تراقب الإدارة الذاتية في شمال شرقي سوريا ما يدور من مباحثات ثلاثية بين وزراء دفاع كل من سوريا وتركيا وروسيا الاتحادية في موسكو، حيث خرج اللقاء الثلاثي المعلن الأربعاء الماضي، ببيانات مقتضبة من أطرافه التي وصفته بالبناء، وأكدت استمرارية الحوار في الفترة المقبلة.
من جهتها أعلنت تركيا أنها تبتغي القضاء على الإرهاب، ولا يخفى على أحد أنها تقصد إنهاء سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) قرب حدودها وإبعادها، فيما يركز النظام السوري على خروج الأخيرة من المناطق التي تحتلها في شمال جغرافيتها، بينما تعمل موسكو على كسب تركيا أكثر إلى جانبها في ظل صراعها مع الغرب، لا سيما مع استمرار حربها في أوكرانيا، بحسب مراقبين.
أما الولايات المتحدة فسارعت إلى رفض أي تطبيع مع النظام السوري، وجاء على لسان المتحدث الإقليمي باسم وزارة الخارجية الأميركية سامويل وربيرغ في تصريح خاص لـ”اندبندنت عربية” أمس الخميس حول موقف الإدارة الأميركية من اللقاءات الجارية بين دمشق وأنقرة في موسكو، قائلاً “رأينا التقارير التي تحدثت عن وجود مباحثات ثلاثية بين تركيا وسوريا وروسيا. وسياستنا لم تتغير، ما زالت الولايات المتحدة لا تؤيد تطبيع العلاقات، أو التعبير عن أي دعم لإعادة العلاقات مع الديكتاتور بشار الأسد”.
وتابع وربيرغ أن بلاده تحث الدول “على النظر بعناية إلى تاريخ هذا النظام والفظائع التي ارتكبها ضد الشعب السوري على مدار العقد الماضي، واستمرار رفض هذا النظام وصول المساعدات الإنسانية المنقذة للحياة إلى الشعب السوري”.
وشدد الدبلوماسي الأميركي على دعم بلاده لحل سياسي ثابت يقوده السوريون بما يتماشى مع قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، في ظل استمرار معاناة الشعب السوري خلال ما يقرب من 12 عاماً من الحرب. وختم بقوله “سنواصل العمل مع الحلفاء والشركاء والأمم المتحدة لضمان وجود حل سياسي دائم”.
تحذير من زعزعة الاستقرار
“الإدارة الذاتية” التي تشكل قواتها أبرز حلفاء الولايات المتحدة على الأراضي السورية، خصوصاً في حربها ضد الإرهاب، والمتمثلة بقوات سوريا الديمقراطية، تراقب هذه اللقاءات عن كثب وتخشى حصول اتفاقات أو تفاهمات من شأنها زعزعة الاستقرار وإضفاء مزيد من التعقيد على المشهد السوري.
وقال الرئيس المشارك لدائرة العلاقات الخارجية في “الإدارة الذاتية” بدران جيا كرد، إن هناك محاولات جدية بخاصة من قبل مجموعة أستانا لتحقيق نتائج مجدية من اللقاءات ما بين النظامين التركي – السوري، على حد تعبيره.
لكن جيا كرد أشار إلى أن جملة من التحديات تواجه هذه الجهود، على اعتبار أن “للملف السوري أبعاداً إقليمية ودولية بحاجة إلى إطار أوسع للتفاهمات”، محذراً من أن هذه اللقاءات قد تفرز نتائج ميدانية تزعزع الاستقرار وتنسف خفض التصعيد وتزيد التوتر وتدفع بالصراع السوري نحو مزيد من التعقيد.
وقال إن موقفهم صريح وواضح تجاه كل الأجندات والسياسات التي لا تخدم المصالح الوطنية السورية والحل والاستقرار على حد وصفه، مشدداً على أنهم سيعملون بكل جهدهم للحفاظ على “مكتسبات شعبنا وفق المشتركات الوطنية”، رافضاً أية نتائج أو مخرجات من تلك الاتفاقات إلى جانب “الالتزام الصارم بقيم وحقوق شعبنا المشروعة”.
انهيار الآليات المشتركة
ودعا المسؤول في “الإدارة الذاتية” من خلال حديثه الخاص لـ”اندبندنت عربية” كلاً من روسيا والنظام السوري إلى “الابتعاد عن أي مقايضات لا تخدم الحل والاستقرار”، وفي مقابل ذلك قال “يجب العمل على حل معاناة السوريين الذين يعيشون في أسوأ الأحوال منذ 12 عاماً، كما جدد تحذيره بأن أي تفاهم بين النظامين التركي والسوري ضد مناطقهم “سيؤدي بشكل طبيعي إلى انهيار جميع الآليات المشتركة الموجود بيننا من أجل حماية أمن واستقرار المنطقة” على حد قوله.
