أثار ارتفاع سعر صرف الدولار أمام الدينار العراقيمخاوف من قبل الأوساط الرسمية والشعبية في العراق، بعد أن وضع البنك الفيدرالي الأميركيشروطاً رقابية مشددة تلزم نافذة بيع العملة بعرض قوائم بالدولار المباع تتضمن أسماء الأشخاص والجهات المستفيدة لبيان موقف البنك الفيدرالي من سلامة عملية الشراء للطرف مقدم الطلب، وعدم ارتباطه بجهات خاضعة للحظر أو العقوبات الدولية من قبل الفيدرالي الأميركي، ودفع هذا الإجراء البنك المركزي إلى الانتظار مدة سبعة أيام كأقل تقدير لإتمام عملية البيع بحسب متخصصين في الاقتصاد.
وواصل سعر صرف الدولار منذ أيام ارتفاعه مقابل الدينار العراقي في البورصة الرئيسة بالعاصمة بغداد، إذ اقترب من حاجز 160 ألف دينار لفئة 100 دولار وهذا الصعود هو الأول من نوعه منذ عام 2003 ولغاية الآن. وتسبب ارتفاع الدولار في الأسواق المحلية العراقية بارتفاع أسعار السلع والمواد الغذائية.
وفي محاولة للحد من هذه الأزمة، أعلن البنك المركزي العراقي عن حزمة قرارات للسيطرة على سعر صرف الدولار. وناقش مجلس إدارة “المركزي العراقي” تداعيات ومؤشرات ارتفاع أسعار الصرف في الأسواق المحلية وما يتعرض له سعر صرف العملة الأجنبية منذ أيام من ضغوطات مؤقتة ناتجة عن عوامل داخلية وخارجية، نظراً لاعتماد آليات لحماية القطاع المصرفي والزبائن والنظام المالي، وحيث أن متطلبات التجارة الخارجية (لأغراض الاعتمادات المستندية أو الحوالات) مغطاة بالكامل بالسعر الرسمي، أي 1465 ديناراً للدولار بالنسبة للاعتمادات المستندية و1470 ديناراً للدولار بالنسبة للحوالات.
مراجعة المصارف
وأهاب البنك المركزي العراقي بالتجار مراجعة المصارف مباشرة وعدم اللجوء إلى الوسطاء والمضاربين لتلافي تحميل استيراداتهم عمولات ومصاريف لا موجب لها، مشيرين بهذا الصدد إلى ما صدر عن مجلس الوزراء في قراره 351 لسنة 2022 بشأن عدم استيفاء الرسوم الجمركية ومبالغ الأمانات الضريبية مسبقاً، ما سيؤدي إلى تقليل الحلقات الزائدة وتخفيف الإجراءات وإزالة الكلف الناتجة عن مشكلات الترسيم المسبق. وفي أحدث قرار، أعلن البنك المركزي العراقي عن تسهيل إجراءات المسافرين في الحصول على العملة الأجنبية (الدولار)، وقال، في بيان، إن “تسهيل الإجراءات تم عن طريق توسيع منافذ بيع العملة الأجنبية نقداً من خلال زيادة حصص منافذ المصارف، وستتم المباشرة بزيادة حصصها”.
وكان رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني اجتمع، الثلاثاء 27 ديسمبر (كانون الأول)، بمحافظ البنك المركزي العراقي مصطفى غالب مخيف، واستمع السوداني إلى عرض مفصل من المحافظ في شأن ارتفاع سعر صرف العملة الأجنبية وأهم الإجراءات التي اتخذها البنك في هذا المجال.
وحث رئيس مجلس الوزراء البنك المركزي على تحقيق الاستقرار العام للأسعار وسعر الصرف وفقاً للمهمات المنصوص عليها في المادتين الثانية والثالثة من قانون المركزي العراقي اللتين تنصان على استهداف البنك المركزي تحقيق استقرار سعر الصرف المحلي وتنظيم ومراقبة عمل المصارف وتعزيز سلامة وكفاءة أنظمة الدفع وتطوير نظام المدفوعات، وأكد السوداني على ضرورة اتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع المضاربات غير القانونية وكل ما يضر بالسوق المحلية ويؤدي إلى ارتفاع الأسعار.
