يتزايد التحدي الإيراني بينما يبدو النظام الدولي منغمساً في التركيز على الصين والحرب في أوكرانيا أكثر من القضية الإيرانية، مما أدى إلى تراجع الملف النووي الإيراني على جدول أعمال المجتمع الدولي، بما في ذلك جدول أعمال الولايات المتحدة. وفي ظل ذلك تواصل طهران تعزيز برنامج التخصيب، مما يؤثر في الاستقرار الإقليمي.
فقد اتخذت إيران إجراءات تصعيدية في برنامجها النووي، كما ساندت روسيا من خلال بيع طائرات من دون طيار لمهاجمة أوكرانيا وتستمر كذلك في قمع وحتى قتل المتظاهرين في الاحتجاجات المتواصلة منذ أكثر من ثلاثة أشهر. في ظل هذه الظروف، فإن فرص استمرار الحوار مع النظام الإيراني، بالتالي العودة إلى الاتفاق النووي ضئيلة للغاية، حتى لو لم يتم إعلان موت فرص عملية إحياء الاتفاق النووي من جانب الطرفين.
ومن ثم، ربما يجب التفكير في السؤال الخاص بالموقف من إيران، وهل اتخذت قرار التقدم نحو الأسلحة النووية، ومن ثم فمن الضروري العمل على خلق ردع كبير تجاهها من شأنه أن يقوض ثقتها بقدرتها على دفع الثمن الذي قد يفرض عليها إذا استمرت في دفع برنامجها النووي.
ويأتي التحدي الإيراني بعدم الرد على قرار آخر صدر في نوفمبر (تشرين الثاني) من قبل مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، يطالبها بالتعاون مع الوكالة وتقديم إجابات عن الأسئلة التي لم يتم حلها. واختارت إيران اتخاذ سلسلة من الخطوات التصعيدية، إذ أعلنت للمرة الأولى عن بدء تخصيب اليورانيوم بنسبة 60 في المئة في مصنع فوردو تحت الأرض، فضلاً عن استبدال النموذج القديم لأجهزة الطرد المركزي في هذا المرفق بأجهزة طرد مركزي متطورة من طراز “آي آر-6” التي تمكنها من التخصيب بسرعة أكبر وبكميات أكبر. وهكذا لم تكتف إيران فعلياً بتوسيع كمية المواد المخصبة إلى مستوى عال تراكم لديها، بل قسمت التخصيب بين موقعين، ناطنز وفوردو.
وفي منشأة ناطنز، يستمر استبدال أجهزة الطرد المركزي القديمة بأجهزة متطورة، إلى جانب إضافة أجهزة طرد مركزي جديدة ومتطورة. ومن شأن التوسع في التخصيب أن يمكن إيران من تكديس كمية كبيرة من المواد المخصبة، بحيث تكون قادرة في حال قررت، على التخصيب إلى المستوى العسكري لعدد من الأجهزة النووية في وقت قصير. يأتي ذلك بعد أكثر من عامين من المراقبة الضعيفة للوكالة الدولية للطاقة الذرية بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي وقرار طهران بالانسحاب من الامتثال للبروتوكول الإضافي للوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وترتب على ذلك بحسب المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافاييل غروسي، غياب القدرة على ضمان عدم تحويل أي مواد، وعدم معرفة كميات الماء الثقيل، ونقص المعلومات المتعلقة بإنتاج أجهزة الطرد المركزي المتقدمة. كما صرح المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية بأن البرنامج النووي الإيراني يتقدم في تطلعاته وقدراته، وحذر وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن من أن طهران على طريق التصعيد النووي. كما اعترف مبعوث الإدارة الخاص إلى إيران روب مالي بأن طهران على بعد أسابيع قليلة من القدرة على إنتاج كمية كافية من المواد الانشطارية لصنع قنبلة.
كل هذه التحديات بفعل الانشغال الدولي بمصادر تهديداته بعيداً من المنطقة، الأمر المثير للقلق هو الوصول إلى مستوى من التقدم النووي تفرض به شروطها لتحقيق الاستقرار، وهو ما قد يبعدها عن خطوات من التقارب تحققت أخيراً مع جيرانها من دول الخليج أو استفزاز إسرائيل واستنفارها في مواجهة التحركات الإيرانية، بما يدفع المنطقة إلى مزيد من التوترات.
اندبندت عربي