قُتل زعيم ثالث لتنظيم “داعش” خلال عملية نفذتها فصائل محلية في محافظة درعا جنوب سورية، ليكون بذلك ثالث زعيم لهذا التنظيم يُقتل في الأراضي السورية، التي كان يسيطر على نحو ثلثها قبل أن يبدأ رحلة تراجع، حوّلته إلى خلايا في أكثر من منطقة.
وأعلن المتحدث الرسمي باسم “داعش” أبو عمر المهاجر، خلال كلمة صوتية نشرها معرف التنظيم على تطبيق “تلغرام” أول من أمس الأربعاء، مقتل أبو الحسن الهاشمي القرشي وهو المتزعم الثالث للتنظيم، وتعيين أبو الحسين الحسيني القرشي خلفاً له. ولم يوضح المهاجر تاريخ وفاة أبو الحسن القرشي أو ملابساتها، مكتفياً بالقول إنه قُتل في معركة مع “أعداء الله”.
غير أن القيادة المركزية الأميركية (سنتكوم) أكدت، في بيان، أن القرشي قُتل خلال عملية نفذها “الجيش السوري الحر” في محافظة درعا منتصف أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. وقال المتحدث باسمها جو بوتشينو، في بيان، إن مقتل القرشي يشكل “ضربة جديدة” للتنظيم، لكنه لفت إلى أنه لا يزال يشكل خطراً على المنطقة.
القرشي فجر نفسه بعد محاصرته
وقالت مصادر محلية، لـ”العربي الجديد”، إن أبو الحسن القرشي فجر نفسه في 17 أكتوبر الماضي، بعد محاصرته داخل مبنى من قبل المجموعات المحلية التي كانت سابقاً تعمل في صفوف “الجيش الحر” المعارض، في مدينة جاسم بريف درعا الشمالي، جنوبي سورية.
وفي السياق، أوضح الناشط الإعلامي رشيد الحوراني في حديث مع “العربي الجديد”، أن المدعو أبو الحسن القرشي كان يُعرف في محافظة درعا باسم “أبو عبد الرحمن العراقي”، مشيراً إلى أنه تزوج امرأة سورية من محافظة درعا، مؤكداً أنه ظهر في المنطقة قبل نحو عام.
وبيّن أن القرشي، الذي يحمل الجنسية العراقية، اشترى مزرعة وشيّد بها منزلاً في بلدة جاسم بريف درعا الشمالي. وأشار الحوراني إلى أن “أبو عبد الرحمن العراقي” أنشأ محكمة للتنظيم في مدينة جاسم تبعد عن حاجز أمني لقوات النظام 400 متر فقط، ولم تكن تلك المحكمة معلنة، مثلها مثل تواجد عناصر التنظيم الذين بدأوا بالتحكم بالمدينة، من دون أن يعلنوا فرض سيطرة جغرافية عليها.
المحكمة فضحت أمر “داعش”
ولفت إلى “أن المحكمة هي التي فضحت أمر التنظيم، وكانت السبب الرئيسي للقضاء على خلايا التنظيم في مدينة جاسم ومحيطها”، موضحاً أن عدد خلايا التنظيم قُبيل بدء العملية في جاسم بريف درعا الشمالي تجاوز الـ 200 شخص بين قادة وعناصر.
ويعتقد الحوراني أن الأجهزة الأمنية التابعة للنظام في محافظة “كانت تعرف بأمر العراقي وسهّلت له الإقامة في المنطقة وإقامة محكمة”. وأوضح أن “قوات النظام قطعت المياه والكهرباء عن بلدة جاسم أثناء الحملة التي قامت بها المجموعات المحلية ضد خلايا التنظيم، كما استهدفت بالمدفعية الثقيلة عدة مناطق كانت تتمركز بها هذه المجموعات أثناء الحملة منتصف الشهر الماضي”. وبين أن “النظام حاول بداية الأمر حماية خلايا داعش، لكنه لاحقاً حاول ركوب الموجة من خلال ادعائه أن قواته شاركت في الحملة العسكرية ضده”.
من جهته، قال “محمد الدرعاوي”، وهو اسم مستعار لناشط إعلامي من محافظة درعا، في حديث لـ”العربي الجديد”، إن المرأة التي تزوجها “العراقي” تدعى ميسون الصلخدي، مشيراً إلى أن القرشي اتخذ من كنية زوجته لقباً فبات يعرف بـ”أبو عبد الرحمن الصلخدي”.
