مقاربة سعودية في شرق السودان لتأمين الاستقرار في البحر الأحمر

مقاربة سعودية في شرق السودان لتأمين الاستقرار في البحر الأحمر

الخرطوم – ضاعفت السعودية حضورها السياسي في إقليم شرق السودان الذي يشهد أزمات محتدمة بين مكوناته الداخلية والسلطة المركزية في الخرطوم، مع بروز توجّه انفصالي في خطاب المجلس الأعلى لنظارات البجا ويقوده محمد الأمين ترك، ما دفع الرياض إلى العمل على فرملة التلويح بهذه الورقة ومنع تحويلها إلى أمر واقع.

وقبل أيام حضر السفير السعودي علي بن حسن جعفر ورشة عمل نظمها مجلس نظارات البجا ذو الشعبية الواسعة في شرق السودان، أكد فيها أهمية وحدة السودان.

وقدمت الورشة مطالب عديدة، أبرزها منح الإقليم الحكم الذاتي وتخصيص 70 في المئة من موارد الإقليم و20 في المئة من الوزارات المهمة، ومثلها من الوظائف المركزية الدستورية والأجهزة النظامية، لأبناء الإقليم.

ورسخ السفير السعودي حضور الرياض في الأزمة عبر تأكيد أنه “يتطلع إلى مخرجات ما يتوافق عليه أبناء الإدارة الأهلية في شرق السودان ودعم كل ما يحقق الوحدة ويُلبي متطلبات أهالي الشرق لحل قضاياهم في التنمية والنماء”.

وربط متابعون بين سعي السعودية للوصول إلى الاتفاق الإطاري أخيرا -باعتبارها أول من أطلق قافلة المباحثات بين المكون العسكري وقوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي) في منزل السفير السعودي بالخرطوم في أغسطس الماضي- وبين رغبتها في تكرار الأمر مع إقليم الشرق الذي يعد حل قضيته من بين بنود الاتفاق الموقع عليه في الخامس من ديسمبر الجاري، ونجاحه ليس بمعزل عن حل الأزمة في الشرق المواجه للحدود البحرية للمملكة على البحر الأحمر.

وتتخوف الرياض من أن يفضي ضيق أفق الحل إلى قلاقل أمنية على البحر الأحمر، حيث تنسق مع قوى إقليمية لتأمينه، وضاعفت مؤخرا تعاونها العسكري مع السودان لحماية السواحل ومنع تعرضها للقرصنة من قبل ميليشيات مدعومة من إيران.

وتخشى المملكة تصاعدَ نفوذ قوى دولية صوبت أنظارها نحو تطورات المشهد الحالي في إقليم الشرق مع عدم قدرة السلطة المركزية على حل الأزمة التي بدأت تتخذ أبعادا خطيرة بعد أن تعذّر التوصل إلى حلول سياسية.

ونظم الجيشان السعودي والسوداني مناورة “الفلك 5” لرفع كفاءة القوات البحرية لديهما عبر استخدام التكنولوجيا المتطورة ورفع مستوى التنسيق بين القوات البحرية في البلدين في منطقتي البحر الأحمر وخليج عدن.

وقال عضو المبادرة الإقليمية في شرق السودان وليد علي محمد إن المملكة استشعرت مخاطر سعي قوى إقليمية أخرى للاستفادة من المواقع الجيوستراتيجية المؤثرة والتي تحظى بأهمية اقتصادية أيضا ولديها مساحات من الأراضي الخصبة التي تجعلها مهيأة للاستفادة منها إثر احتداد الأزمات الغذائية في العالم، ويأتي تسارع وتيرة المواقف السياسية في الشرق كنتاج طبيعي لبحث قوى خارجية عن مصالحها في المنطقة.

وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن “الرياض انخرطت من قبل في مشهد شرق السودان وعقد السفير السعودي في الخرطوم لقاءات مع قادة القيادات الأهلية أكثر من مرة، بحثا عن تحقيق الاستقرار في الإقليم وتمكينها من نجاح مشروعاتها التنموية التي تنوي القيام بها، وتدرك خطورة الفراغ الذي تركته السلطة الحالية وأهمية التعامل معه عبر تقريب وجهات النظر بين الأطراف المتنازعة”.

