بعد غياب دام لأشهر عن المشهد السياسي تتجه أنظار العراقيين مرة أخرى صوب التيار الصدري الذي دعا أنصاره إلى صلاة موحدة في عموم محافظات البلاد عدا البصرة يوم غد الجمعة 13 يناير (كانون الثاني)، في توقيت يثير تساؤلات حول غاياته، بخاصة أن الدعوة تتزامن مع إتمام حكومة الإطار التنسيقيبقيادة محمد شياع السوداني شهرها الثالث.
وتتصاعد مناسيب الترقب في الشارع العراقي لما سيخرج من تصريحات سياسية عقب صلاة الجمعة، إذ يرى مراقبون أنها تمثل أولى خطوات إنهاء مقتدى الصدر اعتكافه السياسي المستمر منذ شهر أغسطس (آب) 2022، بعد الصدامات الدامية بين أنصاره والميليشيات الموالية لإيران، التي أسفرت عن مقتل عشرات من المتظاهرين الصدريين.
تحفيز الحراك الصدري
تأتي دعوة التيار الصدري تلك في وقت تشهد فيه البلاد أزمات عدة، على رأسها استمرار انهيار الدينار العراقي في مقابل الدولار، فضلاً عن عزم قوى “الإطار التنسيقي” تشريع قانون جديد للانتخابات والمفوضية، بعد خسارتها الانتخابات التشريعية الأخيرة ضمن القانون الحالي، وهو ما قد يستفز التيار بشكل كبير.
وإضافة إلى كل ذلك يرى مراقبون أن ثمة عوامل أخرى تقف خلف محاولة التيار الصدري إعادة إحياء قواعده الشعبية، يتمثل أبرزها بإرسال رسالة إلى حلفاء طهران بعدم المضي بأي حراك من شأنه إقصاء وجود التيار الصدري في مفاصل الدولة.
أما العامل الآخر فيرتبط بانتخابات المجالس المحلية التي يفترض أن تجرى في أكتوبر (تشرين الأول) 2023، إذ يعتقد مراقبون أن التيار الصدري يحاول إعادة ترتيب أوضاع قواعده الشعبية مرة أخرى قبل الشروع نحو الاشتراك في الانتخابات.
نهاية الـ100 يوم
وتأتي دعوة التيار الصدري للصلاة الموحدة على بعد أيام قليلة من مرور 100 يوم على تشكيل حكومة الإطار التنسيقي، وهو الأمر الذي يدفع عديداً من المراقبين إلى النظر للتوقيت على أنه فرصة مناسبة لعودة التيار لواجهة “المعارضة الفاعلة” مرة أخرى.
ويرى رئيس مركز “كلواذا” للدراسات باسل حسين، أن مضامين الدعوة احتوت على رسائل مضمرة وأخرى معلنة، لعل أبرزها عبارة “عام التغيير” التي تمثل دلالة على أن “ثمة حراك سياسي فعال سيقوده الصدريون خلال الفترة المقبلة لا يمكن معرفة أوانه”.
ويشير إلى أن تراكم الأزمات الاقتصادية والسياسية خلال الأشهر الأخيرة، إضافة إلى تحضير القوى السياسية لتشريع قوانين مهمة، على رأسها قانون الانتخابات ومفوضيتها، سيدفع التيار الصدري إلى “التخلي عن عزلته السياسية والدخول مرة أخرى في أتون الصراع الداخلي”، مبيناً أن ما يجري الآن في أروقة التيار هو “مجرد انتظار اللحظة الأمثل للعودة بقوة”.
ويبدو أن “علامات التحرك الصدري باتت تلوح في الأفق” كما يعبر حسين الذي يعتقد أن الصدر “لن ينتظر طويلاً أمام جملة التحديات والتهديدات المحيطة بالتيار وتستوجب تدخلاً مباشراً، لأنها ستكون بمثابة تهديد وجودي له”.
مخاوف من الإقصاء
لا يمكن مناقشة دعوة التيار الصدري إلى الصلاة الموحدة بوصفها مجرد إحياء لذكرى عقائدية تخص أتباع “الخط الصدري”، إذ لطالما مثلت منبراً بالنسبة إلى قادة التيار لإطلاق الخطب السياسية والتحضير لعدد كبير من موجات الاحتجاج.
