عطلت الأزمات السياسية في العراق على مدار العقدين الماضيين تشريع كثير من القوانين المهمة التي تلامس هموم المواطنين، فتأجلت من دورة برلمانية إلى أخرى، نتيجة الخلافات بين القوى والأحزاب، لكن مع التفاهمات والاستقرار السياسي التي تشهدها البلاد حالياً، أعلنت اللجنة القانونية النيابية، أن 170 قانوناً تنتظر التشريع في الدورة الحالية.
وقال عضو اللجنة أوميد أحمد، في تصريح صحافي، إن “اللجان النيابية تناقش في الوقت الحالي 170 قانوناً مؤجلاً من الدورات السابقة”، لافتاً إلى أن “اللجان عازمة على تمرير تلك القوانين خلال الدورة النيابية الحالية”.
وأضاف أن “مجلس النواب يحاول تمرير القوانين المهمة التي تمس حياة المواطنين، ومن أبرزها قانون الخدمة المدنية وقانون العشوائيات وقانون الرعاية الاجتماعية، وقوانين أخرى”، مبيناً أن “مجلس النواب يأمل بأن ترسل الحكومة قانون الموازنة خلال الأيام الأولى من بداية الفصل التشريعي الثاني”، مشيراً إلى أنه “سينظر في القوانين المعطلة والمهمة بعد تمرير قانون الموازنة”.
أهمية إقرار القوانين
وكان رئيس تيار الحكمة الوطني عمار الحكيم بحث مع رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي المشهد السياسي في البلاد ودور مجلس النواب في إقرار التشريعات، وذكر بيان لمكتب الحكيم أنه “تم التأكيد على أهمية تكاتف الجميع من أجل إنجاح عمل الحكومة في المرحلة المقبلة، وبينا ضرورة استثمار الفرصة الثمينة في تقديم الخدمات وتوفير فرص العمل ومكافحة الفساد“.
وأكد الحكيم أهمية نهوض مجلس النواب بدوره الرقابي والتشريعي وإقرار القوانين المهمة لاستكمال بنية النظام السياسي وكذلك القوانين ذات التماس المباشر مع هموم المواطنين، وأشار إلى التكاملية بين عمل اللجان النيابية والوزارات، ودعا إلى إعادة النازحين واستمرار العمليات الاستباقية لضرب فلول الإرهاب.
من جهته نوه الباحث السياسي علي البيدر، إلى أن وجود مثل هذا العدد من القوانين المعطلة في مجلس النواب يدل على أزمة حقيقية في الجانب التشريعي بسبب الأوضاع السياسية التي مرت بها البلاد.
ويرى البيدر أن الحاجة الفعلية لتشريع هذه القوانين سيضعف الدور الرقابي لمجلس النواب، بخاصة أن التحدي الأكبر أمام البرلمان يتمثل في تشريع القوانين المهمة كقانون الموازنة وغيره، لافتاً إلى أن الثقافة التشريعية لكثير من النواب ضعيفة، خصوصاً في هذه الدورة التي دخلها كثير من النواب لأول مرة.
وتابع، “إذا استمرت حالة الاستقرار السياسي، ربما يتمكن البرلمان من تشريع جزء منها، لكن تشريعها بالكامل شبه مستحيل، خصوصاً مع حصول أي أزمة سياسية تعطل أداء المجلس” .
وبحسب البيدر، فإن “المنظومة السياسية لا تكترث سوى بالقوانين التي تخدمها ولا تسعى لتمرير القوانين التي تهم الشعب، مثل قوانين توزيع جزء من عائدات النفط على المواطنين أو قانون يتعلق بزيادة رواتب الموظفين، والأهم في الموضوع هو إقرار قوانين ذات أبعاد إصلاحية مثل (قانون من أين لك هذا؟)”.
