يستمر الحرس الثوري الإيراني بتعزيز مواقعه في محافظة الحسكة شرق سوريا، حيث نشر «سرايا الخراساني» في مدينة الحسكة وحزب الله في ريف القامشلي الجنوبي.
واتخذت «السرايا» مقرين لها داخل المربع الأمني في الحسكة، وهما البراد الآلي والبريد. ويقودهم العراقي أحمد الكناني ويسانده قادة ميليشيا «الدفاع الوطني» في الحسكة عبد القادر حمو وبسام العرسان. وتسعى «السرايا» إلى توسع نشاطها داخل المربع الأمني بعيدا عن المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية «قسد» الشريك المحلي للقوات الأمريكية في إطار حربها ضد تنظيم «الدولة الإسلامية».
ويعتمد الحرس الثوري الإيراني على المقاتلين المحليين التابعين للدفاع الوطني في تعزيز دور ونفوذ «سرايا الخرساني» ويمنح الحرس رواتب شهرية تعادل 250 دولارا شهرياً، حسب تسعيرة البنك المركزي السوري أي ما يعادل 750 ألف ليرة سورية. فيما كانت رواتب عناصر «الدفاع الوطني» في الحسكة لا تتجاوز 50 ألف ليرة (تعادل 17 دولارا). وهو ما يجعل «الدفاع الوطني» يتحول إلى «سرايا الخراساني» مع الوقت، وهو الوعد الذي أطلقه القيادي بسام العرسان لعناصر «الدفاع الوطني» حسب ما أكد مصدر مقرب الدفاع لـ «القدس العربي».
أما في القامشلي، فما زال حزب الله بقيادة الحاج مهدي يجري التغييرات الميدانية لصالح «قوات المهام» الذي تتبع له بشكل مباشر وتتخذ القوات مقرين لها على طريق حلب -القامشلي /M4. ويقدم حزب الله الدعم المالي واللوجستي للدفاع الوطني السوري في القامشلي والذي يقوده عضو مجلس الشعب السوري حسن السلومي أحد أعيان عشيرة الغنامة المنتسبة لقبيلة طي. ويعتبر السلومي رجل إيران الأبرز في القامشلي ويزور طهران بشكل مستمر. كما تظهر وسائط التواصل الاجتماعي، ويمنح الحاج مهدي رواتب لعناصر «قوات المهام» تقدر بـ 300 ألف ليرة سورية، كما يدعم «الدفاع الوطني» وقادته في منطقة انتشار قبيلة طي جنوب القامشلي.
ورغم العمل على تأسيس سرايا الخرساني في الحسكة، يستمر حزب الله اللبناني بقيادة الميليشيات والإشراف عليها، ووضعت السرايا تحت إمرة القيادي العسكري في الحزب، الحاج مهدي وهو المسؤول عن كامل النشاط الإيراني في محافظة الحسكة التي تعتبر منطقة نفوذ «التحالف الدولي لمحاربة داعش».
النشاط الإيراني في محافظة الحسكة أثار حفيظة النشطاء العرب عدة مرات، ما دفعهم إلى توزيع بيانات ومنشورات مصورة تستنكر وجود «حزب الله» وتواجده في القامشلي والحسكة. وكانت «القدس العربي» رصدت توزيع المنشورات والملصقات المناهضة يوم 22 آب (أغسطس) والتي وزعت في المربع الأمني لتواجد قوات النظام في الحسكة.
وفي 18 كانون الأول (ديسمبر) الجاري، نشر «شباب الحسكة» صورا جديدة مناهضة أمام مقرات «قوات المهام» التي يقودها الحاج مهدي على طريق M4. وحذرت المنشورات الموزعة في القرى من «زيادة نشاط ميليشيات إيران وحزب الله في المنطقة، وتعمل هذه الميليشيات بإشراف الحاج مهدي وتسعى لتجنيد شباب المنطقة وتوريطهم في معركة ليس لهم فيها ناقة ولا جمل». ووزعت المنشورات في أغلب قرى انتشار قبيلة طي التي يستهدفها النشاط الإيراني وقرى حامو والقصير وخربة عمو وجرمز وذبانة والعويجة وطرطب. ونددت المنشورات بالتغلغل الإيراني في المنطقة العشائرية العربية والعمل على تغيير هوية المنطقة العربية وطالبت وجهاء العشائر باتخاذ موقف من السياسة الإيرانية في شرق سوريا.
