عقيدة بوتين ـ روسيا وحصاد هشيم الأنظمة الشمولية!

عقيدة بوتين ـ روسيا وحصاد هشيم الأنظمة الشمولية!

دخلت أمس حرب روسيا على أوكرانيا شهرها الحادي عشر وهي حرب خطط لها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لتكون خاطفة وسريعة يسقط أو يعتقل أو يغتال الرئيس الأوكراني (المهرج والممثل الكوميدي السابق) ونظامه الذي يصفه بوتين وقيادات نظامه بالنظام النازي والمتآمر على روسيا ودمية الغرب. زيارة زيلينسكي الخاطفة واستقباله استقبال الأبطال الفاتحين وتخصيص المزيد من المليارات وتزويد أوكرانيا بنظام باتريوت للدفاعات الجوية يدفع للتصعيد ومعه تتعاظم الحسابات الخاطئة.
تغامر الأنظمة الشمولية والرئيس الضرورة بمغامرات فاشلة وحسابات خاطئة ومكلفة تلحق الضرر بمصالح شعوبها وأمنها الوطني، لأنها تأمن العقوبة، ولأن الرئيس هو الدولة. شهدنا أدلة على ذلك بشن بوتين حربا غير مبررة وغير شرعية على أوكرانيا مرتين عام 2014 بضم شبه جزيرة القرم وتغيير جغرافيا أوروبا بالقوة، ودعم الأقاليم الشرقية في أوكرانيا للتمرد على الحكومة ولاحقاً ضمها بعد استفتاء صوري إثر شن حربه التي أنهت شهرها العاشر. ولا يزال يطلق عليها «عملية خاصة» ضم فيها أقاليم لوغانسك ودونيتسك وزرابوجيا وخيرسون- التي تقوم قواته حالياً بقصفها بعدما منيت قواته بخسائر فادحة واضطر للتراجع برغم أنها أصبحت أراضي روسية بقوة الأمر الواقع والضم القسري.
ظن بوتين بحرب حساباته الخاطئة أنه سيسقط النظام الحاكم في أوكرانيا خلال أيام معدودة، بما فيها إسقاط رئيس أو اعتقال أو حتى اغتيال الرئيس زيلينسكي وحكومته وتحويل أوكرانيا لدولة تابعة تبقى تدور في فلك روسيا ومنطقة عازلة إلى الأبد لدول حلف الناتو وخاصة بولندا. فإذا بالناتو يتوسع ويصل لحدود روسيا ويضاعف حدود الناتو مع روسيا بعد انضمام فنلندا والسويد اللتين بقيتا على الحياد منذ الحرب العالمية الثانية.
معضلة الدول الشمولية كروسيا هي المخاطرة والمغامرة بسبب غياب القيود والحساب في حال تسببت سياساتها بحماقات وكوارث شهدنا ذلك في غزو صدام حسين للكويت وفي حرب العراق على إيران ورفض الخميني وقف الحرب في العام الثالث واستمر يقاتل لخمسة أعوام بخسائر فادحة في الأرواح والعتاد وكارثة اقتصادية. ونرى تلك الحسابات الخاطئة والمكلفة بحسابات بوتين الكارثية بتقليله من قدرات المقاومة والصمود الأوكراني وتصميم الغرب بقيادة الولايات المتحدة والناتو على تسليح وتدريب وتمويل وتزويد القوات الأوكرانية لمواجهة القوات الروسية الغازية وتحرير مناطق عديدة تركت القوات الروسية في وضع صعب. وهكذا تحولت حرب بوتين في أوكرانيا من «عملية عسكرية» خاطفة إلى حرب استنزاف وبالوكالة وبلا أفق ومكلفة.

معضلة الدول الشمولية كروسيا هي المخاطرة والمغامرة بسبب غياب القيود والحساب في حال تسببت سياساتها بحماقات وكوارث

شكلت زيارة الرئيس الأوكراني زيلينسكي المفاجئة كأول زيارة للرئيس الأوكراني للخارج منذ شن بوتين حربه قبل 10 أشهر صدمه واستفزازاً لبوتين الذي لمح في أكتوبر/تشرين الأول الماضي بالسلاح النووي التكتيكي. كتبت حينها في «القدس العربي» مستبعداً كما كان يخشى البعض، قيام حرب عالمية ثالثة وحتى نووية تكتيكية. في الشهر الحادي عشر أوكرانيا لم تهزم من ثاني أقوى جيش في العالم، والعاصمة كييف لم تسقط ويجد بوتين نفسه في مستنقع عميق وزيلينسكي يُستقبل استقبال الأبطال في البيت الأبيض وفي الكونغرس بعدما نقلته واشنطن بطائرة رئاسية أمريكية في زيارة خاطفة لم تتعد 10 ساعات.
لا شك أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يشعر أن التحالف الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في الناتو مصممين على تكبيده أثمانا باهظة وأهمها خسائر استراتيجية وفرض المزيد من العقوبات على شخصيات وقطاعات ومكونات تشمل قطاع النفط والغاز. وفي استفزاز غير فعال وضع الاتحاد الأوروبي سقفا لأسعار الغاز. وكان لافتا تعامل الرئيس
كما أعلن الرئيس بايدن والكونغرس الالتزام والاستمرار بتقديم الدعم لأوكرانيا حتى النصر.
وعاد الرئيس زيلينسكي إلى أوكرانيا فاتحاً ومفاخراً بأن زيارته حققت أهدافها وتوقع المزيد! فيما حذر زعيم الأغلبية القادم كفين ماكارثي من أنه لن يكون هناك شيك على بياض بتقديم الدعم لأوكرانيا بعد سيطرة الجمهوريين على أغلبية مجلس النواب في يناير/كانون الثاني المقبل.
وعبّر عن الغضب والاستياء الروسي من الموقف الأمريكي المستفز والداعم بلا سقف وحدود لأوكرانيا، الرئيس بوتين ومسؤولون روس، والسفير الروسي في واشنطن، بتأكيد أنه لا تواصل بين أمريكا وروسيا وتراجعت العلاقات إلى مستوى غير مسبوق أشبه بالجليدي وتخشى واشنطن من انقطاعها، وأن زيارة زيلينسكي لواشنطن أظهرت أن واشنطن وكييف لا تريدان السلام.
وحذرت روسيا من تقليص إنتاجها النفطي بين نصف مليون و700 ألف برميل نفط يومياً رداً على فرض دول الاتحاد الأوروبي ودول مجموعة السبع وأستراليا سقف 60 دولارا لبيع برميل النفط الروسي، وأن روسيا ستوجه تصدير نفطها لآسيا وأفريقيا ودول أمريكا اللاتينية.
كان لافتا وسط هذه التطورات وزيارة الرئيس زيلينسكي ما اقترحه الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون المستحيل وغير الواقعي بحاجة أوروبا لتقليص اعتمادها الأمني على الولايات المتحدة الأمريكية فأتاه الجواب من رئيس أوكرانيا زيلينسكي: «لولا دعم أمريكا لما صدمنا بوجه
هذا حصاد هشيم متوقع لزرع الأنظمة الشمولية والحكم المطلق!

القدس العربي