رغم تصاعد التهديدات التركية ووصولها مراحل متقدمة جداً من التهيئة لانطلاق عملية عسكرية برية جديدة شمالي سوريا، إلا أن الدبابات التركية لم تبدأ بعد أي تحرك ميداني في ظل تعاظم التعقيدات السياسية المرتبطة بالمباحثات مع الأطراف الدولية وخاصة الولايات المتحدة وروسياإلى جانب إيران والنظام السوري أيضاً.
وما بين التأكيدات التركية بأن أنقرة “لا تنتظر الحصول على إذن من أحد للقيام بما يلزم لحماية أمنها القومي”، وما بين الحديث عن تعقيدات عسكرية وسياسية وحاجة أنقرة للحصول على “ضوء أخضر” للبدء بالعملية، يبدو الثابت الوحيد هو وجود تعقيدات مع كافة الأطراف الفاعلة على الأرض في شمال سوريا تجعل إطلاق العملية العسكرية أمراً بالغ الصعوبة.
ويمكن القول إن العملية جُمدت أو أُلغيت، إذ إن التهديدات التركية وصلت إلى ذروتها الأسبوع الماضي وكان يعتقد بانطلاق العملية خلال الأيام الماضية، لكن عدم بدئها بالتزامن مع التصريحات الأمريكية والروسية التي تؤكد المعارضة الشديدة لها، وبعض التحركات العسكرية الروسية على الأرض، يؤشر إلى حجم التعقيدات التي ربما دفعت أنقرة نحو التروي.
وبشكل غير معلن، تجري مفاوضات تركية صعبة مع الجانبين الأمريكي والروسي، إذ تشير الكثير من التسريبات إلى طلب أمريكي خاص من أنقرة بـ”التروي” في محاولة لتنفيذ مطالبها بسحب الوحدات الكردية من الشريط الحدودي بعمق 30 كيلومترا، ومحاولات روسية لإقناع أنقرة بإمكانية سحب قسد أو إجبارها على الانسحاب لصالح قوات النظام السوري، وهي جميعها مباحثات يبدو أنها أدت إلى تأخير الهجوم الذي لا تزال تؤكد أنقرة أنها سوف تشنه في حال لم تنفذ مطالبها بشكل واضح.
ومن شأن أي توافق على مجال وحدود العملية البرية أن يضمن سلامة كافة القوات الأجنبية العاملة في سوريا ويضمن عدم وقوع حوادث أو صدام عسكري غير محسوب، كما أن ذلك يتيح لأنقرة التحرك في المجال الجوي لشمال سوريا بأريحية بعيداً عن خطر الدفاعات الجوية الروسية والأمريكية، وهي معادلات واتفاقيات سرية عادة ما جرى التوصل إليها قبل العمليات العسكرية السابقة التي قام بها الجيش التركي في المنطقة في السنوات الماضية.
ويجري حالياً طرح العديد من السيناريوهات المتوقعة لمستقبل العملية العسكرية وأبرزها ما يتعلق بالتوصل إلى اتفاق بين أنقرة وموسكو يتيح سحب الوحدات الكردية من مناطق حدودية مع تركيا بعمق 30 كيلومترا وانتشار قوات النظام السوري، وهو ما تقول أنقرة إنها لا تعارضه على الإطلاق مع التأكيد على انسحاب حقيقي وفعلي للوحدات الكردية، محذرة من سيناريو “الانسحاب الشكلي”.
أما السيناريو الثاني فيتعلق بعملية عسكرية محدودة في بعض المناطق التي تهدد تركيا باقتحامها براً وهي تل رفعت ومنبج وعين العرب/كوباني، إما من خلال توافق يجري التوصل إليه مع موسكو وواشنطن، أو بتحرك تركي فردي وذلك بفرض الأمر الواقع بالإبلاغ عن حدود ومحيط العملية عبر آلية “الخط الساخن” المتعلقة بإبلاغ الأطراف الدولية بحدود مناطق العملية العسكرية لتجنب الصدام بعيداً عن مواقع الأطراف الأخرى سواء بقبول أو رفض هذا التحرك.
وطوال الأيام الماضية، أكد كبار المسؤولين العسكريين والسياسيين الأمريكيين والروس رفضهم المطلق للعملية العسكرية، داعين أنقرة لتجنب تصعيد العنف في شمال سوريا، وهي دعوات لاقت رداً غاضباً من قبل المسؤولين الأتراك.
القدس العربي