وشدد على أن السعودية تنخرط في الأزمة وهي تدرك أن هناك فرصة لتدشين خط سكة حديد “بورتسودان – داكا”، وجرى الحديث بشأنه عام 2006 قبل أن يتوقف لتتم إعادة النظر في تنفيذه العام الماضي عبر شركة الخليج، وهو طريق قليل الكلفة لنقل الصادرات التي تأتي من أستراليا وقارة آسيا إلى غرب أفريقيا، ما يحقق عوائد مهمة تتطلب فقط توفير الاستقرار السياسي في المنطقة.

ويعارض مجلس نظارات البجا، الذي انقسم إلى جزأين ويترأس أحدهما محمد الأمين ترك، الاتفاق الإطاري الموقع بين المدنيين والعسكريين، وتنضوي تلك المجموعة ضمن تحالف “الكتلة الديمقراطية” إلى جانب حركة جيش تحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي، وحركة العدل والمساواة بزعامة جبريل إبراهيم.

وتعهد الناظر ترك خلال الورشة بعدم إغلاق الموانئ وعزل الإقليم عن المركز مرة أخرى، مقابل الوفاء بحقوق أهل الشرق كاملة، لافتا إلى أن خيار تقرير المصير سيظل قائما إذا بقيت الأوضاع كما هي. وطالب دول الخليج والاتحاد الأوروبي ودول الترويكا، بجانب الآليتين الثلاثية والرباعية، بالتدخل لحل قضية الشرق.

ومن المقرر تسليم توصيات الورشة إلى مجلس السيادة الانتقالي والآلية الثلاثية المكونة من بعثة الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي ومنظمة التنمية الحكومية “إيغاد” والآلية الرباعية المشكلة من السعودية والإمارات والولايات المتحدة وبريطانيا.

وتركز وساطة السعودية على تغيير موقف نظارات البجا من الاتفاق الإطاري باعتبار الرياض جزءا من الآلية الرباعية وشاركت في رعاية الاتفاق، ما يمهد لتحولات في مواقف أبناء شرق السودان، إذا تمّ التوصل إلى حلول وسطى مع السلطة المركزية.

المملكة تخشى تصاعدَ نفوذ قوى دولية صوبت أنظارها نحو إقليم الشرق مع عدم قدرة السلطة المركزية على حل الأزمة

وتشكل الوعود التي قدمتها المملكة للسلطة الانتقالية بتقديم الدعم الاقتصادي والاستثماري في مرحلة ما بعد التوقيع النهائي على التسوية السياسية عاملاً ضاغطاً لدفع السلطة الحالية إلى عقد مؤتمر جامع لأبناء الإقليم يقضي بحل مشكلتهم وتجاوز التناقضات التي جمدت التقدم في عملية إجراء تعديلات على مسار الشرق، بما يستوعب كافة المكونات، ويجعله قابلاً للتطبيق على أرض الواقع.

وذكر المحلل السياسي المتخصص في شؤون شرق السودان عبدالقادر باكاش أن دور المملكة في الشرق “استكشافي” ولم تنخرط في وساطة مباشرة بين الأطراف المختلفة، ومن الصعب تأكيد تأثيرها القوي في الأزمة على المدى القريب، فأبناء الشرق يرغبون في أن يكون الدور السعودي أعمق مما هو عليه مع تجدد النزاعات القبلية.

وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن “الرياض لم تفتح قنصليتها بعد في الإقليم، على الرغم من الإعلان عن ذلك في وقت سابق، وتقوم بأدوار سياسية وتعمل على عقد لقاءات مع أبناء الإدارات الأهلية، ما يشكل تطورًا ملموسًا لحضورها في الشرق، وهذا لا يكفي للتأثير بعد أن غابت أزمات الشرق عن سفراء المملكة السابقين”.

وأكد السفير الحالي بن حسن جعفر، على هامش مشاركته في الورشة، أن بلاده تواصل المشاورات مع كل المكونات في شرق السودان للوصول إلى مخرجات تؤدي إلى رفع التهميش عن الشرق والحصول على حقوقه في كيان السودان الموحد.

ونجحت الرياض في عقد لقاء بين قيادات الإدارة الأهلية بشرق السودان في مايو الماضي على مأدبة إفطار رمضانية أقامها السفير السعودي لدى الخرطوم، وشهدت مصافحة نادرة بين زعيمَيْ قطبيْ الشرق ناظر عموم قبيلة الهدندوة، محمد الأمين ترك، وناظر قبيلة البني عامر، علي إبراهيم دقلل.

العرب