اللقاء الثلاثي في موسكو واجه رفضاً شعبياً أيضاً في المناطق الواقعة تحت سيطرة المعارضة السورية، إذ خرجت يوم الجمعة 30 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، تظاهرات رافضة لأي تصالح مع النظام السوري، ووجهت رسائل واضحة لتركيا بعدم التفاوض باسمهم من خلال شعار “نحن أصحاب القضية”.
ويرى الكاتب والباحث السياسي، رستم محمود، أن حاجة روسيا وتركيا الثنائية هي التي تدفع إلى عقد لقاءات للإيحاء بوجود أشكال من التواصل بين نظامي تركيا وسوريا، من دون وجود أية رغبة حقيقية من قبل النظام السوري “لأنه يعتبر أي تواصل على المستوى السياسي مع تركيا هو مسّ باستقراره الداخلي لأسباب مركبة تتعلق بعدم رغبته بتقديم أي تنازلات للمعارضة السورية وعدم قدرته على استيعاب ملايين السوريين الموجودين في ظلال حكم تركيا، سواء في المناطق التي تحتلها بالشمال السوري أو اللاجئين السوريين الموجودين داخل تركيا”. وأضاف محمود، “الملفات التي تكبل الأطراف الثلاثة مركبة ومعقدة لا يمكن لهم أن يتجاوزوها، وتتعلق بالتزام تركيا حماية السوريين الموجودين تحت حكمها وتالياً دفع أثمان بالغة في حال حدوث أذى لهؤلاء السوريين البالغ عددهم ثمانية ملايين شخص على مستوى صدامهم مع النظام السوري، وكذلك روسيا مكبلة أمام المجتمع الدولي بعدم حدوث مجازر واضحة في حال ترتيب اتفاقات على حساب المجتمعات المحلية، فيما النظام السوري مكبل بتوازن مع إيران، ولا يستطيع أن يقبل بأي توافق واضح مع تركيا يخل بنوعية علاقته التبعية لإيران في الملف السوري، وهذه جميعها عوائق أساسية أمام أي اتفاق بين الأطراف الثلاثة”، على حد تعبيره.
وحول تأثير أي اتفاق بين تركيا وسوريا برعاية روسيا على مستقبل الإدارة الذاتية التي تشارك التحالف الدولي في محاربة تنظيم “داعش”، اعتبر الباحث السياسي رستم محمود أن الإدارة الذاتية لا تشعر بالقلق لسببين رئيسين، أولهما أن التغطية الاستراتيجية لقوات سوريا الديمقراطية لا تنبع من إيران أو سوريا أو روسيا ولا من تركيا، بل من ثنائية الولايات المتحدة الأميركية وقوى الاتحاد الأوروبي.
أما السبب الآخر بحسب محمود فيكمن في أن قوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية على يقين من أن النظام السوري غير قادر على أن يمس عسكرياً هذه الإدارة، “فالنظام ليس أقوى من نظيره التركي، ولا التوافقات السياسية ممكن أن تصل إلى نتائج مباشرة بحيث ترسم ضغوطاً دراماتيكية واستثنائية على الإدارة الذاتية خارج ما هو موجود حالياً من ضغوط اقتصادية وأمنية وعسكرية”.
فرصة للإدارة الذاتية
وذهب الكاتب السياسي السوري إلى القول إن “الإدارة الذاتية يمكنها السير بعيداً في الظروف الحالية من خلال استثمار هذه الفرصة الاستثنائية والتأكيد لجميع السوريين بأن لا أحد يملك لهم أي مشاريع يمكن أن تصل إلى نهاية ما، وأن كل الأطراف تعتبر السوريين أوراقاً للتفاوض والبيع والشراء، ما يدفع نحو فتح الباب واسعاً أمام تواصل سياسي بين الإدارة الذاتية والقوى السورية بحيث يكون هناك تغطية سياسية سورية شاملة لشمال شرقي سوريا كمنطقة وحيدة خارج نفوذ النظام في دمشق أو لعبة القوى الإقليمية”.
وفي هذا الاتجاه ومن خلال موقفها الرافض لعقد هذه المباحثات، دعا مجلس سوريا الديمقراطية، الذي يعتبر الواجهة السياسية للإدارة الذاتية السوريين إلى الحوار، وتوحيد قوى الثورة والمعارضة بوجه ما سماه “الاستبداد وبائعي الدم السوري على مذبح مصالحهم”.
ابندنت عربي