قيس سعيد يتدخل بعد عمليات سطو لمهاجرين أفارقة في جبنيانة والعامرة

قيس سعيد يتدخل بعد عمليات سطو لمهاجرين أفارقة في جبنيانة والعامرة

تونس – أكد الرئيس التونسي على ضرورة تشديد الأمن في مدينتي جبنيانة والعامرة التابعتين لولاية صفاقس شرق البلاد، وحذر من محاولات بعض الجهات وصفها بـ”لوبيات” تعمل على تأجيج الأوضاع في البلاد قبيل الانتخابات الرئاسية المقررة في السادس من أكتوبر المقبل.

وتشهد مدينتي جبنيانة والعامرة منذ الأسبوع الماضي حالة من الاستنفار والغضب الشعبي على خلفية إقدام عدد من الأفارقة جنوبي الصحراء على سرقة بعض المنازل باستعمال الأسلحة البيضاء والاعتداء على المتساكنين وممتلكاتهم.

وشدد سعيد خلال لقائه الأربعاء بوزير الداخلية خالد النوري، وكاتب الدولة لدى وزير الداخلية المكلف بالأمن الوطني سفيان بالصادق على تعزيز الأمن في مدينتي جبنيانة والعامرة، على وجه الخصوص، موضّحا أن “تونس تُعامل المهاجرين غير النظاميين معاملة تقوم، في المقام الأول، على القيم الإنسانية، ولكن لا يُمكن أن تسمح لأي كان بترويع المواطنين تحت أي ذريعة كانت”.

وكان الاتحاد المحلي للشغل بجبنيانة والعامرة أصدر بيانا نشره الأربعاء على صفحته الرسمية على فيسبوك سجل خلاله استياء النقابيين والأهالي والناشطين بالمجتمع المدني في المنطقة من ”الوضع الكارثي الذي تعيشه الجهة على مختلف الاصعدة وخاصة على المستوى الامني جراء انتشار العنف والاعتداءات بالأسلحة البيضاء والسرقة والسطو الليلي وانتهاك حرمات البيوت”.

كما تحدث الاتحاد عن ما اعتبره ”تقصيرا أمنيا في التعامل مع الملف” وعن ”غياب رؤية واضحة وشاملة وانعدام تقديم حلول جذرية” رغم تواصل ارتفاع عدد المهاجرين غير النظاميين وتأثير ذلك في مسالك التزود بالمواد الغذائية الاساسية والرعاية الصحية والتشغيل والبيئة.

وأعلن الاتحاد المحلي للشغل التنسيق مع الهياكل الجهوية قصد تحديد موعد لإضراب عام بالجهة في أقرب الآجال والسعي الى توفير كل الظروف لإنجاحه. كما طالب البيان كافة أهالي المنطقة بالالتفاف حول الهياكل النقابية وناشطي المنظمات والمجتمع المدني من اجل الانخراط الميداني الواعي والفعلي في الحملات التحسيسية قصد انجاح التحركات القادمة.

ويحتج أهالي المدينتين رفضا لتوافد آلاف المهاجرين ويطالبون بترحيلهم وسط شكاوى كثيرة بتعرض عدد كبير منهم لـ”الاعتداءات والسرقة” من قبل هؤلاء المهاجرين.

واتخذ المهاجرون غير الشرعيين الحقول الزراعية الواقعة في العامرة وجبنيانة مستقرا لهم نظرا لموقعها الاستراتيجي المطل على البحر.

وأصبحت محافظة صفاقس نقطة رئيسية لتجمّع المهاجرين ومركزا للهجرة نحو أوروبا، وتشهد وجودا لافتا لعابري الحدود القادمين من دول الساحل والصحراء نحو القارة العجوز، وما يثير قلق السكان في المحافظة هو انتشار أعمال العنف وتزايد معدّلات الجريمة.

ومن جهة أخرى، دعا الرئيس التونسي خلال لقائه بوزير الداخلية وكاتب الدولة لدى وزير الداخلية المكلف بالأمن الوطني إلى “ضرورة مضاعفة الجهود لفرض احترام القانون”.

وأوضح أن هذا ضرورة “خاصة في هذه الفترة التي تشهد محاولات مفضوحة لتأجيج الأوضاع الاجتماعية بشتى الطرق، مؤكدا أن “لوبيات تشارك من وراء الستار في العملية الانتخابية خلال هذه الأيام الأخيرة”.

وتعتبر وزارة الداخلية ركيزة الحكم في تونس وقد أقال سعيد في مايو الماضي الوزير السابق كمال الفقي الذي يعتبر من أبرز المقربين إليه.

وتقول أوساط سياسية إنه مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية، من الطبيعي جدا أن يتصاعد منسوب المخاطر الأمنية والسياسية والاجتماعية، التي قد تؤثر على الوضع العام في البلاد.

فمنذ الإجراءات الاستثنائية التي اتخذها في الخامس والعشرين من يوليو 2021، يكرّر الرئيس التونسي دعواته إلى ضرورة الاهتمام بالجانب الأمني ومزيد اليقظة ضدّ المخاطر المهدّدة للأمن والاستقرار في البلاد، ويعتبر أن شبكات المخدرات لا تقل خطرا عمّن يستهدفون أمن الدولة.

ويكرر قيس سعيد أن هناك لوبيات تعمل على التنكيل بالتونسيين عبر افتعال الأزمات في علاقة بالمواد الغذائية مثل الحليب بهدف تأجيج الأوضاع الاجتماعية.

كما يؤكد دائما أن الدولة ستتصدى بقوة القانون لكل من يسعى إلى تجويع التونسيين عبر افتعال الأزمات التي طالت العديد من المواد كالأدوية والحليب والقهوة والسكر والأرز.

