صدر عن البنك الدولي في خريف 2022، المراقب الاقتصادي للعراق، التقرير المعنون «فرصة جديدة لإصلاح العراق»، إذ أشار إلى ارتفاع إجمالي الناتج المحلي غير النفطي بنسبة 8.4 في المائة على أساس سنوي، مدعوما بالتوسع القوي في القطاعات غير النفطية والخدمات والزراعة، حيث أدى ارتفاع العائدات النفطية الحكومية مدفوعا بزيادة أسعار الصادرات وحجمها، إلى تعزيز مركز المالية العامة والاحتياطيات الدولية بدرجة كبيرة، إذ تصدر العراق قائمة الدول العربية الأكثر نموا في الناتج المحلي الإجمالي للعام 2022، وجاء في المرتبة الثانية ضمن قائمة الدول العشر الأعلى نموا في العالم لعام 2022، حسب تصنيفات صندوق النقد الدولي الصادرة في تقرير «آفاق الاقتصاد العالمي» لشهر أكتوبر (تشرين الأول) 2022، ولعل الأسباب التي ساعدت العراق على تسجيل نسبة نمو مرتفعة خلال 2022، تعود إلى النمو المتحقق بنسبة 10.5 في المائة، والزيادة في صادرات العراق بنحو مليون برميل مقارنة بفترة ظهور جائحة كورونا.
استناداً إلى التقرير الاقتصادي العربي الموحد 2021، تنخفض مساهمة قطاعات الصناعات التحويلية والزراعية في توليد الناتج المحلي الإجمالي، إذ تساهم الزراعة والصيد والغابات بنسبة 5 في المائة في توليد الناتج المحلي الإجمالي للعراق، والصناعات التحويلية بمقدار 2 في المائة، في حين تساهم الصناعات الاستخراجية بنسبة 44.2 في المائة، وهذا يمثل خللاً هيكلياً في الاقتصاد العراقي؛ إذ إن مساهمات القطاعات السلعية منخفضة جداً في توليد الناتج المحلي الإجمالي وهذا يؤدي إلى تعميق مشكلة الاقتصاد العراقي، والتي لا ترى نمواً حقيقياً في القطاعات الإنتاجية وإنما نمواً في عائدات الحكومة النفطية نتيجة تحسن أسعار النفط خلال عامي 2021 و2022.
ورغم أن قطاع الزراعة يتيح فرصة لتنويع النشاط الاقتصادي، فإن ندرة المياه وضعف جودتها يفرضان مخاطر كبيرة على أنظمة الأغذية الزراعية في العراق. ويؤثر انخفاض توافر المياه وغلة المحاصيل تأثيرا سلبيا على الناتج المحلي الإجمالي والمخرجات القطاعية ويزيد من التحديات الاجتماعية والاقتصادية من خلال التأثير سلبا على الطلب على الأيدي العاملة وإنتاجيتها، لا سيما العمالة غير الماهرة.
وأشار تقرير البنك الدولي 2022، إلى أنه رغم أن النفط يحقق معظم الإيرادات الحكومية، فإن قطاع النفط يعمل فيه أقل من 1 في المائة من القوى العاملة العراقية، ويعد القطاع العام أكبر جهة عمل رسمية، إذ يمثل 37.9 في المائة من القوى العاملة. ولا يزال القطاع الخاص، الذي تهيمن عليه في الغالب الشرائح الفقيرة والأكثر احتياجا من القوى العاملة، يعاني إلى حد كبير من الإهمال والنشاط غير الرسمي، كما أن تركة من الصراعات وعدم الاستقرار السياسي وضعف الحوكمة، تزيد من تراجع استثمارات القطاع الخاص ونموه.
لقد تأثر الاقتصاد بتفاقم حالة الغموض السياسي والاقتصادي بسبب الجمود السياسي الذي سبق تشكيل الحكومة الجديدة التي من المؤمل أن تنشط تنفيذ الإصلاحات التي تشتد الحاجة إليها لوضع الاقتصاد على مسار نمو مستدام قادر على الصمود في وجه صدمات أسعار النفط والتحديات المتزايدة لتغير المناخ، ويعد الحفاظ على جزء من العائدات النفطية لمواجهة تراجع النشاط الاقتصادي في المستقبل واستثمار بعض الإيرادات الإضافية لتعزيز القدرة الإنتاجية والتشجيع على تنويع النشاط الاقتصادي، أمرا بالغ الأهمية لتحقيق نمو مستدام وشامل للجميع إذ يتطلب الواقع المتشابك للتنمية والمناخ، دعوة عاجلة لإجراءات التكيف والتخفيف التي يمكن أن تحقق مكاسب في النمو والإنتاجية، ومع ذلك، فإن الآثار المالية المترتبة على هذه الحزم كبيرة إن لم تصاحبها إصلاحات مالية وهيكلية، غير أن ثمة مخاطر أيضاً من أن يؤدي ارتفاع أسعار النفط إلى خفض دفعة الإصلاح التي من شأنها تعميق التحديات الاقتصادية الهيكلية.
في الختام إن المسألة الجديرة بالاهتمام تكمن في معالجة الفساد وإصلاح الاقتصاد العراقي ومعالجة التحديات مع وضع أسس متينة للنهوض بمختلف قطاعات الاقتصاد العراقي وإيجاد الأرضية الصلبة لإطلاق خطط تنموية طموحة تتجاوز أخطاء الحكومات السابقة التي ركزت على الاعتماد شبه الكلي على النفط كمصدر أساسي لإيرادات الدولة وجعلت كل همها يتجه لضمان توفير مرتبات موظفي الدولة، والإنفاق على الحاجات الاستهلاكية غير الإنتاجية، إذ ثمة مسألة مهمة جدا، حيث بدون تطبيق إصلاحات هيكلية أعمق وتنويع النشاط الاقتصادي ومكافحة الفساد، فإن الاعتماد الشديد على النفط في العراق يجعله عرضة لتقلبات أسعار السلع، فالعراق من أكثر دول العالم اعتماداً على النفط، وقد أدى الاعتماد الكبير على النفط، وسياسة المالية العامة المسايرة للاتجاهات الدورية، وعدم كفاية إدارة إيرادات النفط، إلى تعرض العراق لتقلبات أسعار السلع والخدمات مما ينعكس سلبا على المواطنين ويعمق المشكلة الاقتصادية في العراق، وفقاً لرؤية البنك الدولي.
الشرق الأوسط