الاتفاق الإطاري يشعل الصراع الأميركي – الصيني في السودان

الاتفاق الإطاري يشعل الصراع الأميركي – الصيني في السودان

ارتفعت حرارة التنافس بين الولايات المتحدة والصين في السودان عقب التوقيع على اتفاق إطاري بين المكون العسكري وقوى مدنية أخيرا، يؤدي إلى تشكيل حكومة جديدة قريبة من واشنطن التي قادت ضغوطا حثيثة توجتها برعاية الاتفاق، ما يشكل تحديا في بلد يواجه استقطابا خارجيا حادا.

الخرطوم – وعد الرئيس الصيني شي جين بينغ الخميس رئيس مجلس السيادة السوداني عبدالفتاح البرهان بأنّ ‏تبحث بلاده قضية ديونها على الخرطوم كعضو فاعل في منتدى التعاون الصيني – العربي – الأفريقي، خلال لقاء جمع بينهما على هامش القمة العربية – الصينية التي استضافتها الرياض.

وأكد الرئيس شي “رفضه جميع التدخلات الخارجية في الشأن الداخلي السوداني”، موجّها دعوة للبرهان لزيارة الصين “في أقرب وقت ممكن”، مشيرا إلى أن بلاده تقدر الإمكانات الكبيرة التي يزخر بها السودان، وتتطلع إلى المزيد من التعاون في مجالات النفط والمشاريع الزراعية وحقول التعدين والبنى التحتية.

بالتزامن مع هذه التصريحات نشر موقع “الحرّة” الأميركي تصريحات على لسان مسؤول رفيع في البنتاغون عبر فيه عن قلقه من طموحات الصين في أفريقيا، محذرا الخرطوم من عقد صفقات مع دول مثل روسيا. وأشار المسؤول الأميركي إلى أهمية مواصلة بناء الشراكات مع الدول الأفريقية على المستوى الأمني والدبلوماسي والعسكري، لمواجهة التأثير الصيني المتزايد.

وذكر أن انخراط بعض الدول الأفريقية بأنشطة مع منافسين إستراتيجيين للولايات المتحدة في مجال الاتصالات على سبيل المثال، قد يحد من مشاركة المعلومات الحساسة مع هذه الدول، وأن البنتاغون يسعى لتوفير بدائل للخيار الصيني. كما بعثت تهديدات وجهها بشكل مباشر وزير الخارجية الأميركي أنتوتي بلينكن الأربعاء إلى معرقلي تنفيذ الاتفاق الإطاري، إشارات مباشرة بأن واشنطن لن تتخلى عن مكاسبها التي حققتها من الاتفاق الإطاري الأخير ولن تسمح بإفشاله.

ويرى مراقبون أن الإدارة الأميركية وظفت حالة الضبابية السياسية في السودان لصالحها، فخلال عام كامل منذ الانقلاب على الحكومة المدنية في الخامس والعشرين من أكتوبر العام الماضي وحتى التوقيع على الاتفاق الإطاري، لم تكن هناك حكومة بالمعنى الحقيقي في السودان، وأن العسكريين الذين قادوا السلطة وقعوا في تناقضات عديدة جعلتهم غير قادرين على حسم توجهاتهم نحو كل من الصين وروسيا.

ويضيف هؤلاء المراقبون أن المكون العسكري اصطدم بضغوط قوية من الأصدقاء والحلفاء الإقليميين كلما حاول ميل الدفة نحو روسيا أو الصين، ونجحت واشنطن في نسج شبكة مصالح مشتركة مع قوى متعددة جعلتها قادرة على إنجاح ضغوطها وتوجيهها لإيجاد حل سياسي يشكل مقدمة مهمة لتثبيت قدميها في السودان.

وقالت أستاذة العلاقات الدولية بجامعة الخرطوم تماضر الطيب إن الولايات المتحدة كانت الفاعل الرئيسي في دفع المؤسسة العسكرية وتيار قوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي) إلى التوقيع على الاتفاق، وإن السفير الأميركي جون غودفري ظهر نشاطه المكثف مع توليه منصبه قبل أربعة أشهر لإقناع الطرفين بالتوقيع على اتفاق سياسي.

وأوضحت في تصريح لـ”العرب” أن الاتفاق، وما سبقه من تحركات، برهن على استحداث إستراتيجية جديدة للولايات المتحدة في أفريقيا تتضمن العمل على ضرورة استقرار السودان، ولجأت واشنطن إلى أقصر الطرق عبر تقريب وجهات النظر بين المدنيين والعسكريين والعودة إلى أوضاع ما قبل الانقلاب على السلطة.

وأشارت إلى أن واشنطن نجحت هذه المرة في سباقها مع روسيا والصين، وتتجه نحو دعم حكومة مدنية تعمل وفق مصالحها على نحو أكبر، وليس وفق مصالح روسيا أو الصين.

ويبدو أن الولايات المتحدة أدركت أن الدخول في صدامات مباشرة مع المكون العسكري لن يكون في صالحها، واعتراضاتها الخشنة على توجه الخرطوم نحو تفعيل الاتفاق العسكري مع روسيا بشأن قاعدة فلامنغو على ساحل البحر الأحمر لم تحدث تقدما على مستوى دعم نفوذها، والضغط الناعم لإيجاد حل سياسي ينقذ الجيش من مسألة محاسبة قياداته جراء أحداث العنف التي وقعت منذ الانقلاب على السلطة، وتشكيل حكومة مدنية أكثر قربا منها أكثر فاعلية في مواجهة التعاون الاقتصادي السوداني مع الصين، والعسكري مع روسيا.

ومثلت بكين في فترة نظام الرئيس السابق عمر البشير بديلا إستراتيجيا للشراكات الاقتصادية مع السودان في ظل القطعية الأميركية، ونجحت إلى حد كبير في تغطية الفراغ الدبلوماسي للمجتمع الدولي عبر مساعدتها السودان في استخراج النفط منذ العام 1997، ودخول البلاد إلى قائمة منتجي النفط عام 1999، بجانب غيرها من الأنشطة التعدينية والزراعية.

ولفتت الطيب إلى أن الصين تحاول الضغط على السودان لعدم التوجه نحو الجانب الأميركي، واستعادة الحديث عن الديون من شأنه إرسال إشارات مفادها أن الخرطوم إذا أرادت التحول نحو الولايات المتحدة عليها دفع قيمة القروض التي حصلت عليها، غير مستبعدة أن تكون الضغوط الأميركية أكبر وأكثر فاعلية على متخذي القرار السياسي في السودان.

الباحث السوداني في العلاقات الإستراتيجية محمد تورشين إن الاتفاق الإطاري يدفع إلى المزيد من التحولات الجيوستراتيجية ذات الصلة بتوجهات القوى الكبرى في السودان، وفي القلب منها الولايات المتحدة التي لها مصالح حقيقية في استقرار الأوضاع من النواحي ذات الارتباط المباشر في الاستثمار بالمعادن وإيجاد بدائل للطاقة التقليدية، بجانب النواحي الإستراتيجية المتعلقة بأمن البحر الأحمر.

وكشف في تصريح لـ”العرب” أن الولايات المتحدة تعمل من خلال الاتفاق وإنجاح تنفيذه على قطع الطريق أمام روسيا والصين وزيادة نفوذها في وسط القارة الأفريقية، تحديدا إذا نجحت في منع إقامة القاعدة الروسية، وتخشى من أن يكون النفوذ الاقتصادي الصيني بوابة تعرقل مساعيها في الحفاظ على مصالحها الحيوية.

العرب