وبعد اتخاذ الإجراءات الاستثنائية في 25 يوليو 2021 قام الرئيس التونسي بإقالة العديد من القيادات الأمنية الموالية لحركة النهضة قبل أن يتم إيقافهم وهو ما سمح بالكشف عن العديد من الملفات التي تشمل قضايا الإرهاب والتسفير والاغتيالات السياسية التي شهدتها البلاد إضافة إلى ملفات فساد لرجال أعمال على علاقة بالسلطة قبل الثورة وبعدها.

ومثل ملف الغرفة السوداء في الوزارة من بين أبرز الملفات التي أثارت جدلا واسعا خلال السنوات الماضية فبعد فترة من النفي كشفت تقارير رسمية وجودها، في ما أكد الرئيس التونسي على سعيه لمواجه المؤامرات في الغرف المظلمة وإيقاف كل من يسعى للتعاون مع الجهات الخارجية.

ويؤكد مراقبون أن هنالك تحالفا بين لوبيات فساد وبعض الأحزاب والقيادات السياسية لإرباك الوضع العام بذريعة المصاعب الاقتصادية والاجتماعية التي تمر بها البلاد.

ومنذ 11 فبراير 2023، بدأت في تونس حملة توقيفات شملت سياسيين وإعلاميين وناشطين وقضاة ورجال أعمال بتهم عديدة منها التآمر على أمن الدولة وتمجيد الإرهاب والفساد.

وينفي الرئيس التونسي أن تكون “اعتقالات سياسية”، ويتهم بعض الموقوفين بـ”التآمر على أمن الدولة والوقوف وراء أزمات توزيع السلع وارتفاع الأسعار”، لكن المعارضة تتهمه في المقابل باستخدام القضاء لملاحقة الرافضين للإجراءات الاستثنائية.

وقطع الرئيس سعيد الأسبوع الماضي الطريق على الانتقادات التي كانت توجه إليه بشأن ضبابية موعد الانتخابات الرئاسية، وحدد لها موعدا يوم السادس من أكتوبر 2024.

ولم تتضح بعد مواقف المعارضة بشكل واضح من قرار المشاركة في الانتخابات، في ظل التردد بين استغلال الفرصة لإنهاء حكم سعيّد ديمقراطيا أو المقاطعة.

وأعلنت حركة النهضة الإسلامية أنه “ليس لها أي التزام مع أي مرشح محدد للانتخابات الرئاسية، وخاصة أنه لم تعرف بعد القائمة النهائية للمترشحين”.

وأكدت في بيان، الخميس، أنها “لن تقدم مرشحا عنها للتنافس على رئاسة الجمهورية لأسباب تم شرحها، بالرغم من أن ذلك من حقها”.

وقالت حركة النهضة إن “الموقف من الانتخابات الرئاسية التي تقرر تنظيم دورتها الأولى في السادس من أكتوبر 2024 لم يتغير، وأن القرار النهائي بخصوص المشاركة فيها أو مقاطعتها لم يتخذ بعد، وسوف نتخذه في أوانه بالتشاور والتنسيق التام مع قيادة جبهة الخلاص الوطني وكل مكوناتها، مع التأكيد أن هذه الانتخابات استحقاق وطني ودستوري يعنينا، ونطالب بضمان توفير الشروط والمعايير الديمقراطية لإجرائها”.

كما أكدت أنه “لا يمكن أن تكون هذه الانتخابات ديمقراطية ونزيهة وشفافة وتنافسية حقا إلا بتنقية المناخ السياسي وضمان تكافؤ الفرص وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين ورفع القيود على نشاط الأحزاب وضمان حرية التعبير والترشح والاختيار”.

ولم يعلن الرئيس سعيد الذي انتخب في 13 أكتوبر 2019 لعهدة من 5 سنوات، وفاز بأغلبية واسعة من الأصوات فاقت 70 في المئة ضد منافسه نبيل القروي في الدور الثاني، عن ترشحه لولاية ثانية ولكن من المرجح على نطاق واسع ان يحسم ترشحه في وقت لاحق، حيث توحي تصريحاته بذلك، وخاصة ما أعلنه في مدينة المنستير حول ضرورة استكمال مسار 25 يوليو الذي بدأه في 2021 وأنه لن يسلم البلاد إلا للصادقين.

وإلى حد الآن عبّرت بعض الشخصيات عن رغبتها في الترشح. لكن البعض من هؤلاء ملاحقون في قضايا مختلفة ويتم استدعاؤهم للبحث والتقصي، والبعض الآخر موقوف على ذمة قضايا فساد أو تآمر، وهو ما قد ينعكس سلبا على التنافس الذي كان معهودا في المناسبات الماضية.

وفي أبريل الماضي، أعلنت جبهة الخلاص التي يرأسها أحمد نجيب الشابي وتضم بداخلها حركة النهضة ومجموعات حزبية صغيرة، عدم مشاركتها بالانتخابات، بداعي “غياب شروط التنافس”.

وقاطعت قوى المعارضة، ولاسيما جبهة الخلاص، انتخابات المجالس المحلية، بعدما قاطعت كافة المحطات الانتخابية التي جاءت بها خارطة الطريق التي أقرّها الرئيس سعيد منذ 25 يوليو 2021، كما ترفض الاعتراف بالدستور الجديد للبلاد الذي تم اعتماده إثر استفتاء صيف 2022، بينما انخرطت فيها أحزاب أخرى، ومنها حركة “الشعب” وحركة “تونس إلى الأمام” و”التيار الشعبي”.

العرب