تونس – لم يهدأ الجدل في تونس منذ صدور قانون المالية لعام 2023، حيث دفع تضمنه للإجراءات الضريبية الجديدة اتحاد الصناعة والتجارة والصناعات التقليدية “أرباب العمل” الاثنين إلى التعبير عن مخاوفه من تداعياته على أنشطة واستمرارية المؤسسات الخاصة، داعيا في ذات الوقت إلى برنامج عاجل للإنقاذ الاقتصادي.
ويواجه قانون الموازنة الجديدة الذي دخلت أحكامه حيز النفاذ الاثنين الماضي انتقادات واسعة، بسبب ما تضمنه من إجراءات جبائية، من بينها رفع الضرائب على شاغلي عدد من الوظائف، مثل المحامين والمهندسين والمحاسبين، من 13 في المئة إلى 19 في المئة، إلى جانب الزيادة في غرامات التأخير على التصاريح الضريبية ورسوم تسجيل أحكام قضائية، فضلا عن فرض ضريبة على ثروة العقار بقيمة 0.5 في المئة.
وقال اتحاد أرباب العمل في بيان نشره عبر صفحته على فيسبوك إن قانون المالية سيزيد في إنهاك المؤسسات الخاصة، ما يمثل تهديدا جديا لاستمرار عملها، فضلا عن تكريس انعدام الرؤية وفقدان الثقة في المستقبل الذي يتواصل منذ أكثر من عشر سنوات.
وأوضح أن الأمل كان أن يكون قانون المالية لسنة 2023 بمثابة مخطط أعمال للإنعاش الاقتصادي وأداة لإعادة بناء الثقة، من خلال إعلان حوافز استثمارية ثورية لخلق ثروة مستقبلية وتحقيق النمو وبعث مواطن الشغل ودعم الاستثمار والتصدير، وهي الضمانات الوحيدة من أجل إرساء سلم اجتماعية دائمة.
كما كشف في بيانه عن خيبة الأمل، معتبرا أنه جاء في شكل “قانون للضرائب والمحاسبة العمومية”، وبه العديد من الأحكام المجحفة في حق المؤسسة التي تضمنها هذا القانون، معبرا عن تفهمه لمصاعب المالية العمومية ولإكراهات ميزانية الدولة والضغوطات المسلطة عليها.
ويبدو أن موقف اتحاد أرباب العمل الذي جاء متأخرا، أي بعد أسبوع على صدور قانون المالية، لا يختلف عن موقف المعارضة، وفي مقدمتها الاتحاد العام التونسي للشغل الذي انتقد ما وصفه بغياب الرؤية الاقتصادية وسبب التعويل على جمع الضرائب والتداين الداخلي والخارجي لتعبئة موارد الدولة، وغياب الاستثمارات.
ويعاني اقتصاد تونس منذ سنوات، مع بدء الانتقال السياسي في البلاد في عام 2011، وألقى وباء كورونا بتداعياته على الأزمة الاقتصادية والمالية، بجانب الحرب الروسية في أوكرانيا التي أدت إلى ارتفاع الأسعار وفقدان الكثير من المواد الأساسية في الأسواق.
ودعا اتحاد الصناعة والتجارة في تونس إلى تسوية جميع ديون الدولة لدى العديد من القطاعات ولدى المشغلين الاقتصاديين، دون المزيد من التأخير، معبرا عن استغرابه من الزيادة في العقوبات والغرامات على التأخير التي تم تحديدها، كما دعا الدولة إلى وقف الاقتراض من البنوك التجارية، إذ إنها تزاحم بذلك المؤسسة الاقتصادية.
كما عبّر عن رفضه نقض المبدأ المكرّس للضريبة الموحدة (الشاملة) على الدخل وإقرار ضريبة أخرى على الثروة العقارية والتي دفعت ضريبتها بالفعل، والحال أنها تمثل ضمانات فعلية تقدم للبنوك لتمويل الاستثمار، علما وأن قسما كبيرا من التونسيين بالخارج يستثمرون في العقارات وبالعملة الصعبة، وهو إجراء تمت تجربته في بعض البلدان، وأدى إلى هروب رؤوس الأموال ونقل الاستثمارات إلى بلدان منافسة، فضلا عن أنه سيؤثر على قطاع حيوي هو البناء بكل مكوناته.
