هل سيكون 2023 عام التحول في تركيا؟

هل سيكون 2023 عام التحول في تركيا؟

تتجه تركيا نحو انتخابات رئاسية وبرلمانية حاسمة في عام حاسم من تاريخها. وفي الواقع، يصادف تشرين الأول (أكتوبر) 2023 الاحتفال بالذكرى المئوية لتأسيس الجمهورية.

وقبل ذلك التاريخ، في حزيران (يونيو)، ستذهب تركيا إلى صناديق الاقتراع التي إما ستعزز سلطة الرئيس رجب طيب أردوغان طويلة الأمد، أو تشكل تحولًا مزلزلًا بعد عقدين من حكم حزب العدالة والتنمية.

الآن، ثمانية أشهر قبل التصويت، ما تزال نتيجة الانتخابات بعيدة عن أن تُحسم.

ومن المؤكد أن الرئيس أردوغان سيلعب كل أوراقه لغرض البقاء في السلطة، على الرغم من عدد التحديات التي يواجهها.

وهذه المرة، تبدو أحزاب المعارضة أكثر اتحادًا مما كانت عليه في السباقات الانتخابية السابقة.

تشكل هزيمة أردوغان بلا شك المادة الرئيسية لكتلة المعارضة غير المتجانسة. وقد عمد التحالف الوطني -الذي يضم المعارضة الرئيسية، حزب الشعب الجمهوري من يسار الوسط (CHP)، وحزب يمين الوسط والحزب الصالح، وحزب السعادة والحزب الديمقراطي- إلى ضم الجهود في شباط (فبراير) الماضي مع حزب المستقبل وحزب الديمقراطية والتقدم، وكلاهما أسسهما عضوان بارزان سابقان في حزب العدالة والتنمية، لإنشاء ما تسمى “طاولة لستة”.

تشكل استعادة النظام البرلماني -الذي كان ساريًا قبل الإصلاح الدستوري للعام 2017 الذي حوّل تركيا إلى جمهورية رئاسية- النقطة الرئيسية على جدول أعمال “الستة” في حالة الفوز في الانتخابات.

ومع ذلك، ما يزال مجهولاً حتى الآن من سيكون مرشح المعارضة في السباق الرئاسي.

وقد تمت الإشارة إلى كمال كيليجدار أوغلو، زعيم حزب الشعب الجمهوري؛ ومنصور يافاش، رئيس بلدية أنقرة، وأكرم إمام أوغلو، رئيس بلدية إسطنبول، وكلاهما من حزب الشعب الجمهوري أيضاً، كمرشحين محتملين للمعارضة.

ولكن، يبدو أن الرئيس الحالي قرر الانتقام بشكل مسبق من أكرم أمام أوغلو بمكيدة قضائية يحترفها ويستخدمها وسيلة لترهيب خصومه والتخلص منهم.

وفقًا لاستطلاع متروبول في أيلول (سبتمبر) 2022، سيتخلف الرئيس التركي عن جميع مرشحي المعارضة المحتملين في الجولة الثانية. وتظهر استطلاعات الرأي أيضًا أن شعبية أردوغان قد انخفضت خلال العامين ونصف العام الماضية.

بينما بلغ ذروته عند 55.8 % خلال الأشهر الأولى لتفشي وباء “كوفيد 19″، انخفض الدعم السياسي لزعيم حزب العدالة والتنمية إلى 41.2 % الصيف الماضي.

وفي الآونة الأخيرة، تصدعت شعبيته، على الرغم من أنها ما تزال أقل من 50 % في بلد يغلب أن يشتد فيه الاستقطاب السياسي في الأشهر المقبلة.

شكل الوضع الاقتصادي الكئيب لتركيا السبب الرئيسي في خيبة الأمل من أردوغان وحزبه. وعلى مدار العام الماضي، عانت تركيا من أزمة عملة ومعدل تضخم مرتفع، بعد أن طبق البنك المركزي خفضًا كبيرًا في أسعار الفائدة في نهاية العام 2021، في أعقاب سياسة الدولة غير التقليدية للسيطرة على التضخم عن طريق خفض سعر الفائدة.

