رؤية النور: رحلة إلى الأرض المقدسة في العام 1929 ‏(3-3)

رؤية النور: رحلة إلى الأرض المقدسة في العام 1929 ‏(3-3)

 

فاق عدد يهود القدس عدد العرب بنسبة اثنين إلى واحد. وكان من المعروف للجميع أن اليهود يمتلكون أسلحة نارية؛ بينما العرب لم يكونوا يمتلكونها.

وفي ظل هذه الظروف، بدا من المرجح أن التفوق اليهودي في العدد والمعدات، فضلاً عن تنظيم اليهود ومركزيتهم، سيمكنهم من إلحاق ضرر كبير بالعرب لمدة يوم أو يومين إذا ما رغبوا في ذلك.

ومن خلال ما رأيته وسمعته في الأسبوع السابق، اعتقدت أن إلحاق هذا الضرر ربما كان رغبة الكثيرين منهم.‏

مع ذلك، في اليوم الأول من هذه المشاكل، لم يُقتصر الأمر على أن كلمة “مذبحة” لم تُذكر في الأحاديث فحسب، بل إنها لم تخطر على البال مطلقًا.

قيل لنا إن أولى الضحايا كانوا من العرب الذين قتلوا على أيدي اليهود. كان اليهود أغلبية مسلحة بالمسدسات والبنادق في المدينة؛ بينما كان العرب أقلية مسلحة بالعصي والسكاكين فحسب.

كان ما بدا عليه الأمر، عند حوالي الساعة الثانية بعد ظهر يوم الجمعة، اندلاعًا هائلًا لكراهية قاتلة بين قسمين من السكان -انفجار كنت أتوقعه، على الأقل، لبضعة أيام، ناجم عن الجدل الطويل والغاضب حول حائط المبكى، والذي عجل به وجعله حتميًا قيام اليهود برفع العلم القومي اليهودي على جدار مسجد عمر.

كنت أتوقع أن يتصرف اليهود والعرب بشكل أو بآخر كما سيتصرف الألمان، أو الصينيون، أو الفرنسيون، أو المغاربة، أو الأميركيون في ظل ظروف مماثلة، سوى أن الأمور ستكون أسوأ.

باختصار، اعتقدت أننا كنا في في طريقنا إلى عراك -شكل غاضب مثير للاشمئزاز بشكل غريب من القتال، حيث ينتصر اليهود في القدس وحيفا وتل أبيب، وربما تكون للعرب اليد العليا في أماكن أخرى، وحيث لن يحترم أي من الطرفين قواعد القتل الغربية المتحضرة.‏

فعلت تقريبًا ما كان ليفعله أي صحفي عامل أو سابق: ذهبت مباشرة إلى مكتب البريد لإرسال برقية إلى مكتب صحيفتي القديمة في نيويورك…

كانت الإجابة التي تلقيتها من نيويورك: ‏‏”كم تريد عن المقالات؟ ألا يمكنك إرسالها عن طريق البريد؟‏‏” وفي اللحظة التي تلقيت فيها البرقية، كانت عمليات القتل الرهيبة في الخليل، التي فقد فيها 64 يهوديًا، بمن فيهم بعض الشباب الأميركيون، أرواحهم، جارية بالفعل؛ كان ثمة أزمة من أعلى مستوى قيد العمل؛ كانت القوات والسفن تتحرك.

وكانت “القصة”، التي تعد من وجهة نظر الصحف حدثًا مثيرًا للاهتمام ببساطة، هي الأكثر أهمية في العالم في الحقيقة. ولكن طلُب مني “إرسالها عن طريق البريد…‏”.

طوال ثلاثة أيام عملت مرة أخرى كمراسل صحفي. وحتى لو كان الأمر كذلك، ومع كل تلك التأخيرات والصعوبات، بقيت روايتي أبكر رواية كاملة عن الأحدث تصل إلى الصحف الإنجليزية والأميركية.

