عروبة الخليج أزعجت طهران

عروبة الخليج أزعجت طهران


الخليج العربي… المسمى الذي أزعج طهران نظرًا لكون مصطلح “الخليج العربي” يثير حساسية قديمة في إيران التي تؤكد أن “الخليج الفارسي” هي التسمية التاريخية لهذه المساحة المائية الفاصلة بينها وبين دول شبه الجزيرة العربية.
أعلن وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، يوم الأربعاء الماضي، استدعاء السفير العراقي لدى طهران نصير عبد المحسن، على خلفية استعمال السلطات العراقية عبارة “الخليج العربي”، خلال استضافة مدينة البصرة جنوبي العراق، بطولة كأس الخليج العربي بنسختها الخامسة والعشرين. ونقلت وكالة “إرنا”، الإيرانية عن الوزير الإيراني قوله: “تم استدعاء السفير العراقي إلى الخارجية بعد استخدام السلطات العراقية مصطلحاً وهمياً بدلاً من الخليج الفارسي، وعكسنا حساسية الشعب الإيراني العظيم تجاه استخدام المصطلح الدقيق والكامل للخليج الفارسي إلى الجانب العراقي”، على حدّ قوله. وأضاف: “صحّح رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني هذه المسألة (هذا الخطأ)، في مقال نُشر أخيراً على الفضاء الافتراضي”. ولفت إلى أنه “على الرغم من أنّ لدينا علاقات استراتيجية وأخوية وعميقة مع العراق، إلا أننا أعربنا بوضوح عن احتجاجنا على هذا الموضوع، واستدعينا السفير العراقي لدى طهران إلى الخارجية، للتأكيد على حساسية الشعب الإيراني العظيم تجاه استخدام المصطلح الدقيق والكامل للخليج الفارسي، والإعلان عنه إلى الجانب العراقي”، بحسب ما أوردته الوكالة الإيرانية.
من جانبه، علّق التيار الصدري في العراق، بزعامة مقتدى الصدر، على “قيام إيران باستدعاء السفير العراقي لدى طهران، احتجاجًا على عبارة الخليج العربي في بطولة خليجي 25 المقامة حاليا في البصرة”. وقال القيادي في التيار الصدري عصام حسين، في تصريحات صحفية، إنه “لا يوجد أي مبرر لقيام إيران باستدعاء السفير العراقي لدى طهران”، معتبرًا أن “هذا الأمر يعتبر ضوءا أخضر لأنصار وموالي إيران في العراق لشن حملات ضد تسمية الخليج العربي، في بطولة خليجي 25 المقامة في محافظة البصرة”. وبيّن حسين أن “إيران منزعجة جداً من قضية الاندماج ما بين الشعب العراقي وشعوب دول الخليج العربي، فهي لا تريد هذا التقارب خشية من زيادة الرحلات السياحية مستقبلا وتطور الأمور إلى القضايا الاقتصادية والاستثمارية، ولهذا هي تشن هجمات وتصعد بشكل يومي ضد هذا الأمر من خلال الاعتراض على تسمية الخليج العربي”. وأضاف أن “إيران لديها مشاكل مع دول الخليج العربي، ولهذا هي لا تريد أي تقارب ما بين العراق وهذه الدول ولا تريد اندماج العراقيين مع الشعوب العربية، فهي تريد ان يبقى العراق تابعا لها في سياساتها الخارجية”، معتبرًا إياها “رسالة خاصة للموالين من جمهورية قومية أزعجها التقارب الخليجي”. وإثر ذلك، أطلق ناشطون عراقيون من جنوب ووسط العراق، حملة على منصات “تويتر”، و”فيسبوك”، بعنوان “الخليج عربي” و”الخليج العربي”، يهاجمون فيه الموقف الإيراني، ويعتبرونه اختلاقاً للمشاكل، متسائلين عن عدم إثارة إيران القضية في نسخ البطولة السابقة مثلما تفعل الآن، كما وجهوا دعمهم لزعيم التيار الصدري، طالبين منه عدم الاعتذار أو سحب بيانه كما دعت لذلك أوساط برلمانية إيرانية.
إن حداثة عهد “الخليج العربي” لا يعني أن “الخليج الفارسي” هو الاسم التاريخي الدقيق، كما تريد المقولة الإيرانية المتكررة. فالواقع أن أشهر التسميات التي أطلقت على الخليج هي “خليج فارس” أو “بحر فارس”، وليس “الخليج الفارسي”، أي بالإضافة لا بالنسبة، في إشارة إلى أنه الطريق البحري الذي يصل إلى بلاد فارس. ومن اعتمد هذه التسمية هم تحديداً البحارة العرب، ثم مؤلفو مصنّفات البلدان (الجغرافيا) باللغة العربية (ثم الفارسية). فكما أن ما هو اليوم البحر الأبيض المتوسط يصل إلى بلاد الروم، فقد كانت تسميته بحر الروم، وكما أن ما هو اليوم المحيط الهندي يصل إلى الهند كانت تسميته بحر الهند. ولم يكن في هذه التسميات أي إقرار بسيادة على المياه الإقليمية أو اعتبار أو إنكار لملكية النطاق البحري، إذ هذه مفاهيم لم تكن من المتعارف عليها. ومن مفارقات الثورة الإسلامية في إيران أنها ضاعفت من الشعور والاعتزاز القوميين في المجتمع الإيراني، في حين أن الالتزام الإسلامي نظرياً متجاوز للقوميات. وبروز هذه المشاعر قد أدّى إلى حالة على قدر من الغرابة في تعاطي السياسيين الغربيين خاصة مع إيران. إذ لا يخلو أي خطاب يتطرق إلى الشأن الإيراني من الإشادة والإطراء بالحضارة الإيرانية العريقة. ومع كامل التقدير لهذه الحضارة وعراقتها، فإنها في العديد من تجلياتها مشتقة من الحضارة العراقية الأكثر عراقة، بل الأعرق والأعمق تأثيراً على مستوى الإنسانية جمعاء.

بغض النظر عن التاريخ والجغرافيا فالأكيد أن التوتّر الشديد الجاري حول المصطلحين يرتبط، إلى حد كبير، بالسياسات الداخلية والخارجية للأطراف المختلفة، فقد نبّه عراقيون إلى أن لجوء طهران لاستدعاء السفير العراقي، وتأنيب المسؤولين العراقيين، هو أمر مبالغ فيه بالأعراف الدولية، وكما وصفت الصحف الإيرانية ما يحصل بالوقاحة، فقد رأت وسائل إعلام عراقية أن المبالغة في ردة الفعل هي محاولة لإبعاد الأنظار عن أحداث الداخل، وهي الأحداث الأولى باهتمام المسؤولين الإيرانيين.

بغض النظر عن المراجعات التاريخية والجغرافية، وحتى المناكفات السياسية، فإن على الأطراف كافة أن تتقبّل فكرة أن سيادة الدول تتضمن استخدام ما ترتضيه من أسماء لأراضيها وسواحلها وسماواتها، لا أن تحاول فرض المصطلحات على غيرها، فإيران حرة في تسمية الخليج بالفارسي، كما أن العرب أحرار في تسميته بالخليج العربي.

وحدة الدراسات الايرانية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية