هناك ثيمة شائعة في روايات “التاريخ البديل” هي كيف كان يمكن لألمانيا النازية أن تنتصر في الحرب العالمية الثانية.
وعادة ما تتضمن الإجابات قيام النازيين بتطوير أسلحة نووية.
ويشكل مثل هذا السيناريو الأساس لسلسلة “أمازون فيديو” الأصلية “الرجل في القلعة العالية” The Man in the High Castle، المستندة إلى رواية تحمل الاسم نفسه لفيليب ك. ديك. وعرضت السلسلة عالمًا تمكنت فيه ألمانيا من استخدام قنبلة ذرية ضد واشنطن العاصمة -مما أدى إلى انتصار “دول المحور” في الحرب.
ومع ذلك، فإن هذا لا يعدو كونه تفكيرًا خياليًا.
هتلر والأسلحة النووية: حظا سعيدا
في الحقيقة، لم تتح لألمانيا أبدًا فرصة لهزيمة الولايات المتحدة، ناهيك عن غزوها. ومن المرجح أن يكون تصنيع سلاح نووي الخيار الوحيد الذي كان سيفتح لأدولف هتلر والنازيين طريقًا إلى النصر بمجرد دخول الولايات المتحدة الحرب.
ومع ذلك، حتى حدث ذلك، ما يزال مقدار النفع الذي كان يمكن أن يحققه السلاح قابلًا للنقاش.
الجهود الألمانية باءت بالفشل
كما ذكرت سلسلة “خدمة البث العامة” الأميركية، المعنونة “نوفا” NOVA وعرضت في العام 2005، فقد خصصت ألمانيا كميات هائلة من الموارد لتطوير الصواريخ والطائرات النفاثة وغيرها من أشكال التكنولوجيا العسكرية الفتاكة. ومع ذلك، لم يحاول قادتها حقًا صنع قنبلة ذرية. ويغلب أن تكون هذه فرصة ضائعة بشكل كبير للنازيين.
في كانون الثاني (يناير) 1939، نشر الكيميائيان الألمانيان، أوتو هان وفريتز ستراسمان، نتائج تجربة تاريخية: بعد قصف اليورانيوم بالنيوترونات -وهي جزيئات محايدة الشحنة- عثر العالمان على الباريوم، وهو عنصر يبلغ حجمه نصف حجم اليورانيوم تقريبًا. وكان هذا اكتشافًا رائدًا أثار موجة محمومة من العمل على الانشطار النووي في جميع أنحاء العالم.
وبحلول نهاية ذلك العام، كان الفيزيائي فيرنر هايزنبرغ قد حسب أن تفاعلات سلسلة الانشطار النووي قد تكون ممكنة. ورأى كذلك أنه من المتصور أن تتمكن “آلة لليورانيوم” -مفاعل نووي- من توليد الطاقة، ومع ذلك، فإنها يمكن، عندما لا يتم التحكم فيها، أن تؤدي إلى انفجار نووي أقوى بكثير من المتفجرات التقليدية.
وقد شرع العلماء الألمان في صنع مثل هذا السلاح، واستمرت الجهود بالفعل طوال فترة الحرب، لكنها افتقرت إلى الحجم الذي ميز “مشروع مانهاتن” الذي كانت تقوده الولايات المتحدة. وكانت إحدى القضايا الإشكالية المطروحة هي أنها ليست جميع أشكال اليورانيوم تنقسم كما اكتشفت تجربة العام 1939.
كانت تلك مجرد البداية. وقد تطلب الأمر من فريق واسع من العلماء الذين يعملون في مواقع متعددة العمل لسنوات من أجل ضبط البحث، وتحديد التوازن الصحيح للنظائر والكتلة الحرجة لليورانيوم اللازمة لتحويل المواد المشعة البسيطة إلى سلاح حقيقي للدمار الشامل.
ببساطة، كان بناء مثل هذا السلاح يتطلب عملاً شاقًا. وعلى الرغم من أن “مشروع مانهاتن” بدأ بشكل متواضع إلى حد ما في العام 1939، إلا أنه نما ليوظف أكثر من 130.000 شخص، وتكلف ما يقرب من ملياري دولار -ما تعادل قيمتها 23 مليار دولار في العام 2020. وقد ذهب أكثر من 90 في المائة من التكاليف لبناء المصانع وإنتاج المواد الانشطارية، في حين ذهب أقل من 10 في المائة إلى تطوير وإنتاج الأسلحة. ولم يكن بوسع ألمانيا أبدًا أن تضاهي حجم البرنامج الأميركي -وبالتأكيد ليس في الإطار الزمني لجهود الحلفاء.
وثمة حقيقة مهمة يجدر ذكرها هي أن مشروع مانهاتن شمل أكثر من ثلاثين موقعًا في جميع أنحاء الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وكندا.
الكثير من الجهد -لذلك لم تهتم ألمانيا النازية حقًا
رأت القيادة النازية أن من الممكن تصنيع مثل هذا السلاح، لكنها اعتقدت أيضًا أن بناءه سيستغرق سنوات، واختارت ببساطة عدم تكلف العناء -ربما اعتقادًا منها بأن أحدًا آخر لن يُثقل نفسه بتحمل العناء للأسباب نفسها.
في الواقع، كان فقط لأن ألبرت أينشتاين، الذي فر من الاضطهاد النازي، وإنريكو فيرمي، الذي هرب بالمثل من إيطاليا الفاشية، رأيا الخطر المتمثل في عدم قدرة الولايات المتحدة على تحمل كلفة التخلف عن الركب، ووافقا على تقديم النتائج التي توصلا إليها للرئيس فرانكلين روزفلت.
وسافر فيرمي بالفعل إلى واشنطن في العام 1939، لكن قلة من المسؤولين الحكوميين الأميركيين شاركوه قلقه بشأن آفاق واحتمالات مثل هذا السلاح الفائق. وتطلب الأمر أخيرًا رسالة بعثها أينشتاين إلى الرئيس روزفلت، وحثه فيها على البدء في تطوير برنامج ذري، حتى تمكن فيرمي أخيرًا من جعل الكرة تتدحرج. ومع ذلك، لم يكن حتى أواخر العام 1941 حين حصلت الجهود الأميركية لتصميم وبناء قنبلة ذرية على اسمها الرمزي، “مشروع مانهاتن”.
وحتى عندما نما البرنامج في الحجم، كان القليلون فقط هم الذين يعرفون أنه يجري تطوير قنبلة ذرية. حتى أن نائب الرئيس آنذاك، هاري ترومان، لم يكن يعرف عن البرنامج إلى أن أصبح “الرئيس ترومان”، ثم وقَع عبء اتخاذ القرار باستخدام القنبلة فعليًا على كتفيه.
الأسلحة النووية: هل كانت ستساعد ألمانيا؟
الجزء الآخر من المعادلة هو ما إذا كان برنامج نووي ألماني يمكن أن يكون قد ساعد ألمانيا على كسب الحرب. من شبه المؤكد أن مثل هذا السلاح النووي كان سيستخدم لتدمير موسكو، ومن المحتمل أن النازيين كانوا سيستخدمونه في لندن لإسقاط المملكة المتحدة. لكن ألمانيا كانت ما تزال تفتقر إلى القاذفات اللازمة للوصول إلى نيويورك أو واشنطن العاصمة -وبينما كان بإمكانها إيصال ذلك السلاح باستخدام غواصة، فسيظل من غير المرجح أن يتمكن ذلك من كسر العزيمة الأميركية. بدلاً من ذلك، ربما كانت الولايات المتحدة ستبذل كل جهد ممكن من أجل تحقيق الإبادة النووية لألمانيا.
كانت الطريقة الوحيدة الممكنة لتحقيق نصر نووي ألماني هي ألا يكون لدى الولايات المتحدة “مشروع مانهاتن”. وفي هذا السيناريو، ربما كانت الولايات المتحدة ستأتي إلى طاولة السلام. لكن أي فرصة لتطوير ألمانيا قنبلة أولاً ضاعت حتى قبل أن تبدأ الحرب.
أدت سياسات النازيين إلى طرد أفضل العقول العلمية التي لديهم -بما في ذلك أينشتاين- ولم تكن لدى برلين فرصة على الإطلاق. وربما يكون سؤال “ماذا لو…” الأكثر منطقية هو: ماذا لو أن الحرب العالمية الأولى لم تحدث، أو لم تكن على الأقل على النطاق الذي حدثت به، وشرعت ألمانيا في تطوير مثل هذا السلاح في الثلاثينيات، ولو أن القيصر بقي في السلطة ولم تحدث معاداة السامية؟ لو حدث ذلك، لكان من الممكن أن يتمكن أينشتاين، بالعمل مع هايزنبرغ، من ابتكار مثل هذا السلاح الخارق.
لحسن حظ العالم، لم تتح للنازيين فرصة تطوير مثل هذا السلاح الرهيب -ومع ذلك، يغلب أن يظل هذا الاحتمال غير المتحقق حبكة مطروقة لقصص التاريخ البديل.
الغد