منذ بدء الغزو الروسي المباشر للأراضي الأوكرانية في 24 فبراير/ شباط 2022، تعرّض الجيش الروسي لسلسلة من الإخفاقات، وسط عجزه عن تحقيق تقدم نحو العاصمة كييف، وحتى الإبقاء على السيطرة الكاملة على مقاطعات دونيتسك ولوغانسك وزابوريجيا وخيرسون التي ضمتها موسكو إلى سيادتها بشكل أحادي الجانب في نهاية سبتمبر/ أيلول 2022.
ومع ذلك، حافظ الجيش الروسي على المرتبة الثانية بين جيوش العالم، فيما صعد الجيش الأوكراني من المرتبة الـ22 إلى الـ15 بفضل الكميات غير المسبوقة من الأسلحة المتطورةالحديثة التي حصل عليها من الدول الغربية، وفق مؤشر “غلوبال فاير باور” لأقوى جيوش العالم.
وتوقع الإعلامي الأوكراني، فيتالي بورتنيكوف، مزيداً من الخسائر للقوات الروسية في أوكرانيا، قائلاً في تعليق لـ”العربي الجديد”، اليوم السبت: “من وجهة نظري، ترجع خسائر الجيش الروسي إلى عاملين رئيسيين: أولهما انعدام احترافية القيادة العسكرية الروسية التي لا تزال مؤسسة فاسدة في جوهر الأمر، وثانيهما سوء تقدير قدرات القوات المسلحة الأوكرانية والأسلحة الغربية الحديثة. لا تزال القيادة العسكرية الروسية تعيش في واقع الماضي، وستتكبد مزيداً من الخسائر واحدة تلو الأخرى”.
وفي ما يأتي سبعة أبرز إخفاقات وخسائر تكبدها الجيش الروسي منذ إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بدء الحرب التي كسرت الصورة النمطية للجيش الروسي كقوة عسكرية لا تقهر:
-
الانسحاب من محيط كييف
عند إعلانه بدء العملية العسكرية في أوكرانيا ليلة 24 فبراير/ شباط الماضي، وضع الرئيس الروسي، أهدافاً “طموحة” لم تقتصر على بسط السيطرة على مناطق شرق أوكرانيا الموالية لروسيا، بل وصلت إلى حد “نزع النازية وتحييد سلاح أوكرانيا”، ما اقتضى شنّ هجمات على مختلف أنحاء أوكرانيا، بما في ذلك التقدم نحو العاصمة كييف.
إلا أنه بعد مرور شهر ونيف على بدء الحرب، تبين أنّ السيطرة على مناطق وسط أوكرانيا ليست بمهمة سهلة، في ظل إبداء الجيش الأوكراني مقاومة لروسيا وولاءً للقيادة السياسية لم تضعه موسكو في الحسبان، على ما يبدو، ما دفع القوات الروسية إلى بدء الانسحاب من مقاطعتي كييف وتشيرنيهيف. وأعلنت وزارة الدفاع الروسية في 30 مارس/ آذار، استكمال المهام الرئيسية في المقاطعتين. بدوره، أرجع الناطق الرسمي باسم الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف، الانسحاب إلى “بادرة إرادة حسنة” لتحسين أجواء المفاوضات مع الوفد الأوكراني في إسطنبول.
وبعد الانسحاب الروسي من محيط كييف، انصدم العالم أجمع بمشاهد مروعة لإلقاء جثث لأشخاص مدنيين في شوارع مدينة بوتشا، قرب العاصمة كييف، وسط دعوات أوكرانية ودولية إلى إجراء تحقيق مستقل ومعاقبة المسؤولين عن المجزرة، قابلها إصرار روسي على نفي التهم الموجهة إلى العسكريين الروس.
-
إغراق طراد “موسكفا”
في 14 إبريل/ نيسان الماضي، أعلنت وزارة الدفاع الروسية حصول حادثة اندلاع حريق بالطراد الصاروخي “موسكفا” التابع لأسطول البحر الأسود، ما أدى إلى انفجار ذخيرة وغرق السفينة التي كانت تعد رمزاً من رموز هيبة الأسطول البحري الحربي الروسي.
إلا أنّ وسائل الإعلام الأوكرانية والغربية، وحتى بعض الخبراء العسكريين الروس، سرعان ما شككوا في الرواية الرسمية لوزارة الدفاع الروسية، وسط انتشار أنباء مفادها أنّ أوكرانيا تمكّنت من إغراق “موسكفا” من طريق شنّ ضربة صاروخية بعد الحصول على بيانات استخباراتية أميركية.