ويرجع ذلك جزئيًا إلى الصعوبات التي واجهها زملائي اليهود -حيث لم يجرؤ سوى عدد قليل منهم على التنقل في المدينة، وفي البداية لم يذهب أي منهم إلى الحكومة للحصول على معلومات- لكنه يرجع أيضًا إلى شدة الرقابة التي فُرضت عند بداية اندلاع الاضطرابات.‏

لا أستطيع أن أتذكر بوضوح تفاصيل تلك الأيام الرهيبة. بالكاد كنت أنام على الإطلاق. كنت أظل مستيقظًا في جميع الساعات وأتواجد في كل أنحاء المدينة، في محاولة لمتابعة مسار الأحداث لأغراض مهنية.

ذهبت من الأحياء العربية إلى الأحياء اليهودية والعودة مرة أخرى عبر صفوف الشرطة وحول الأجزاء غير المحروسة من المدينة…

في جميع المناسبات السابقة التي كنتُ قد اختبرتها من هذا النوع كنت مدركًا تمامًا للمخاطر التي تهدد العابر الفضولي، ومنذ الوقت الذي سمعت فيه لأول مرة أزيز رصاصة في الهواء، قبل سنوات، كنت قد احتفظت بخوف صحي من الموت.

ولكن في القدس، أنتجت لديّ شدة الإثارة العصبية، بعد اليوم الأول أو الثاني، نوعًا من الذهول الذي فقدت معه الوعي بهويتي الخاصة؛ لم يكن يمكن أن أكون أكثر تجاهلاً للمخاطر الشخصية، كما لو أنني كنتُ غير مرئي.

هنا مرة أخرى لم أعد صحفيًا عقلانيًا: كنت أتجول في شوارع القدس في جميع الأوقات، وأفرط في العمل إلى حد الجنون، وبالكاد أنام على الإطلاق، بدافع الرعب العصبي المطلق

. في بعض الأحيان لاحظت وجودي الخاص وفوجئت به: على سبيل المثال، عندما كان عربي قلق يتعلق بي ويمشي معي في الشوارع، كما لو أنه يرافقني من أجل حماية.

حدث هذا مرات عدة بينما أكون سائرًا عبر المدينة العربية. لم أكن أعرف أبدًا من يكون هؤلاء الحراس الشخصيون المعيّنون ذاتيًا -لم يكونوا أبدًا الشخص نفسه مرتين- لكنني أفترض أنهم كانوا بعض الرجال الذين أرسلهم “المجلس الإسلامي الأعلى” لمحاولة الحفاظ على النظام.

في الأحياء اليهودية لم أكن في حاجة إلى مثل هذه المرافقة ولم أتلقاها، لأنني عادة ما كنتُ أعتبَر هناك بريطانيًا؛ لكنني عندما كنت أمر بالحواجز في تلك الشوارع المنكوبة، كنتُ أواجَه في كثير من المرات بالعبوس واللعن، لأن البريطانيين لم يكونوا بأي حال من الأحوال يتمتعون بشعبية بين السكان اليهود خلال تلك الأيام.‏

أدت اضطرابات يوم الجمعة إلى وقوع العديد من الوفيات بين كل من اليهود والعرب (العرب المسيحيين والمسلمين على حد سواء)، واستمر هذا الاندفاع إلى القتل طوال أسبوع.

وفي نهاية ذلك الرعب كانت القائمة الرسمية لضحايا القدس هي: 29 يهوديًا و38 عربيًا قتلوا، و43 يهوديًا و51 عربيًا جرحوا. هنا، كما هو الحال في حيفا، نال العرب أسوأ ما في الأمر، ولكن يبدو واضحًا (وكان قد بدا واضحًا حتى في ذلك الوقت) أن الخسائر التي ألحقها اليهود كانت أساسًا دفاعًا عن النفس. وقد تعهدت الحكومة البريطانية بنزع سلاح الشرطة اليهودية والضباط اليهود الخاصين لتجنب إعطاء العرب فرصة لقول إنهم يتعرضون للقتل على أيدي اليهود بموافقة رسمية؛ ولكن ما كانت أي حكومة لتستطيع أن تنزع سلاح السكان اليهود.

ولم يكن ما أدهشني في قائمة القتلى والجرحى أن عدد العرب فيها فاق عدد اليهود، وإنما كونهم لم يفوقوهم أكثر من ذلك بكثير.

