تحاول الأطراف الدولية المحاورة في اتفاق البرنامج النووي الإيراني ومع بداية العام الحالي أن تجد حلول واقعية تساعد على التقدم نحو عقد الجولة العاشرة للعودة للمفاوضات بعد التطورات الأخيرة في منطقة الشرق الأوسط واحتدام الصراع العسكري الروسي _الأوكراني وتصاعد حدة الخلاف بين أطراف الحوار خاصة وأن الجانب الأمريكي اعتبر وعلى لسان المبعوث الأمريكي للملف الإيراني روبرت مالي(ان البرنامج النووي الإيراني يتوسع ورأينا طهران أصبحت أكثر عدوانية في أنشطتها الإقليمية ) ، يأتي هذا التصريح بعد العديد من المواقف التي صدرت من النظام الإيراني على صعيد المواجهة مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية وامتناعه لحد الآن على السماح لمفتشي الوكالة بالوصول إلى ثلاث مواقع يشتبه بتخصيب اليورانيوم فيها والتي تقع أطراف العاصمة الإيرانية طهران ، إضافة إلى استمرار عملية التسويف والمماطلة التي يبديها المسؤولين الإيرانيين عن الملف النووي وبتوجيه من القيادة الإيرانية بتصعيد الموقف ورفض العديد من المبادرات التي قدمها الاتحاد الأوروبي لحلحلة الأوضاع والمضي بجولات الحوار في العاصمة النمساوية فيينا.
يرى رئيس مشروع السلام والأمن الإقليمين في مؤسسة فريد ريش إيبرت في منطقة الشرق الأوسط( ماركوس شنايدر) في مقابلة صحفية نهاية شهر تشرين الثاني 2022 (انه كلما حقق الإتفاق نجاح وأصبح على وشك التنفيذ غير الإيرانيون مطالبهم، لذلك ظلت المفاوضات متعثرة وصعبة للغاية ) .
وأمام هذه المواقف والتطورات الميدانية وتصاعد الآراء حول القيام النظام الإيراني بتزويد روسيا بالطائرات المسيرة والصواريخ الموجه في حربها مع أوكرانيا قد أضعفت كثيرا محاولات العودة إلى مفاوضات البرنامج النووي والذي اعتبره الرئيس الأمريكي جو بايدن في إحدى لقاءاته أنه في حكم (الميت ) وسياسة العنف والقسوة التي تبديها الأجهزة الأمنية والاستخبارية في مواجهة الاحتجاجات الشعبية في عموم المدن الإيرانية والرفض الأمريكي والأوروبي لها وتشديد العقوبات الشخصية على عدد من مسؤولي النظام كلها عوامل ساهمت في الحد من إمكانية العودة والجلوس مرة أخرى لطاولة المفاوضات في وقت لا يزال الاقتصاد الإيراني يتعرض لضغوط شديدة بسبب العقوبات الاقتصادية الأمريكية وارتفاع نسبة التضخم وزيادة ظاهرة الفقر والبطالة في المجتمع الإيراني وتصاعد حدة التظاهرات المطالبة بإسقاط النظام وتغيير السياسية المتبعة في إدارة الدولة وإيجاد الحلول الواقعية لمعالجة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية بعد الانخفاض الكبير للعملة الإيرانية وارتفاع تكاليف الإسكان الباهضة وزيادة حالة السخط والغضب من أركان النظام وعدم تمكن الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي من تنفيذ التعهدات التي قدمها في حزيران 2021 عند تسنمه مقاليد الرئاسة بإصلاح المنظومة السياسية والاقتصادية للبلاد .
لا زال النظام الإيراني متمسك بسياسة التوجه نحو الشرق وعقد الاتفاقيات الإستراتيجية والتيارات التجارية مع روسيا والصين لتساعده في مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية وتحسين موقفه في مفاوضات البرنامج النووي ومحاولات رفع العقوبات الاقتصادية بعد أن تسببت بخسائر مالية باهضة أثرت على السياسة المالية وأوقفت العديد المشاريع التنموية واضعفت القدرة السياسية للنظام الحاكم، إن الرؤية الإيرانية تقوم على فكرة أن الدول الاوربية وأسواقها بحاجة إلى إيران كونها تعتبر من الدول المصدرة للطاقة وان النتائج التي الت إليها الحرب الروسية الأوكرانية جعلت قارة أوربا بحاجة ماسة للنفط والغاز وهو ما يمكن تقوم به إيران بتخفيف الوضع القائم وأنها تستطيع أن تعزز موقفها من أي مفاوضات قادمة وتملي شروطها على الإدارة الأمريكية والدول الأوربية، بعد ان تمكنت من تعزيز قدرتها على امتلاك عدد كبير من أجهزة الطرد المركزي وزيادة مخزونها من اليورانيوم المخصب بغياب الإشراف الدولي الوكالة الدولية للطاقة الذرية مما يعني استمرار قدرتها وامكانياتها في تعزيز برنامجها النووي والاحتفاظ بالكفاءة العلمية والتقنية التي وصل إليها العلماء الإيرانيين .
هذه عوامل يراها القادة الإيرانيون أنها من الممكن أن تساهم في الحصول على إمتيازات عديدة في أي حوارات قادمة أو الموافقة على الشروط الإيرانية بتقديم الضمانات من الجانب الأمريكي بعدم الانسحاب مجددا من أي اتفاق جديد والأبقاء على نسبة 20% من اليورانيوم المخصب وإلغاء جميع التحقيقات التي أقرتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية بحق النظام الإيراني ورفع العقوبات الاقتصادية بصورة كاملة وليس على مراحل كما ترغب واشنطن وعدم التدخل بسياستها ومشروعها في التمدد والتوسع الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي، وهذا ما لا يمكن أن توافق علية الولايات المتحدة الأمريكية التي ترى في هذه الشروط الإيرانية تأثير على سياستها وعلاقاتها مع شركائها وحلفائها في المنطقة العربية .
سيبقى الملف النووي الإيراني حدثا قائما في عام 2023 لأسباب عديدة تتعلق بطبيعة السلوك الإيراني وما هية السياسية المتبعة مع أطراف الحوار والتوسع في العلاقة مع الصين وروسيا واستمرار الاحتجاجات الشعبية التي تلاقي تأييد دولي من قبل الإدارة الأمريكية والدول الأوربية والرؤية الميدانية للإدارة الأمريكية بعد الانتخابات النصفية في تشرين الثاني عام 2022 ووصول الحزب الجمهوري الى مجلس النواب بأغلبية واضحة والتي يرى أن أيران ليست في عجلة لإحياء الاتفاق النووي وضرورة العمل على تصعيد فعالية العقوبات الاقتصادية ومواجهة الأساليب الإيرانية بشكل فعال .
وحدة الدراسات الإيرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية