قمة بغداد الثانية.. دور إقليمي متجدد وتحديات داخلية أمام السوداني

قمة بغداد الثانية.. دور إقليمي متجدد وتحديات داخلية أمام السوداني

تبدو الدورة الثانية لقمة بغداد للشراكة والتعاون امتدادا “طبيعيا” للدورة الأولى التي عقدت بالعاصمة العراقية في 28 أغسطس/ آب 2021 بمشاركة 9 من دول المنطقة إضافة إلى فرنسا بصفتها الدولة الداعية لعقد المؤتمر.

في القمة الثانية بالعاصمة الأردنية عمان، في 20 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، أكد المشاركون استمرار العمل للبناء على مخرجات الدورة الأولى والمضي في التعاون مع العراق دعما لأمنه واستقراره وسيادته ومسيرته الديمقراطية وعمليته الدستورية وجهوده لتكريس الحوار سبيلا لحل الخلافات الإقليمية.

وإضافة إلى الدول المشاركة في القمة الأولى، انضمت كل من البحرين وسلطنة عمان إلى القمة الثانية.

وإجمالا، شاركت في القمة الثانية 12 دولة هي: الأردن والعراق المستضيفتان للمؤتمر، وفرنسا الداعية له، وتركيا ومصر والكويت والسعودية والإمارات وقطر وسلطنة عُمان والبحرين وإيران، بالإضافة إلى ممثلين للاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وجامعة الدول العربية ومجلس التعاون لدول الخليج العربية.

واتفق قادة الدول المشاركة في قمة بغداد الثانية على أن المنطقة عموما تعاني من أزمات سياسية وأمنية وتحديات تتعلق بالأمن الغذائي والتغير المناخي وتحتاج إلى تعزيز الأمن والاستقرار وإحلال السلام لخلق فرص أمثل للتعاون بين الدول.

في مقابل ذلك، أكدوا وقوفهم إلى جانب العراق في مواجهة الإرهاب والتطرف ودعمه في استعادة سلطة الدولة على مؤسساتها ودعم جهود إعادة إعمار المدن التي خربتها حرب الأربع سنوات ضد تنظيم “داعش” الإرهابي (2014 – 2018).

وكان واضحا تشديد المؤتمر على إبعاد العراق عن الصراعات الإقليمية والدولية والحيلولة دون أن تكون أراضيه منطلقا للاعتداء على دول أخرى أو أن تتحول إلى ساحة لصراعات دول أخرى.

والعراق يحاول استثمار موقعه الجغرافي العازل بين إيران والسعودية أولا، وكونه ممرا لنشاطات الحرس الثوري الإيراني في لبنان وسوريا ثانيا، ووجود جماعات شيعية مسلحة حليفة لإيران هي اليوم على رأس السلطة في بغداد وتنشط في تهديد أمن السعودية بتوجيهات إيرانية ثالثا.

هذه العوامل الثلاث وعوامل أخرى تجعل من العراق بلدا فاعلا في التوترات بين السعودية وإيران، وإمكانية أن يلعب دورا في تقريب وجهات نظر البلدين بعد إشارات واضحة برغبتهما في تطبيع العلاقات بينهما أو على الأقل تخفيف حدة التوترات بينهما.

وتتهم عواصم عربية، في مقدمتها الرياض، إيران بامتلاك أجندة شيعية توسعية في المنطقة والتدخل في الشؤون الداخلية لدول عربية، خاصة العراق واليمن وسوريا ولبنان، وهو ما تنفيه طهران وتقول إنها تلتزم بمبادئ حُسن الجوار.

وقُبيل قمة بغداد الثانية، اتجهت الأنظار إلى احتمالات استئناف المباحثات السعودية الإيرانية على هامش القمة استكمالا لمسار الوساطة العراقية التي توقفت مع تسليم مصطفى الكاظمي رئاسة الحكومة العراقية لرئيس الحكومة الجديد محمد شياع السوداني نهاية أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.

ووفق تصريحات وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، الذي مثّل بلاده في القمة الثانية، فإنه أجرى أحاديث ودية مع بعض نظرائه ومنهم وزراء خارجية سلطنة عُمان وقطر والعراق والكويت والسعودية التي أكد وزير خارجيتها استعداد بلاده لاستمرار الحوار مع إيران، بحسب عبد اللهيان.

ووفق وسائل إعلام عربية، فإن الرياض أوقفت المباحثات الإيرانية السعودية من جانب واحد بعد انتهاء ولاية الكاظمي الذي قاد الوساطة بين البلدين.

وتساهم مشاركات العراق في الاجتماعات الإقليمية في تعزيز ثقة دول الجوار العربي والدول الأخرى في تلبية حاجة بغداد من الاستثمارات الخارجية في قطاعات الخدمات وإعادة الإعمار وتنمية القطاع الخاص.

