قالت المعلقة أصلي أيدنطاشباش، والباحثة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، إن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ربما ارتكب أكبر خطأ في تاريخه السياسي، مشيرة لقرار محكمة تركية يتعلق بإدانة رئيس بلدية إسطنبول، أكرم إمام أوغلو، بتهمة الإساءة لمسؤولين رسميين.
وجاء في مقال الكاتبة بصحيفة “واشنطن بوست” إن الرئيس أردوغان يعرف أمرا أو أمرين حول الفوز بالانتخابات. مثلا، أن أحسن طريقة لتأمين النصر هي الفوز قبل موعد الانتخابات.
وفي 14 كانون الأول/ ديسمبر، أصدرت محكمة (وهي جزء من النظام القضائي الذي يسيطر عليه الرئيس) حكما ضد منافس أردوغان، رئيس بلدية إسطنبول، بالسجن لمدة عامين وسبعة أشهر، ومنعه من ممارسة السياسة. ويمثل العمدة الشاب والنشط تهديدا على ما يبدو للرئيس أردوغان الذي تراجعت شعبيته، في وقت تحضّر البلاد لانتخابات 2023. وتراجعت شعبية حزب العدالة والتنمية الحاكم في استطلاعات الرأي، ويعاني الاقتصاد التركي من معدلات تضخم عالية، وبات يعتمد على تدفق المال من الدول الصديقة مثل روسيا ودول الخليج.
وترى الكاتبة أن أردوغان طالما تبنى استراتيجية حصيلتها صفر، وأعرب عن استعداده لعمل ما بيده لتحييد منافسيه. إلا أن محاولته تحييد إمام أوغلوومنعه من السياسة، تأتي بمخاطر عدة، وربما ارتدت سلبا عليه، لو لعبت المعارضة أوراقها بذكاء.
ولم ينته السباق بعد، كما أن القرار ضد أوغلو لن يصبح ساري المفعول إلا بعد مصادقة محكمة الاستئناف عليه. وربما نصحت المعارضة، وهي مجموعة من ستة أحزاب، للرد على حركة الرئيس والوقوف وراء إمام أوغلو، وربما اختارته مرشحا رئيسيا لها في الانتخابات.
من الناحية الفنية، فالقرار هو نتاج عملية قانونية من المفترض أنها مستقلة، مع أن القرار وبلا شك جاء من فوق، بحسب ما تقول الكاتبة، مضيفة أن القضية كابوسية حتى بالمعايير التركية، فعمدة إسطنبول متهم بإهانة القضاء عندما وصف السلطات التي تقف وراء المناورات بعد انتخابات 2019 المحلية بـ”الحمقى”. ولو قررت المحكمة العليا تثبيت القرار ضد إمام أوغلو، فسيردّ الرأي العام بغضب، ومن هنا، ربما تحصل المعارضة على ثمرة لمقامرتها. فالناخب التركي طالما عاقب محاولات التدخل في الانتخابات، مما سيجعل قرار 14 كانون الأول/ ديسمبر، نعمة مقنعة للمعارضة لو أظهرت استعدادا لاتخاذ الخطوات الجريئة.
وبالطبع، فلدى أردوغان تحركات أخرى، ومنع إمام أوغلو واحد منها بهدف تشكيل المجال السياسي قبل الانتخابات.
وبعد 20 عاما في السلطة، وصناعته الكثير من الأعداء، فلدى أردوغان الكثير كي يخسره. والتخلص من منافسيه هو البداية. وتبنت تركيا قبل فترة “قانون التضليل” الذي قد يقيد حرية التعبير وتدفق المعلومات على منصات التواصل الاجتماعي، وهذه خطوة أخرى تحمل مخاطر.
كما يدير أردوغان لعبة ذكية في مجال الجيوسياسة بطرق يأمل أن تبقي سيطرته على السلطة في تركيا. فمن خلال التمسك بالموقف المحايد بين الغرب وروسيا في الحرب الأوكرانية، انتفع أردوغان سياسيا واقتصاديا، وهو ما أطلق عليه “سياسة متوازنة”. وتبيع تركيا طائرات مسيرة لأوكرانيا، وساعدت في تأمين اتفاقية تصدير الحبوب الأوكرانية، ولكنها ضاعفت ثلات مرات من تجارتها مع روسيا، ووصل تدفق المال إلى المصرف المركزي التركي من مصادر غير معروفة إلى حوالي 28 مليار دولار، مما منع حدوث أزمة في ميزان المدفوعات المتوقعة. وساعد هذا بطريقة أخرى، الحكومة التركية على تقديم المساعدات للرأي العام.
ويأمل أردوغان في موافقة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على توغل تركي جديد في سوريا ضد المقاتلين الأكراد، على أمل إضعاف معنويات الناخبين الأكراد وتثبيطهم عن التصويت للمعارضة، وخلق جو من الحماسة الوطنية، وبوتين منفتح على هذا الطرح.
ورغم بقاء أردوغان سيد المناورات، إلا أن هناك إشارات على فقدانه سحره على الناس، ومنح منافسه الأكبر الفرصة لمواصلة طريقه الذي سار عليه. ففي عام 1998 سجنت محكمة في إسطنبول عمدة المدينة أردوغان؛ لأنه اختلف مع الحكومة التي عزلته من السلطة، وقضى فترة في الحكم. ولم ينس الناخب التركي التدخل في إرادته، وأعاده كرابح في انتخابات عام 2002. وها هو يمنح إمام أوغلو الفرصة للسير في نفس الطريق.
وتفوح من قرار الأسبوع الماضي، رائحة القلق. ويمكن أن يتحول إلى خطأ كارثي في التقدير للحكومة التركية، لو استطاعت المعارصة القيام بالخطوات الصحيحة. وسواء ربح أردوغان أم خسر في 2023، فهذا سيعتمد على وضع منافسيه. وبالطبع تريد غالبية الأتراك التغيير، فالانتخابات القادمة هي لأردوغان كي يفوز، والمعارضة كي تخسر.
القدس العربي