في أعقاب أهوال يوم الجمعة في القدس حدث شيء أسوأ بكثير: الانفجار المروع للأحداث في الخليل، حيث قُتل 64 يهوديًا من المجتمع الديني اليهودي القديم في المدينة وجرح منهم 54 آخرون.

كانت الخليل واحدة من المدن الأربع المقدسة لدى اليهود، وكان فيها عدد قليل وثابت من السكان اليهود منذ أيام العصور الوسطى.

ولم يكن هؤلاء صهاينة على الإطلاق. لم يكن يمكن العثور على مجموعة من الناس أكثر براءة وأقل إيذاءً منهم في فلسطين.

وكان العديد منهم من اليهود الشرقيين، وجميعهم كانوا متدينين. لم تكن لهم أي علاقة بالتجاوزات الصهيونية، وعاشوا في وئام مع جيرانهم العرب حتى ذلك اليوم.

ولكن، عندما سمع عرب الخليل -وهم جزء جامح عنيد وصعب المراس، في أحسن الأحوال- أن العرب يُقتلون على أيدي اليهود في القدس، وأن مسجد عمر في خطر، جن جنونهم…‏

لا يمكنني، في هذا التاريخ المتأخر، أن أستعرض كل تفاصيل قصة ذلك الأسبوع. وقد قيلت مرارًا وتكرارًا على أي حال. ولم تتكرر أهوال الخليل في أي مكان آخر، لكن هجوم بعض الغوغاء العرب على اليهود المتدينين في صفد، يوم الخميس التالي، كان فظيعًا بما يكفي لتصنيفه كمذبحة أخرى.

في حيفا، حيث كان اليهود في الغالب من النوع الصهيوني الحديث واحتلوا موقعًا استراتيجيًا ممتازًا في أعلى التل، نال العرب أسوأ ما في الأمر.

وينطبق الشيء نفسه على بعض المستعمرات؛ وكاد آخرون يتعرضون للإفناء. وفي نهاية الاضطرابات، أظهرت قوائم الضحايا البريطانية الرسمية 207 قتلى و379 جريحًا بين سكان فلسطين، ضم القتلى من بينهم 87 عربيًا (مسيحيين ومسلمين) و120 يهوديًا، وكان الجرحى 181 عربيًا و198 يهوديًا.‏

كان الجهد الذي يتطلبه الأمر ليكون المرء مراسلاً صحفيًا فعالاً وغير عاطفي صعبًا إلى حد الاستحالة.

وبالعيش كما فعلت، بلا نوم ولا راحة، وأكل القليل، والعمل في أغرب الأماكن والأوقات، ربما كان ينبغي أن أنهار في وقت ما، ببساطة نتيجة الإرهاق البدني.

ولكن كان في الأمر ما هو أكثر من ذلك بكثير… على الرغم من أنني قضيت جزءًا كبيرًا من حياتي وسط مشاهد العنف ولم أكن غريبًا عن مشهد الدماء والناس المحتضرين، فإنني لم أتغلب أبدًا على كراهيتي للمشهد حتى عندما بدا، كما هو الحال في بعض الصراعات التي شهدتها، مفروضاً بضرورة تاريخية.

ولكن هنا، في هذا البلد الصغير البائس الذي لا يزيد حجمه، بالنسبة لبقية العالم، على حجم طرف إصبعك بالنسبة لجسدك، لم أستطع أن أرى أي ضرورة تاريخية من أي نوع للصراع. كان البلد صغيرًا ومأهولاً بالسكان مسبقًا: لماذا لم يستطع الصهاينة تركه وشأنه؟

إنه لن يستوعب أبدًا ما يكفي من اليهود حتى لمجرد البدء في حل المشكلة اليهودية؛ وسيكون دائمًا فريسة للفظائع المروعة مثل تلك التي رأيتها كل يوم وكل ليلة: وقد ضمِن الدِّين؛ التعنت الأبدي للدين، عدم إمكانية حل المشكلة أبدًا. بدت الأرض المقدسة قريبة من أن تصبح جحيماً على الأرض كما لم أرَ أبدًا في أي وقت مضى…

وصلت عوامل الإجهاد البدني والأرق والإثارة والسخط ذروتها يوم الثلاثاء (27 آب/ أغسطس). عندما عدت إلى “التكية النمساوية” في تلك الليلة (كان ذلك بعد الساعة الثانية صباحا بقليل، كما أتذكر -في وقت أبكر من المعتاد) كنت أعرف أنني انتهيت.