وفي السياق، قال أحد النشطاء العرب المساهمين في الحملة ضد النشاط الإيراني لـ «القدس العربي»: «قمنا بهذا التحرك لتحذير السكان لخطر ما تقوم به هذه الميليشيات، كما أننا نهدف من هذه المنشورات إلى تنبيه القوى الدولية الفاعلة مثل أمريكا وتركيا وروسيا لوضع حد لما تفعله إيران في المنطقة حيث تسعى، إضافة للتجنيد، إلى نشر المخدرات ومحاولة تغيير الهوية والثقافة للمجتمع» وناشد الدول «بتحرك فاعل لمواجهة هذا التمدد الإيراني ولن نقبل بما تقوم به إيران وميليشياتها في المنطقة».
وبدأت تظهر ملامح الهدف الإيراني من ذلك الانتشار بعد أن قامت «قوات المهام» بتدريب بعض المقاتلين العشائريين في مطار الديماس على تكتيكات استهداف القوات الأمريكية في شرق سوريا وتعتبر الدورات العسكرية المتخصصة بقيادة الطائرات دون طيار (الدرون) أهم الخبرات العسكرية المكتسبة، حسب ما أفاد مصدر محلي من المنطقة لـ «القدس العربي» حيث تنتخب قيادة «قوات المهام» أكثر الشبان العرب كفاءة وتقوم بإرسالهم إلى أحد معسكرات حزب الله في منطقة الديماس ويجري تدريبهم هناك في دورات تستمر قرابة الشهرين.
التحرك الإيراني باتجاه منطقة النفوذ الأمريكي بدأ مطلع 2022 ويَتّبع التواجد استراتيجية الحرس الثوري الهادئة والمعتادة في اختراق المجتمعات المحلية وكسب ولائها. ولم تسجل أي عملية اعتراض أو هجوم ضد تلك قوات «التحالف الدولي» أو ضد قوات سوريا الديمقراطية «قسد» التي تسيطر على المنطقة خارج المربعات الأمنية التابعة لقوات النظام أو ميليشيا «الدفاع الوطني» الموالية له. لكن الحرس الثوري الإيراني يسعى إلى وضع موطئ قدم في مناطق القبائل العربية على غرار ما فعل في منطقة دير الزور. كما أن التواجد الحديث نسبيا مرتبط بعدم ترك المنطقة لروسيا وإيران وحدهما، وربما يكون تمدد النفوذ التركي شرقا بعد عملية «نبع السلام» في تشرين الأول (أكتوبر) 2019 وصولا إلى رأس العين، واحدا من المحفزات الإيرانية لعدم ترك محافظة الحسكة للمتصارعين الدوليين والإقليميين وبقائها خارجاً.
حيث تنتشر القوات الأمريكية في عدة نقاط قرب حقول النفط في شرق المحافظة. فيما تتمركز القوات الروسية في مطار مدينة القامشلي، وفي عدّة نقاط أخرى في المنطقة بعد أن أخرجت حزب الله اللبناني من المطار. فيما تنحصر سيطرة قوات النظام على المربع الحكومي أو الأمني في وسط الحسكة وعلى ريف القامشلي الجنوبي.
في سياق متصل، يؤكد الباحث السوري سامر الأحمد المتخصص في تحليل الديناميات العشائرية للمنطقة استغلال إيران للظرف السياسي والأمني للمنطقة / وعزا في اتصال مع «القدس العربي» النشاط الإيراني وفتح المقرات العسكرية إلى ثلاثة أسباب، أولا، «أن تضمن أن تكون جزءا من أي اتفاق قادم بخصوص مستقبل المنطقة سواء بين روسيا وتركيا أو بين النظام وقسد برعاية روسية». والاستفادة من وجودها في المنطقة من أجل «تجنيد أكبر عدد ممكن من شباب المنطقة وجعلهم يخدمون مشاريعها العابرة للحدود كما فعلت في العراق خلال السنوات السابقة، مستغلة الظروف المعيشية القاسية التي تمر على ريف محافظة الحسكة، ومستغلة مشاعر السخط على قسد بين أبناء العشائر بسبب سياسات قسد التمييزية» واعتبر الأحمد أن «تأمين خط نقل جديد للمخدرات، وسوق تصريف جديد بين أبناء المنطقة» هو سبب لا يمكن إغفاله أبدا.
القدس العربي