وأشارت أحدث أرقام معهد الإحصاء التركي إلى أن معدل التضخم بلغ 85.5 % في تشرين الأول (أكتوبر). ومع ذلك، لا يبدو أنها تعكس الوضع الحقيقي في بلد قد يتجاوز فيه ارتفاع أسعار المستهلك 185 %، وفقًا لاقتصاديين مستقلين.

وبالنظر إلى التخفيضات المتكررة الأخيرة في أسعار الفائدة (الأحدث إلى 9 % من 10.5 % في أواخر تشرين الثاني/ نوفمبر)، من غير المرجح حدوث تحول في السياسة النقدية للحكومة قبل الانتخابات، بينما ستستمر السياسات التوسعية.

وفي الواقع، تركز استراتيجية الحكومة بشكل أساسي على النمو الاقتصادي، إلى جانب زيادة الإنفاق العام، من أجل إعادة كسب قلوب وعقول الشعب التركي قبل التصويت.

وكانت الضرورات الاقتصادية أيضًا محركًا رئيسيًا لجهود تركيا لإعادة العلاقات مع خصومها الإقليميين خلال العام الماضي.

وعلى خلفية التحولات الجيوسياسية في الشرق الأوسط، يعتمد نشاط أنقرة الدبلوماسي المتجدد على اعتبارين رئيسيين. أولاً، كانت البلاد بحاجة إلى كسر عزلتها، حيث لم تعد قادرة على تحمل تكلفة سياستها الخارجية الحازمة والمنافسة الجيوسياسية الشرسة في المنطقة.

ثانياً، احتاجت إلى استثمارات أجنبية وضخ نقدي لتخفيف أعباء اقتصادها. وفي هذا الإطار، كان تخفيف التوترات وإصلاح العلاقات مع الجيران، من إسرائيل إلى دول الخليج الغنية، من أولويات السياسة الخارجية لأنقرة.

من الناحية الاقتصادية، أدى التقارب العام الماضي مع الإمارات العربية المتحدة إلى صفقة مقايضة عملات بقيمة 5 مليارات دولار مع البنك المركزي التركي.

وقد يأتي ضخ 5 مليارات دولار أخرى من المملكة العربية السعودية في خطوة لدعم احتياطيات تركيا من العملات الأجنبية والتقدم على طريق التطبيع الدبلوماسي أيضًا، الذي بدأ بزيارة أردوغان إلى المملكة العربية السعودية في نيسان (أبريل) للتغلب على سنوات من التوتر في العلاقات.

وتتوقع أنقرة مكاسب من تعزيز التعاون الاقتصادي مع كل من أبو ظبي والرياض، من حيث زيادة تدفقات الاستثمار الأجنبي والتجارة.

ومع ذلك، فإن هذه الفوائد لن تأتي على الفور. وعلى سبيل المثال، لم تتحقق بعد 10 مليارات دولار للاستثمارات الاستراتيجية التي تعهدت بها الإمارات العام الماضي، في حين أنه من السابق لأوانه رؤية ما سيكون دفعة للتجارة الثنائية الناتجة عن الرفع الأخير للحظر الاقتصادي السعودي غير المعلن على المنتجات التركية.

إلى جانب الاقتصاد، كان النهج المعتدل للسياسة الخارجية مفيدًا أيضًا من أجل محاولة استعادة شيء من مكانة الرئيس، على الصعيدين الدولي والمحلي. ومن خلال جهود الوساطة بين روسيا وأوكرانيا منذ اندلاع الصراع، استعادت تركيا مركز الصدارة والموافقة الدولية.

ولذلك، ليس من المستغرب أن تحاول أنقرة الاستفادة من دور الوساطة وإعادة الضبط الإقليمي لزيادة نفوذها في بعض القضايا الحاسمة المتعلقة بمصالحها الوطنية، من التوترات في شرق البحر المتوسط إلى التهديدات الأمنية المتعلقة بالأنشطة “الإرهابية” لحزب العمال الكردستاني.

الغد