-
انفجارات في القرم
في 9 أغسطس/ آب الماضي، شهدت الصفحات الروسية على مواقع التواصل الاجتماعي انتشاراً لصور ومقاطع فيديو التقطها سياح على الشواطئ في القرم تظهر صعوداً لأعمدة دخان وألسنة لهب جراء انفجار ذخيرة بمطار ساكي العسكري.
ورغم أنّ وزارة الدفاع الروسية أرجعت الحادثة إلى مخالفة قواعد الأمان، نافية تعرّض المطار للقصف، إلا أن شهودَ عيان من سكان محليين أفادوا لوسائل إعلام روسية بسماعهم دوي صفارات الإنذار في الساعات الأولى بعد الانفجارات.
-
الانسحاب من خاركيف
في 6 سبتمبر/ أيلول الماضي، بدأت قوات الجيش الأوكراني تقدماً مضاداً في مقاطعة خاركيف في الجزء الشمالي الشرقي من أوكرانيا باتجاه مدن بالاكليا وكوبيانسك وإيزيوم القريبة، ساهم في نجاحه التفوق الأوكراني على القوات الروسية من حيث عدد الأفراد قبل إعلان التعبئة الجزئية في روسيا في وقت لاحق من الشهر ذاته.
وفي نهاية المطاف، انسحبت القوات الروسية من مقاطعة خاركيف، وهو ما أرجعته وزارة الدفاع الروسية إلى دوافع إعادة التموضع لتركيز القوات على مسار دونيتسك في الجنوب الشرقي.
تفجير جسر القرم
في 8 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بعيد عيد الميلاد الـ70 لبوتين، استيقظ الروس على أنباء تعرض جسر القرم الرابط بين الشطر القاري من روسيا وشبه الجزيرة التي ضمتها روسيا في عام 2014، لتفجير بواسطة شاحنة ملغومة.
وأدى الانفجار إلى اشتعال صهاريج وقود بقطار شحن كان يسير في ذلك الوقت على قسم السكة الحديدية من الجسر، وانهيار جزء من قسم الجسر الخاص بالسيارات، ما اضطر روسيا إلى إخضاع الجسر لأعمال صيانة هامة قبل إعادة تشغيله.
-
الانسحاب من خيرسون
على الرغم من سيطرة روسيا على مدينة خيرسون المطلة على البحر الأسود من دون أعمال قتال خلال الأيام الأولى من الحرب، ومن دون إلحاق دمار بها، إلا أنّ روسيا أجرت عملية إجلاء السكان والموظفين الموالين لها من الضفة الغربية لنهر دنيبر في مقاطعة خيرسون، تمهيداً للانسحاب من المدينة في 9 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، ما أثار حالة من الاستياء وخيبة الأمل لدى أنصار الحرب على أوكرانيا قبل معارضيها.
وكتب أحد المعلقين السياسيين المؤيدين للكرملين على حسابه على شبكة “فكونتاكتي” الروسية للتواصل الاجتماعي حينها: “اليوم يوم مأساوي. لأول مرة منذ خسارة غروزني (الشيشانية) في عام 1996، تخسر روسيا مركزاً إقليمياً”، واصفاً ما جرى بأنه “فشل عسكري كبير”.
إلا أنّ الكرملين رفض وصف قرار الانسحاب من خيرسون بأنه مهين، مؤكداً على لسان بيسكوف أنّ صفة خيرسون كـ”كيان إداري روسي غير قابلة للتغيير”.
هجوم ماكيفكا
في الدقائق الأولى من ليلة رأس سنة 2023، تعرضت بناية لمعهد فني كانت تحتضن ثكنة عسكرية في مدينة ماكيفكا الواقعة في مقاطعة دونيتسك، جنوب شرقيّ أوكرانيا، لضربة أوكرانية نفذت بواسطة صواريخ “هيمارس” الأميركية عالية الدقة، أدت إلى مقتل 89 فرداً، وفق أرقام وزارة الدفاع الروسية، بينما ذكرت قنوات روسية على “تلغرام” أنّ عدد الضحايا يفوق الـ100.
وبحسب الرواية الرسمية الروسية، فإنّ القوات الأوكرانية تمكّنت من تحديد موقع وجود العسكريين الروس نتيجة لاستخدامهم هواتفهم النقالة بشكل مكثف. وفي سابقة هي الأولى منذ بدء الحرب، وعدت وزارة الدفاع بإجراء تحقيق ومعاقبة مسبّبي الواقعة التي أثارت استياءً وغضباً كبيرين في الداخل الروسي.
إلا أنّ المعلقين الروس على شبكات التواصل الاجتماعي شككوا في شفافية التحقيق ونزاهته، معربين بسخرية عن تخوفهم من إلقاء اللوم على الجنود أنفسهم، أو حتى على الهواتف النقالة في نهاية المطاف.
العربي الجديد