البطاقات الإلكترونية
كما حث على تفعيل خطوات بيع العملة الأجنبية بالأسعار الرسمية للمواطنين عبر الشراء بالبطاقات الإلكترونية، وفتح منافذ البيع للمسافرين، أو المتعالجين خارج العراق، أو تمويل التجارة الخارجية، وفق السياقات الأصولية والمعايير الدولية لفتح الاعتمادات المستندية والحوالات.
وقدم محافظ البنك لرئيس مجلس الوزراء الموقف الإيجابي للوضع المالي، مؤكداً أن الأزمة بشأن العملة الأجنبية أزمة طارئة لأسباب فنية، وتزامنت مع العمل بالمنصة الإلكترونية الجديدة وتأخر الحوالات بسبب عطلة أعياد الميلاد، وأشاد المحافظ بقرار مجلس الوزراء رقم 352 لسنة 2022 إيقاف العمل بالاستيفاء المسبق من الضرائب والجمارك عن البضائع الداخلة من المنافذ الحكومية ومنع الازدواج الضريبي واستيفائها وفقاً للسياقات المعتمدة عند المنافذ الحدوية.
ركود اقتصادي كبير
وأكد عضو اللجنة المالية النيابية جمال كوجر أن العراق مقبل على ركود اقتصادي كبير عازياً السبب لتذبذب أسعار الدولار أمام الدينار، وقال في تصريح صحافي إن “تذبذب سعر صرف الدولار حالياً أمام الدينار العراقي سيؤدي الى ركود اقتصادي، بالتالي ينعكس سلباً على اقتصاد البلد”، مبيناً أن “المواطن العراقي هو ضحية هذا التذبذب وننتظر إجراءات البنك المركزي ووزارة المالية في سعر الدولار”، وأشار إلى أن “المستثمر الأجنبي والتاجر العراقي يتخوفان من ممارسة عملهما بتذبذب الدولار ما يدفع بهما إلى إيقاف استثماراتهما وانتظار إجراءات الحكومة، بالتالي إيقاف عجلة الاقتصاد”، ودعا كوجر الجهات المعنية إلى “اتخاذ إجراءات حاسمة لإنهاء هذا التذبذب ووضع حد له وإعادة الثقة بالدينار العراقي”.
تهريب العملة
إلى ذلك، كشف عضو لجنة النزاهة النيابية النائب علي سعدون اللامي أسباب ارتفاع أسعار الدولار في الأسواق المحلية، وأشار إلى أن تهريب العملة إلى خارج البلاد وتوزيعها يعد سبباً رئيساً في الزيادة، مؤكداً أن دول الجوار هي المستفيد الوحيد من هذا الأمر، وقال اللامي في تصريح متلفز إن “المعطيات تشير إلى زيادة أخرى في الدولار، والحكومة الحالية عاجزة عن إيجاد الحلول”، مشيراً إلى أن “المشكلة الرئيسة في زيادة أسعار الدولار جاءت نتيجة تهريب العملة لدول الجوار”، وقال “البنك الفيدرالي الأميركي يريد السيطرة على بيع العملة من خلال إخضاعه للنافذة الواحدة”، مبيناً أن “العراق يصرف من العملة ما يقارب 70 أو 80 مليون دولار، في حين أن إحصاءات البنك المركزي تشير إلى صرف أكثر من 250 مليوناً”، وتابع أن “الحكومة لم تتخذ أي إجراءات للسيطرة على هذا الأمر، وإجراءات البنك الفيدرالي تمثلت بإطلاق استمارة تحدد بيع العملة لغرض السيطرة على مزادات بيع العملة لمعرفة الطرق التي تصرف بها أو الجهة الصادرة إليها”.
وفي سياق متصل، كشف النائب ضرغام المالكي عن تحركات عراقية قائمة للتفاوض مع الجانب الأميركي لتنظيم عملية التعامل مع الدولار وتطبيق الإجراءات “السليمة” بهذا الخصوص، ما سيقود لإعادة انخفاض أسعار الدولار، في وقت اعتبر أن الأمر قد يقود إلى تخفيض سعر الصرف إلى 120 ألف دينار خلال ثلاثة أشهر، وقال المالكي في تصريح صحافي إن “جلسة خاصة جمعته مع حوالى 23 نائباً من محافظة البصرة، ومحافظ البصرة، ورئيس الوزراء محمد شياع السوداني، وتم الحديث بشكل صريح عن مسألة أسعار الدولار”.