والعراق يحاول أن يخلق انطباعا مغايرا للانطباع السائد بعدم قدرته على مغادرة دائرة السياسات الإيرانية التي تفرضها قوى سياسية ومسلحة عراقية حليفة لإيران وتسيطر على جزء مهم من قرارات الدولة الأمنية والاقتصادية والسياسية من خلال تمثيل مجموعات شيعية مسلحة وأحزاب سياسية حليفة لطهران في كتل نيابية منضوية في تحالف الإطار التنسيقي الذي رشح السوداني لرئاسة الوزراء وهو في حقيقته جزء من قيادات الإطار.

ويواجه السوداني تحديات جدية بشأن قدرته على الإفلات من ضغوط القوى الحليفة لإيران التي تحاول عرقلة أي جهود للانفتاح على دول الجوار العربي والإقليمي الذي يُنظر إليه بأنه تهديد لنفوذ طهران ومصالحها في العراق والمنطقة.

ودول عديدة في المنطقة تخشى أن تكون لمغادرة الكاظمي رئاسة الحكومة تداعيات على مواصلة انفتاح العراق على دول الجوار العربي الذي تشوب علاقات معظم دوله توترات وخلافات مع إيران.
ومن المتوقع أن تعزز إيران نفوذها بشكل أكبر في ظل حكومة الإطار التنسيقي برئاسة السوداني الذي يحاول تبديد مخاوف الدول الأخرى مثل الأردن ومصر على الشراكة الثلاثية ومصير اتفاقيات متعددة وقعتها الدولتان مع حكومة الكاظمي وشملت قطاعات منها الصناعات المشتركة والربط الكهربائي والسكك الحديد.

لذلك شدد السوداني، في كلمته أمام المؤتمر وفي القمتين الثلاثية مع الأردن ومصر والخماسية مع الأردن ومصر وفرنسا والكويت، على قدرة العراق تحت قيادته على لعب دور الوسيط لحل الخلافات بين دول المنطقة، وأن يتحول العراق إلى بلد راع للتواصل والحوار لتهدئة الأجواء وتقريب وجهات النظر بين الدول العربية والإقليمية.

السوداني أكد أيضا تمسك العراق ببناء علاقات متوازنة مع الشركاء الإقليميين والدوليين وإبعاده عن المحاور وأجواء التصعيد والصراعات، مع إعادة التأكيد على رفض أي تدخلات خارجية في شؤونه الداخلية أو الاعتداء على أراضيه وسيادة البلد، والتشديد على رفض اعتماد مبدأ القوة لحل الخلاف أو الاختلاف، ورفض أن يصبح العراق منطلقا لتهديد أي دولة في الجوار أو المنطقة.

ولمدة أكثر من عام، حالت خلافات بين القوى الممثلة في البرلمان العراقي دون تشكيل حكومة جديدة منذ إجراء انتخابات تشريعية مبكرة في أكتوبر/ تشرين الأول 2021.

ويرى خبراء أن هذه الأزمة السياسية التي مر بها العراق بعد قمة بغداد الأولى في 28 أغسطس/ أكتوبر 2021 عطلت تنفيذ معظم ما توصلت إليه الدول المشاركة في القمة، والتي ضمّت بجانب فرنسا راعي المؤتمر والعراق المعني الأول به، كل من السعودية والإمارات والكويت وقطر ومصر والأردن وتركيا وإيران.

ومن المهم للعراق وأيضا لكل من الأردن ومصر، وهي دول تعاني من مشاكل اقتصادية، تجديد آليات التعاون الثلاثي بينها وتنفيذ مجموعة من اتفاقيات الشراكة الثلاثية التي وقعتها حكومة الكاظمي مع البلدين في مجالات عدة تهدف في مجملها إلى تحقيق التكامل الاقتصادي بين هذه الدول.

وفي قراءة لمخرجات الدورة الثانية لقمة بغداد للشراكة والتعاون تبدو أنها ذات المخرجات بخطوطها العريضة من الدورة الأولى، ما يعزز آراء خبراء بأن الدول المعنية بحاجة لمزيد من الوقت والجهد والتنسيق واللقاءات لتنفيذ مخرجات الدورة الأولى.

وهذا الوضع يجعل القمة بدورتها الثانية امتدادا طبيعيا للقمة الأولى مع متغيرات قد تكون مهمة بدخول البحرين وسلطنة عُمان ضمن المؤتمر الذي قد تسعى فرنسا والعراق إلى تحويله لتكتل إقليمي أو دولي عنوانه الشراكة والتعاون بين الجميع.

القدس العربي

(الأناضول)