تعيش مدينة السليمانية على وقع تراشق واتهامات بالفساد بين قياديين وفاعلين سياسيين داخل الإقليم الذي تسيطر عليه عائلات نافذة مرتبطة بالحزبين الكبيرين، الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يمثله آل بارزاني، والاتحاد الوطني الكردستاني الذي يقوده ورثة جلال طالباني.وأثارت تصريحات ملا بختيار، عضو المجلس الأعلى في حزب الاتحاد الوطني، بشأن ازدياد أعداد المليونيرات والأثرياء في إقليم كردستان جدلا واسعا في الأوساط السياسية والشعبية، واعتُبرت جزءا من تصفية الحساب بين الشخصيات النافذة في الإقليم.واتهم علي حمه صالح، النائب المستقل في البرلمان الكردستاني، الاتحاد الوطني بأنه جزء من الفساد وهدْر الأموال، وقيل إن ذلك رد على اتهامات ملا بختيار التي جاءت عامة وساوت في اتهامات الفساد بين من ينتمي إلى الحزبين الكبيرين وبين من هو خارجهما من النواب والشخصيات السياسية.وتساءل علي حمه صالح، المنشق عن حركة التغيير، “مَنِ المسؤول عن وضع السليمانية؟”.ملا بختيار: عدد المليونيرات داخل الأحزاب الرئيسية تجاوز ثلاث مئة مليونيروقال صالح إن “أعداء السليمانية هم الذين يمارسون عمليات التهريب على حساب أهل السليمانية، وهم الذين يحتلون مع أبنائهم أهم العقارات والأراضي في أفخم المناطق فيها، فضلا عن إحراق القرى والغابات وحدائق المواطنين”، متهما حزب ملا بختيار بسرقة 35 مليون دولار شهريا من الأموال المخصصة للمشاريع في السليمانية والتي كانت تأتي من بغداد وقت كان ملا بختيار مسؤولا في الحزب.
وأضاف صالح أن أعداء السليمانية كانوا خلال الثلاثين سنة الماضية يمرحون ويسرحون مترفين على حساب أهل المدينة، ويبنون قصورا فخمة، وتُصرف أموال باهظة تقدر بالملايين من الدولارات على مراكزهم وأجهزتهم وحراسهم الشخصيين، وذلك على حساب فقراء المدينة. ولمّح إلى وجود ممتلكات في الأردن لحساب مقربين من ملا بختيار.وردا على هذه الاتهامات هدد المكتب الإعلامي لملا بختيار برفع دعوى قضائية ضد النائب علي حمه صالح في حال لم يُقدم اعتذاره.ونفى المكتب في توضيح للرأي العام امتلاك ملا بختيار مشاريع وشققا وفنادق، قائلا “إذا أثبت أي شخص أن الملا بختيار بنفسه أو من خلال زوجته، يمتلك مشاريع تجارية كبيرة كانت أو صغيرة أو متوسطة، أو بأي شكل آخر، فإنه بالتأكيد سيتخلى عن السياسة إلى الأبد”.
وكان ملا بختيار حذر من تدهور الأوضاع المعيشية وتفشي الفساد المالي والإداري في إقليم كردستان، مؤكدا أن عدد المليونيرات داخل الأحزاب الرئيسية -بما فيها حركة التغيير- تجاوز ثلاث مئة مليونير.وقال ملا بختيار، على هامش مشاركته في منتدى اقتصادي انعقد في السليمانية، إن إقليم كردستان يمر بمرحلة عصيبة في ظل بروز طبقة سماها طبقة القراصنة، معتبرا أنها تعد عقبة أساسية أمام الانتعاش الاقتصادي في الإقليم.علي حمه صالح: أعداء السليمانية يعيشون في ترف على حساب أهلهاوأضاف أن لديه معلومات حول شخصيات كانت جيوبها -عندما دخلت إقليم كردستان- خالية وليست لديها أموال حتى لشراء علبة مياه معدنية، والآن صارت لديها عقارات وقصور وأسواق في الخارج. كما أن هناك أشخاصا كانوا يلبسون أحذية بلاستيكية عندما جاءوا إلى الإقليم والآن أصبحت لديهم ثروات وشركات في ألمانيا.
ودخل محافظ السليمانية هفال أبوبكر على خط هذا الجدل محذرا من تصاعد حدة الصراعات السياسية والأمنية في المدينة، وقال إن “المرحلة الحالية تكاد تنتقل من مرحلة الحرب الباردة إلى مرحلة أكثر خطورة، وإذا لم يتم احتواء الموقف فقد تتجه الأمور إلى صدامات وعمليات قتل وحملات أمنية”، داعيا الأحزاب إلى إبعاد لغة التهديدات عن السليمانية.وذكر أبوبكر، وهو أحد الوافدين إلى السليمانية من محافظة حلبجة، خلال كلمة له على هامش مشاركته في أحد الأنشطة الخاصة في المحافظة، أن “تصريحات بعض الساسة وبعض النواب كانت وراء خسارة المدينة لمبلغ 300 مليون دولار”.
وتشير تقارير مختلفة إلى أن إقليم كردستان العراق بات ساحة للفساد بكل أشكاله، وأنه في الوقت الذي يدفع فيه الفقر وغياب الوظائف والخدمات الشباب الأكراد إلى الهجرة باتجاه أوروبا، تعيش فئة محدودة من أبناء السياسيين والعائلات المتحالفة معهم في بذخ ورفاهية، وهو ما يزيد من حدة الاحتقان الاجتماعي.ويقول الكاتب السياسي الكردي جوان ديبو في وصف هذه الفوارق “وكأن أبناء وأحفاد المؤسسين والمناضلين القدامى الذين أشعلوا جذوة النضال والثورات في كردستان يقومون الآن عمليّا بصرف فواتير نضال آبائهم وأجدادهم ويتقاضون لقاء تلك الأتعاب والجهود المليارات من الدولارات والقصور في الداخل والخارج، بينما لا يجد أغلب الشعب ما يحقق به النزر اليسير من أحلامه ما قبل البدائية”.وجرت في السنوات الماضية احتجاجات كشفت عن حجم القطيعة بين الشارع الكردي وقيادة الإقليم بجزأيه في السليمانية وأربيل، حيث ردد المحتجون شعارات من بينها “يسقط اللصوص” و”لتسقط الحكومة الفاسدة”.
صحيفة العرب