها أخيراً ويغيبان عن مؤتمر بولندا.
هذا وانسحب بعض المشاركين من مؤتمر بولندا احتجاجاً على ما وصفوه بغياب الشفافية من طريقة إدارته، وكتبت نوميير تقول: “لا يفيد نزاع كهذا المقترحاتالتي قد تبدو بعيدة المنال، لكن التاريخ يثبت أن التغييرات الجذرية تتجمع في الخارج أو سراً، ففي أواخر القرن الـ 19 وأوائل القرن الـ 20 خطط مهاجرون سياسيون روس متخاصمون كانوا يقيمون في أرجاء مختلفة من أوروبا لسقوط الإمبراطورية الروسية، وكان من بينهم لينين الذي كان يعيش في بولندا منذ بداية الحرب العالمية الأولى، ويمكن للتغيير أن يأتي من حيث لا يتوقع، فأوائل عام 1917 قال لينين متشائماً إنه قد لا يعيش ليشهد الثورة في بلاده، وبعد بضعة أسابيع سقط القيصر”.
اندبندت عربي