وأوضح أن “حالة التوافق السياسي التي تشهدها البلاد والانسجام بين المؤسستين التنفيذية والتشريعية قد تعجل بإقرار القوانين بعيداً من عمليات فرض الإرادات والرفض المتبادل التي مرت بها المنظومة السياسية سابقاً”.
صعوبة تمريرها
بدوره اعتبر الباحث الاقتصادي صالح لفتة، أنه من الصعب تمرير هذا الكم الهائل من القوانين في البرلمان العراقي، بل رأى أن “التصويت على نصفها سيكون إنجازاً كبيراً، فكما هو معلوم، كل قانون يحتاج قراءة أولى وثانية وتصويتاً ومناقشات واعتراضات وتوافقاً، ما يستغرق وقتاً، وقبل هذا تحتاج تلك القوانين أن ترسل من الحكومة ثم تطرحها رئاسة البرلمان في جدول أعمالها”.
وأوضح لفتة أنه “لو حسب ما تبقى من وقت مطروحة منه العطل الشرعية والسنة الأخيرة من عمر المجلس التي ينشغل فيها بعض النواب بكيفية إعادة انتخابهم، بينما يحاول آخرون عرقلة بعض القوانين حتى لا تكون إنجازاً في رصيد الحكومة، فإننا في الواقع نحتاج إلى أكثر من دورة انتخابية لإنهاء تلك القوانين”.
وأضاف “الأفضل للبرلمان العراقي أن يعطي الأولوية للقوانين المهمة التي تمس حياة الناس وتأجيل طرح ما يمكن تأجيله، وإن كان الشعب العراقي يأمل أن تنجز جميع القوانين وأن يؤدي البرلمان ما هو مطلوب منه”.
المقايضة السياسية
في المقابل يرى أستاذ الاقتصاد الدولي، نوار السعدي، أن “البرلمان العراقي لم يتخلص من النفوذ السياسي الذي يتحكم بتمرير القوانين حتى الآن، ويسيطر على عمله طوال الدورات البرلمانية السابقة”، مبيناً أن “عملية تمرير القوانين في البرلمان تتم عبر المقايضة السياسية، أي إن الكتلة التي تريد تمرير قانون معين تتوافق مع كتل أخرى للتصويت عليه مقابل التصويت على قوانين تريدها تلك الكتل، لذلك فإن هذا الأسلوب في التعاطي مع القوانين يعطل تشريع القوانين التي يحتاج إليها الشعب، ويسهل تمرير القوانين التي تخدم الأحزاب السياسية حصراً”.
وشدد على أن “المشكلة الأكبر تتمثل في صعوبة التخلص من هذا النهج الذي أصبح عرفاً، إضافة إلى أن تلك الدورة منحت رئيس الوزراء محمد شياع السوداني صلاحية سحب مشاريع القوانين من البرلمان، الذي وجه بدوره بسحب تسعة قوانين من بينها معالجة التجاوزات السكنية، ومجلس الإعمار، وتعديل قانون الشركات، لذلك فإن تحكم الحكومة بتلك القوانين وسحبها أو إفراغها من محتواها، سيكون له أثر سلبي في العمل التشريعي”.
لكن الجانب الإيجابي، وفقاً للسعدي، يتمثل في حسم عديد من القوانين التي تخدم المواطن العراقي وأهمها قانون الضمان الاجتماعي، وهي لا تحتاج إلى توافق سياسي عكس قانون النفط والغاز”.
وأوضح السعدي أن “قانون الضمان الاجتماعي يعد خطوة مهمة نحو توسيع نطاق التأمين للعاملين في القطاع الخاص، في إطار جهود إنشاء نظام شامل للحماية الاجتماعية في العراق، الذي بسبب غيابه يتجه معظم الشباب للبحث عن فرصة عمل في المؤسسات الحكومية سعياً وراء رواتب ومخصصات وضمان رواتب تقاعدية، الأمر الذي انعكس على زيادة العاطلين وضعف القطاع”.
اندبندت عربي