لم أعد أستطيع الاستمرار. كانت أعصابي قد تمزقت تمامًا إلى قطع بحيث لم أتمكن من ضرب المفاتيح الصحيحة على الآلة الكاتبة، وفي الواقع بالكاد تمكنت من التقاط قلم رصاص.

كنت قد رأيت الكثير من القتلى والجرحى العرب وهم يُحملون بصمت في الشارع أمام مبنى التكية. وكانت أذناي ترنان بصدى الأصوات التي سمعتها في المستشفيات اليهودية.

والأسوأ من ذلك كله، أنني لم أستطع أبدا أن أخرج من رأسي تلك المحادثة الفظيعة مع السيدة التي أسميتها “الآنسة س”، التي أخبرتني بكم ستكون هذه “الحوادث” مرغوبة بالنسبة للوكالة اليهودية الجديدة.

كنت نصف مجنون بالرعب العصبي والسخط على الصهاينة لجلبهم مثل هذه الكارثة، وعلى العرب لتصرفهم بمثل هذه الشراسة، وعلى الحكومة على عجزها العام.

كل هذه الأشياء أنتجت لديَّ اختلالاً عقليًا على عكس أي شيء آخر عرفته على الإطلاق. جلست إلى الآلة الكاتبة طوال الليل، وقمت بكتابة برقيات تشرح الأمور لاتحاد صحافة أميركا الشمالية في نيويورك وطلبت منهم إعفائي من المزيد من العمل.

وعند حوالي الساعة السابعة صباحًا (كما عرفت فقط من شهادة جاري في الغرفة المجاورة، مدقق حسابات الحكومة؛ لأن ذاكرتي الخاصة عن تلك الليلة تلاشت) توقفتُ عن محاولة الكتابة على الآلة الكاتبة وسقطت في السرير. ولم أنهض مرة أخرى طوال أربعة أيام…

لجنة التحقيق‏

رأيت القادة العرب كثيرًا بعد الاضطرابات بينما كنت أعمل على مقال لمجلة عن الحرم الشريف…‏
‏مكثت في القدس -لأسابيع أطول مما كنت أرغب حقًا في البقاء- بشكل رئيسي بسبب “لجنة التحقيق”(1) البرلمانية في الاضطرابات الفلسطينية… وكان الغرض منها هو معرفة سبب اندلاع الأحداث في 23 آب (أغسطس) وتقديم توصيات للمستقبل…‏

تم إعداد القضية الصهيونية التي عُرضت أمام “لجنة التحقيق” بعناية فائقة. كانت كل آلة كاتبة متاحة في القدس تعمل على مدى أسابيع في جهد إعداد الصهاينة وثائقهم، كما اكتشفتُ بما تسبب في إزعاجي، (اضطررت إلى التخلي عن الآلة التي كنت قد استأجرتها لتلك الفترة)…

وفي المقابل، كان العرب في موقف أدنى إلى حد كبير أمام اللجنة. لم يكن مستشاروهم -الذين تم اختيارهم بناء على نصيحة من بعض أولئك الذين نصبوا أنفسهم “أصدقاء العرب” في لندن- في أحسن أحوالهم نظراء للسير بويد ميريمان (2) في القدرة، وزاد من إعاقتهم الإعداد غير الكفء، المتلكئ والعشوائي. كنت أعرف شيئًا عن الطريقة التي عملوا بها لأنهم كانوا يقيمون في “التكية النمساوية” أيضًا، ورأيتهم كثيرًا…

والواقع أن الموقف العربي الأدنى أمام اللجنة كان سيئًا للغاية لدرجة أن العديد من العرب كانوا يرغبون في مقاطعة اللجنة جملة وتفصيلاً. لكن المفتي (3) حافظ على هدوئه.

وكلما عرفته بشكل أفضل أدركت أنه رجل ذو شخصية رائعة وهدوء داخلي ويقين غير عاديين. لم يكن متعصبًا أبدًا، وكان دائمًا منفتحًا على المنطق والعقل، ولم يرفض أبدًا حجة أو اقتراحًا من دون فحصه بعناية.

كانت معرفته بالأساليب الغربية محدودة، لكنه قال منذ البداية إنه إذا كانت لجنة التحقيق مهتمة حقًا بالحصول على الحقيقة فإنها ستحصل عليها بغض النظر عما يفعله المحامون المختلفون: وكان على حق.‏

كنت قد وافقت على الإدلاء بشهادتي أمام اللجنة بشأن شيء واحد فقط: مسألة “الآنسة س” والتجمع في تيشابوف.

لكنني لم أكن قد حاولت أبدًا تقديم شهادة في محكمة من قبل، ولم أدرك أنه من المستحيل أن تتحدث عن شيئك الواحد وتخرج…

سذاجة، وإنكار‏

مع ذلك الشيء الواحد وأكثر منه كنت شاهدًا نادمًا، لكنني أتصور، على العموم، أن معظم أعضاء اللجنة افترضوا أن الحقيقة المركزية (النقطة التي جئت إلى هناك لإثارتها) تشير إلى شيء ما. على أي حال، اتصلوا بـ”الآنسة س” بعد ذلك مباشرة -وأنكرَت كل شيء! قيل لي إنه كان من السذاجة الغبية مني ألا أتوقع ذلك، لكن الحقيقة هي أنني لم أتوقع.

أكدت “الآنسة س” فقط تلك الأجزاء من شهادتي التي يمكن أن يؤكدها شهود آخرون (الأوقات، التحركات، النقَّالات في مستشفى هداسا) وأنكرَت جميع الأجزاء الأساسية، تلك المعنية بما أخبرتني به.

وقالت أيضًا إنها ليست صهيونية، وإنها لم تر سوى عدد قليل من الناس في تل أبيب، ولم تكن تعرف شيئًا عن تجمعات تيشابوف، ولم تأت إلى القدس على هذا الأساس.

وكان تصريحها الأخير والأكثر إثارة للدهشة هو أنها عندما ذهبت إلى حائط المبكى، “شعرت عمومًا بأنها هادئة تمامًا” ولم تتحدث كثيرًا.‏

لم أعرف تفاصيل هذه الشهادة لسنوات بعد ذلك. في ذلك المساء في القدس كنت أعرف فقط أن “الآنسة س” أنكرَت شهادتي تحت القسم، وكان علي أن أفترض أن هذا قد أجهض المسألة برمتها.

حاولت أن أوضح نقطة مهمة، وإذا كانت “لجنة التحقيق” لم تصدقني، فذلك شيء لم يكن بالوسع فعل شيء بشأنه. وعلى أي حال، لم يُحدث ذلك فرقًا كبيرًا بالنسبة لي أو لأي شخص آخر، لأن “لجنة التحقيق”، مهما يكن ما فعلته بكتلة الأدلة المتضاربة أمامها، لم تستطع تغيير نظام الحكم في فلسطين.

كان النظام، الذي ترتّب أن تُحكم بموجبه أغلبية عربية من دون تمثيل إلى أن يحين الوقت الذي يمكن فيه ضخ أغلبية يهودية إلى البلاد من الخارج، خاضعًا لقوانين وعد بلفور والانتداب البريطاني.

ومع هذا النظام كان من المؤكد أن اضطرابات آب (أغسطس) 1929 ستتكرر من وقت لآخر كلما أصبحت السياسة الصهيونية عدوانية بوضوح أكبر بحيث تثير السخط الشعبي.

كنتُ قد سئمت من كل شيء؛ مما لم يجلب لي أي شيء سوى المتاعب والمشقة؛ وبأعمق مشاعر الارتياح غادرت ذلك البلد الصغير البائس -“الأرض المقدسة”- وتركته ورائي.‏ (انتهى)