بالإضافة إلى الأعباء الضريبية، يواجه الأفراد والمؤسسات في تونس نسبة فائدة بنكية عالية تعيق تطوير الاستثمار في البلاد، حسب المختصين في الشأن الاقتصادي.
ومؤخرا، قرر البنك المركزي التونسي رفع سعر الفائدة الرئيسية 75 نقطة إلى 8 في المئة، في ثالث زيادة من نوعها خلال سنة 2022.
وقال البنك المركزي التونسي، في بيان صادر عن مجلس إدارته، إن “الهدف من زيادة سعر الفائدة هو مكافحة الضغوط التضخمية وإعادتها إلى مستويات مستدامة على المدى المتوسط، والحفاظ على مخزون الأصول من العملات الأجنبية وتهيئة الظروف لتحقيق انتعاش اقتصادي صحي ومستدام وحماية القدرة الشرائية للمواطنين”.
وكان الاتحاد العام التونسي للشغل قد انتقد ميزانية 2023 على لسان الأمين العام المساعد للاتحاد منعم عميرة، حيث قال إنها “تبقى مبنية على فرضيات وهمية ويعتبر تحقيقها غاية لا تدرك، خاصة في ما يتعلق بقرض صندوق النقد الدولي”.
كما لوح الأمين العام للاتحاد نورالدين الطبوبي بتنظيم “احتجاجات حاشدة واحتلال الشوارع، لإظهار الرفض لميزانية التقشف للعام المقبل”.
وهددت هيئات المحامين والمحاسبين في بيان، بما وصفته بـ”العصيان الضريبي”، رفضا للإجراءات الجبائية، التي جاءت بها مضامين ميزانية العام المقبل، “لما تمثله من إجحاف في حق المواطنين والمؤسسات وإثقال كاهلهم بالضرائب والأداءات”.
وفي مقابل الانتقادات الموجهة لإجراءاتها الجديدة في ميزانية 2023، اعتبرت الحكومة التونسية أن القانون الجديد أعد بشكل “تشاركي” بعد اجتماعات مع منظمات وطنية وهيئات مهنية، مؤكدة أنه جاء بمجموعة من الإصلاحات، من أجل “استدامة المالية العمومية”.
وتراهن الحكومة التونسية من خلال قانون المالية الجديد، على خفض عجز الموازنة بنسبة 5.5 في المئة العام المقبل، من حوالي 7.7 في المئة متوقعة للعام الحالي، وتتوقع تحقيق نسبة نمو اقتصادي في حدود 1.8 في المئة.
وتسعى الحكومة التونسية إلى خفض حجم الإنفاق على الدعم العام المقبل بنحو 26.4 في المئة ليبلغ 2.8 مليار دولار، بالإضافة إلى زيادة الإيرادات الضريبية 12.5 في المئة إلى 12.8 مليار دولار، مع زيادة النسبة لبعض الوظائف إلى 19 في المئة من 13 في المئة.
ويربط عدد من الخبراء بين الإجراءات الجديدة التي لا تحظى بتأييد شعبي، ومساعي تونس للتوصل إلى اتفاق نهائي في أوائل العام المقبل مع صندوق النقد الدولي، من أجل الحصول على حزمة إنقاذ تبلغ قيمتها 1.9 مليار دولار.
وتشمل الإصلاحات نظام الدعم والمؤسسات العمومية المتعثرة والتحكم في كتلة الرواتب وغيرها من الإصلاحات الأخرى، وهي إجراءات قوبلت بتحفظ كبير من الاتحاد العام التونسي للشغل، المنظمة النقابية الأكبر في البلاد.
العرب