وأوضح أن “هناك عمليات تسقيط وتشكيك بمواقفنا السابقة الراغبة بتخفيض سعر الصرف”، مبيناً أن “النواب والمواطنين، بشكل عام، عندما يكونون خارج نطاق المسؤولية لا يعلمون شيئاً عن آلية التحكم بأسعار صرف الدولار، ولكن بعد أن يكون الإنسان في موضع المسؤولية كرئيس الوزراء، يكتشف أن الحكومة لا تمتلك سلطة كبيرة على الدولار لكونه ينتج ويصدر من الولايات المتحدة وهي تمتلك السلطة الكاملة على عملتها”، وقال أيضاً “يجب علينا أن ننظم أنفسنا من الداخل، فالعراق اليوم متهم بأنه بلد يشتبه بأنه يجري من خلاله تهريب العملة، لذلك هناك مفاوضات قائمة مع الجانب الأميركي لتطبيق الشروط السليمة للتعامل مع الدولار، الأمر الذي سيقود في النهاية إلى إعادة انخفاض أسعار الدولار تدريجاً إلى وضعه الطبيعي، خلال ثلاثة أشهر من الآن”.
وعن الوضع الطبيعي الذي يقصده المالكي، اعتبر أن “سعر الـ 140 ألف دينار ليس وضعاً طبيعياً، بل جرى لظروف خاصة وتوقيت معين، والوضع الطبيعي هو 120 ألف دينار عراقي لـ 100 دولار، وهو أمر قد يتحقق بالفعل خلال ثلاثة أشهر بعد التفاوض مع الجانب الأميركي، ورئيس الوزراء داعم لهذا التوجه من خلال التفاهم مع الجانب الأميركي بهذا الشأن”.
حالة مؤقتة
وأشار الباحث الاقتصادي العراقي بسام رعد إلى أن السياسة النقدية بين المطرقة والسندان، إذ وقعت السياسة النقدية بين سندان الاقتصاد العراقي الريعي الذي يعتمد بشكل كبير على الاستيرادات الخارجية في تغطية الطلب الكلي على السلع والخدمات سواء كانت استهلاكية أم وسيطة أم إنتاجية، ما يشكل طلباً كبيراً على العملة الأجنبية لإشباع رغبة السوق من العملة لتمويل الاستيرادات إضافة إلى جعل السياسة النقدية عرضة للصدمات الخارجية بسبب تقلب أسعار النفط أو ارتفاع أسعار السلع الأساسية في الأسواق الدولية، وبين مطرقة البنك الفيدرالي إذ إن كل أموال البلد التي يديرها البنك المركزي لمصلحة حكومة جمهورية العراق موجودة حالياً في البنك الفيدرالي الأمبركي الذي يوفر الحماية لهذه الأموال، وأكد الباحث الاقتصادي أن الفضيحة الأخيرة التي عرفت باسم “فضيحة القرن” دفعت البنك الفيدرالي إلى وضع شروط رقابية مشددة تلزم نافذة بيع العملة بعرض قوائم بالدولار المباع تتضمن أسماء الأشخاص والجهات المستفيدة لبيان موقف البنك الفيدرالي من سلامة عملية الشراء للطرف مقدم الطلب وعدم ارتباطه بجهات خاضعة للحظر أو العقوبات الدولية من قبل الفيدرالي الأميركي، ودفع هذا الإجراء البنك المركزي إلى الانتظار مدة سبعة أيام كأقل تقدير لإتمام عملية البيع.
وشدد رعد على أن هذه الإجراءات أسهمت في دفع فجوة سعر الصرف في السوق الموازية للارتفاع بنسبة معيارية تتجاوز خمسة في المئة، وعموماً، هذه الحالة مؤقتة وستزول مستقبلاً لأن سعر الصرف ما زال مثبتاً في التعاملات الحكومية لأغراض متطلبات التجارة الخارجية بالسعر الرسمي 1465 دينار للدولار بالنسبة للاعتمادات المستندية، و1470 ديناراً للدولار بالنسبة للحوالات، كما أن احتياطيات البنك المركزي هي الأعلى منذ عام 2003، حيث تتجاوز 90 مليار دولار وهي كافية للدفاع عن سعر الصرف الرسمي.
اندبندت عربي