أثارت احتجاجات مدينة السويداء، التي أسفرت عن مقتل شرطي وأحد المتظاهرين يوم الأحد الرابع من ديسمبر (كانون الأول)، دهشة الكثير من السوريين حيث شكّلت المدينة استثناءً طيلة سنوات النزاع.
وتفيد المعلومات الواردة من المدينة الواقعة في جنوب البلاد إلى هدوء حذر إثر انكفاء المتظاهرينبعد إحراقهم لمقر دار الحكومة بمركز المدينة، وكسر صمت الهدوء أصوات عدة تفجيرات، وتحدث أحد الناشطين الميدانيين “عن سماع ثلاثة انفجارات خفيفة وأصوات متفرقة لطلقات نارية”.
وأفاد رامي عبد الرحمن مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان لوكالة الصحافة الفرنسية “بمقتل متظاهر على الأقل برصاص قوات الأمن بعد اقتحام مبنى المحافظة ونزع صورة كبيرة لرئيس النظام بشار الأسد كانت معلقة على واجهته”.
وقال الناشط ريان معروف من شبكة “السويداء 24” المحليّة للأنباء إن “المتظاهر توفي متأثراً بإصابته بعد نقله وأربعة مصابين الى المستشفى”. في وقت لاحق، أفاد المرصد وشبكة السويداء 24 عن مقتل شرطي.
الحراك والمطالب
في غضون ذلك تحاول مشيخة العقل في الطائفة الدرزية، التي تشكل غالبية السكان من أبناء المحافظة، العمل على ترجيح صوت الحكمة بالتعامل مع هذه الأحداث الحالية.
ويرى الشيخ حمود الحناوي، شيخ العقل في الطائفة الدرزية في حديثه لـ”اندبندنت عربية” ضرورة الإسراع بوضع حل لهذه الأزمة الراهنة والتواصل مع الجهات المعنية ومنع تفاقمها، وقال إنه طوال أكثر من عشر سنوات من عمر الصراع الداخلي لم تفسح السويداء المجال لوصول الاضطرابات إليها.
وأردف: “لقد فوجئنا بحدوث هذه الاحتجاجات وما نتمناه هو التهدئة، ونركز على السلم الأهلي والاستقرار والهدوء وما نمر به من ظروف تعتبر صعبة بالتأكيد ولكن بالنسبة لنا نأمل من السلطة الصبر والتحمل والتعامل بحكمة، ونبدي تعاوناً مع كل الجهات حتى لا نفسح المجال لأية تطورات”.
وأوضح “ليس لدى المرجعية تفاصيل دقيقة عما حدث، ولكن يبدو أن الحاجة رعناء بالنسبة لأناس قد رفعوا صوتهم وهو أمر طبيعي، ولكن أن تتطور الأمور إلى أبعد من ذلك هو أمر يحتاج إلى توقف وتهدئة وتقدير العواقب والتفكير بشكل سليم”.
وأبدى الشيخ حناوي استغرابه لمجريات ما حدث لا سيما بأن الطائفة ومرجعتيها الدينية وكل أبناء الطائفة عملوا طوال السنوات الماضية على التعقل من دون الانخراط بالاحتجاجات.
وأضاف: “منذ بداية الأزمة نعمل بصبر وحكمة وعقلانية، وأكرر بأن مشيخة العقل ورجال الدين يدعون إلى الصفاء وتنقية الأمور، ولا نقبل بمساس مؤسسات الدولة ونسعى إلى التهدئة وحقن الدماء”.
خارجون عن القانون
إزاء ذلك يتوقع مراقبون عودة مشهد السويداء الدامي بعد دعوات بثها ناشطون للتظاهر في دوار المشنقة، الأمر الذي لم تمنعه السلطات والتفسير الأولي “ظناً منها بعدم خروج التظاهرات عن مستوى المطالبات المعيشية والتظاهر السلمي، لكن الأمور خرجت عن كل التوقعات”، ومن جانب ثاني من المتوقع استمرار الاحتجاجات لكن بأسلوب سلمي إن استمرت الأوضاع المعيشية على حالها، لكن اللافت كان رفع شعار “إسقاط النظام”.
بالمقابل وصف وزير داخلية النظام السوري، اللواء محمد الرحمون مجموعة من الأشخاص بـ “الخارجين عن القانون” بحمل أسلحة فردية وقطع الطريق بالإطارات المشتعلة بجانب دوار المشنقة، والتوجه إلى مبنى المحافظة وإطلاق عيارات نارية بشكل عشوائي أسفرت عن سقوط إصابات وضحايا.
وتوعدت وزارة الداخلية بملاحقة “الخارجين عن القانون” الذين هاجموا مبنى المحافظة ومارسوا أساليب تخريبية عبر تكسير الأثاث، وفق البيان الذي كشف عن سرقة محتويات المبنى ومن ضمنها وثائق وإضرام النار به.
“مدينة محصنة”
وإن ظلت السويداء بعيدة عن الاضطراب الداخلي والصراع المستعر بين النظام والمعارضة فقد تصدت لأعوام متوالية من 2015 إلى 2018 لهجمات تنظيم “داعش” على امتداد القرى وأرياف المدينة، وقد حمل أبناء السويداء السلاح لصد هجمات التنظيم.
وتنادى الفريق المعارض للنظام السوري للوقوف إلى جانب الاحتجاجات واعتبارها تمثل الناس.
واتهم سوريون موالون للنظام المتظاهرين بالخيانة وقالوا إن تخريب المؤسسات والمرافق العامة لن يغير شيئاً “إذ أن الحصار والعقوبات ستبقى، ولن يحصل السوريون على الغاز والنفط والكهرباء” متسائلين: “ما الذي استفاد منه المحتجون من إشعال النار وحرق العلم السوري أو العلم الروسي”.
ويعاني أهل المدينة والسوريون عموماً من ضائقة اقتصادية ترتفع حدتها مع الوقت، إلا أن ما حدث في السويداء أعاد للأذهان الانقسامات المتزايدة في البلاد.
اندبندت عربي