وأكد أنه قُتل مع “العراقي” عدد من قادة الصف الثاني في التنظيم من بينهم “وليد البيروتي”، والقيادي “أبو حسن الشامي”، وقياديون من تونس. ولفت الدرعاوي إلى أن “خلايا تنظيم داعش عملت قُبيل الحملة العسكرية ضدهم على استهداف قادة وعناصر فصائل المعارضة السورية السابقين، للسيطرة بشكل كامل على بلدة جاسم لتكون مقراً لهم.
حملات ضد خلايا “داعش”
وكانت مجموعات محلية تضم مقاتلين كانوا في صفوف الجيش الحر قبل إجراء تسويات مع النظام، شنت حملات ضد خلايا “داعش” في المحافظة، آخرها الحملة على منطقة طريق السد، والتي انتهت في 18 الشهر الماضي بالقضاء على الخلايا.
وكان “داعش” يملك حضوراً كبيراً في ريف درعا الغربي بمنطقة حوض اليرموك من خلال فصيل كان يسمي نفسه “جيش خالد” الذي تأسس في عام 2016. واستنزف هذا الفصيل خلال سنوات فصائل المعارضة في جنوب سورية، قبل أن يختفي في 2018.
وكانت مصادر مطلعة قد ذكرت في حينه أن النظام أبرم صفقة مع “جيش خالد” انتقل بموجبها عناصر الفصيل إلى البادية السورية للالتحاق بخلايا التنظيم، والتي هاجمت لاحقاً الريف الشرقي لمحافظة السويداء وقتلت واختطفت المئات من سكانه.
أنشأ “داعش” محكمة بجاسم تبعد 400 متر عن حاجز للنظام
وكان “داعش” سيطر خلال عامي 2014 و2015 على أكثر من ثلثي الأراضي السورية وكان يملك حضوراً عسكرياً في أغلب المناطق السورية ما عدا منطقة الساحل. ولكن التنظيم بدأ رحلة تراجع في 2016 حين شنت فصائل المعارضة السورية بدعم تركي عملية في ريف حلب الشمالي، ثم بدأت “قوات سورية الديمقراطية” (قسد) بدعم من التحالف الدولي حرباً طويلة الأمد بدأت في 2016 وانتهت مطلع 2019 بالقضاء عليه في شرقي نهر الفرات.
استثمار أجهزة الاستخبارات في “داعش”
ورأى الباحث السياسي ياسين جمول، في حديث مع “العربي الجديد” أن “استثمار مختلف الدول وأجهزة الاستخبارات في داعش، وغلاة التنظيمات عموماً، بات أمراً مكشوفا”.
وأوضح أن “من طبيعة هذه التنظيمات أن لا قوام تنظيمياً يحكمها بالصورة المعروفة إدارياً وتنظيمياً، ما لم تستقر بمكان تجرّب فيه نموذجها، وحينها يسهل أكثر إنهاؤها”.
وتابع: “داعش” اليوم أشبه بالشبح، تستفيد منه الدول بالتخويف وضرب الآخرين وتضييع مكتسبات الخصوم. ولا يعزل جمول الإعلان عن مقتل القرشي عن العملية العسكرية التركية المحتملة ضد “قسد” في شمال سورية، موضحاً أن الإعلان جاء من واشنطن المعترضة على العملية التركية بحجة أنها قد تعيق محاربة “داعش”. وتساءل: الوفاة تمت منذ شهر، فلماذا لم يعلنوا عنها إلا اليوم؟ ومتى كان الأميركيون يحبون “الجيش السوري الحرّ” حتى ينسبوا لهم العملية علناً؟
ويعد “العراقي” المتزعم الثالث لتنظيم “داعش” الذي يقتل في الأراضي في سورية، حيث قتل الأول أبو بكر البغدادي في 27 أكتوبر 2019 أثناء عملية إنزال لقوات أميركية بالقرب من بلدة باريشا القريبة من الحدود السورية – التركية، شمالي إدلب، شمال غربي البلاد. وقتل خلفه المدعو “أبو إبراهيم الهاشمي القرشي” في الثالث من فبراير/ شباط الماضي خلال عملية إنزال لقوات التحالف الدولي، بقيادة أميركا، بالقرب من معبر دير بلوط شمالي محافظة إدلب، شمال غرب سورية.
العربي الجديد