ولعل تصدر عبارة “عام التغيير” دعوة التيار يؤكد قراءات عديد من المراقبين بأنها ستكون بداية لعودة أنشطة التيار الصدري السياسية من خلال الواجهة الشعبية مرة أخرى.
ويعتقد رئيس مركز “التفكير السياسي” إحسان الشمري، أن الرسالة السياسية في الدعوة تكاد تغلب على طابعها الديني المجرد، خصوصاً مع حال الإحباط الكبيرة التي تعيشها القاعدة الصدرية منذ انسحاب نواب “الكتلة الصدرية” في يونيو (حزيران) 2022.
ولا يمكن العبور على تلك الدعوة من دون استشعار أنها محاولة لـ”رفع الجاهزية السياسية للقواعد الصدرية”، كما يعبر الشمري الذي يقول إن “طبيعة الإقصاء السياسي الذي يتعرض له التيار الصدري والمخاوف من تشظي القواعد الشعبية له هي التي شجعت على تلك العودة”.
ولا يتوقف الأمر عند حدود محاولة إعادة تفعيل قواعد التيار الصدري الشعبية، إذ يلفت الشمري إلى جملة عوامل أخرى حفزت قيادة التيار للعودة إلى الأجواء السياسية، لعل أبرزها هو “قرب انتهاء فترة 100 يوم لاختبار حكومة السوداني التي يعتقد الصدريون أنها لم تقم بأي منجز خصوصاً في ما يتعلق بملف الإصلاح”.
ويتابع الشمري أن “من بين القضايا الأخرى المحفزة لعودة نشاط التيار الصدري هي الخلافات الداخلية بين أطراف الإطار التنسيقي وبينهم وبين رئيس الحكومة والصراع حول المناصب، إضافة إلى قضية الانتخابات ومحاولات إقرار مجموعة أخرى من القوانين”.
ويختم الشمري “ربما تمثل دعوة التيار الصدري أنصاره للصلاة الموحدة رسالة تحذيرية لكل الأطراف التي تحاول إقصاءه في المرحلة المقبلة”، لافتاً إلى أن “ائتلاف إدارة الدولة” بدأ فعلياً بـ”مناقشة قانون انتخابات المجالس المحلية ومحاولات تقاسم مناصب الدولة والاستحواذ على تلك التي يشغلها التيار الصدري”.
جس نبض
ويعتقد مدير منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مؤسسة “غالوب الدولية” منقذ داغر، أن الدعوة إلى صلاة الجمعة تمثل “محاولة جس نبض وإدامة للتواصل بين قيادة التيار الصدري وجمهوره”، مضيفاً في حديث لـ”اندبندنت عربية”، “يعطي توقيت الدعوة تلك انطباعاً بأنها تمثل أيضاً رسالة سياسية إلى الإطار التنسيقي للقوى الشيعية”.
ويختم داغر بأنه “على رغم من ما يبدو عليه الصدر من صمت خلال الفترة الماضية إلا أنه متابع لما يحصل، وقد يستثمر تردي الوضع الاقتصادي نتيجة ارتفاع الدولار للعودة إلى الواجهة من خلال الباب الاجتماعي”.
في المقابل يقول أستاذ العلوم السياسية هيثم الهيتي، إن من غير الممكن الجزم بخصوص تحول صلاة الجمعة المقبلة إلى “مساحة لاختراق الأجواء السياسية بسرعة” من قبل التيار الصدري، إلا أن الغاية الواضحة منها هي “تفعيل القواعد الشعبية للتيار وبث الروح في حراكه الجماهيري بعد سكون دام لأشهر طويلة”.
ويشير الهيتي إلى رسالة مزدوجة يحاول التيار الصدري إيصالها، تتعلق الأولى بتحفيز جمهوره، أما الأخرى فتمثل “تحذيراً واضحاً لخصومه السياسيين الذين بدؤوا بالتصارع مبكراً في ما بينهم حول تقاسم المغانم”.
وبحسب الهيتي فإن “انهيار سعر صرف الدينار العراقي في مقابل الدولار جاء نتيجة معلومات تشير إلى أن هناك تحويلات مالية هائلة تخص أطرافاً سياسية لإيران، وهو ما يمكن أن يكون سبباً آخر يستغله التيار الصدري لإعادة تموضعه السياسي من جديد”، مبيناً أن المراد من صلاة الجمعة المقبلة إيصال رسالة إلى حلفاء طهران مفادها بأن “التيار حاضر وقادر على التحرك في أية لحظة”.
اندبندت عربي