على الرغم من الخلافات الموجودة داخل المكون السني بين تحالف “تقدم” الذي يقوده رئيس مجلس النواب العراقي محمد الحلبوسي وباقي الكتل السنية إلا أنه كان مسيطر عليه سياسياً قبل أن ينتقل إلى وسائل الإعلام بشكل مكشوف بعد قرار الحلبوسي إنهاء عضوية النائب ليث الدليمي في البرلمان.
وجاء إنهاء عضوية الدليمي من قبل الحلبوسي بعد انتقال الأول إلى تحالف “عزم” الذي يتزعمه النائب مثنى السامرائي ويضم عدد من الشخصيات السنية المؤثرة، الأمر الذي دفع رئيس البرلمان إلى الموافقة على استقالة سابقة للدليمي قدمت قبل أكثر من عام لإنهاء عضويته.
ردود مباشرة
أدى هذا القرار إلى ردود فعل مباشرة تمثلت ببيانات تدين الحلبوسي والتي كان أولها من حليفه السابق في صلاح الدين، رئيس كتلة “الجماهير” أحمد الجبوري الملقب “أبو مازن” الذي وقال في “تغريدة” على “تويتر”، إن “مجلس النواب سلطة تشريعية لا مقراً حزبياً للتسقيط السياسي والانتقام الشخصي الذي فضحته طريقة تمرير استقالة النائب ليث الدليمي”.
وأضاف “لن نسمح بمصادرة القرار البرلماني بجرة قلم نرجسي”، معتبراً أن “مصادرة حقوق النواب انتقاص خطير لهيبة السلطة التشريعية وسابقة خطيرة تهدد النظام السياسي”.
واعتبر النائب المقال في تغريدة على “تويتر” الأمر النيابي بالتعسفي وغير القانوني، مبدياً استغرابه واستنكاره لهذا التصرف الذي وصفه بـ”غير المبرر”، داعياً إلى اتخاذ موقف رادع لما وصفه بـ “الدكتاتورية والانفرادية والاستهداف المستمر واستغلال السلطة بشكل سلبي لإخضاع النواب لإرادته”.
وأكد حزب “تقدم” الذي يقوده الحلبوسي أن القرار كان قانونياً وتم بناء على استقالة النائب ليث الدليمي المقدمة إلى رئاسة مجلس النواب العراقي.
الأزمة متواصلة
ويبدو أن المشاكل داخل حزب رئيس مجلس النواب لم تنته عند التصعيد مع باقي الكتل السنية بل بانسحابات وانشقاقات جديدة عنه حيث أعلن النائب عن محافظة ديالى رعد الدهلكي، انسحابه من حزب تقدم “لأسباب جوهرية تتعلق بالجانب السياسي واستحقاقات محافظة ديالى، كاشفاً أنه “سيقود مشروعاً سياسياً وطنياً يضم نخبة سياسية وشخصيات مجتمعية لإعادة استحقاقات محافظة ديالىالتي سُلبت حقوقها والنهوض بها بعيداً عن المزايدات والمناكفات السياسية المفتعلة”.
غير أن المكتب الإعلامي لتحالف “تقدم” أشار في بيان أن الدهلكي طالب التحالف بالحصول على رئاسة لجنة النزاهة النيابية وهدد بالانسحاب في حال لم يحصل عليها، وحيث لم يتسن ذلك بناء على قرار قيادة الحزب ونوابه عدم الموافقة على طلبه.
وبحسب البيان أن “الدهلكي طالب بترشيح سكرتيره السيد فادي محمد ياسين لمنصب نائب محافظ ديالى، وحيث أن قيادة وأعضاء الحزب في ديالى لم تجد في الشخص المذكور المؤهلات التي ترشحه لهذا المنصب، مع وجود العديد من الشخصيات والكفاءات الأخرى في المحافظة مؤهلة لشغل هذا الموقع”.
وكشف النائب المقال من قبل المحكمة الاتحادية مشعان الجبوري عن حدوث توتر كبير بين رئيس مجلس النواب وباقي القوى السنية في اجتماع عقد مؤخراً.
وأضاف الجبوري المقرب من تحالف “عزم” في تغريدة له أن الحلبوسي اتهم القوى السنية المنافسة له بمحاولة استمالة القيادي في حزبه ومحافظ الأنبار علي فرحان إلى كتل أخرى، مشيراً إلى أن الاجتماع شهد نقاشات حادة بين الحلبوسي وباقي الأطراف السنية، مما أدى إلى خروجه غاضباً من الاجتماع.
تفكك التحالف الأكبر
فيما حذرت النائبة عن محافظة ديالى، ناهدة الدايني، من تفكك التحالف السني الأكبر في مجلس النواب بسبب “إهمال” استحقاقات ديالى و”تهميشها” من القيادات والزعامات السنية.
وقالت الدايني في تصريح صحفي، إن “قيادات القوى السنية مطالبة بإيلاء اهتمام لاستحقاقات ديالى السياسية في السلطتين التنفيذية والتشريعية والجوانب الخدمية الاخرى أسوة بمحافظات نينوى والأنبار”.
وعن خلافات التحالف السني “العزم والسيادة”، أوضحت الدايني أن “ملف ديالى يهدد التحالف السني ما لم يلقَ الاهتمام والخطوات الجادة لمعالجته وتفادي خلافات وانشقاقات محتملة داخل البيت السني جراء ذلك”، منتقدة “الزعامات السنية والقيادات في بغداد لأنها تركت ديالى وكأنها ليست تابعة لهم، ولا اهتماماً بها لا من قريب أو من بعيد”.
المزيد من المشاكل
ويرى أستاذ العلوم السياسية بالجامعة المستنصرية عصام الفيلي أن الانسحابات داخل المكون السني ستؤدي إلى مزيد من التشظي، مشيراً إلى أن إقالة رئيس البرلمان بحاجة إلى التوافق مع الكتل الأخرى.
وقال الفيلي “إن بوادر الخلاف بين المكون السني تمتد إلى أكثر من دورتين أو ثلاثة من عمر البرلمان بفعل الصراع ما بين الجيل القديم والجديد وتحول هذا الصراع إلى ما يعرف المناطقية إلى داخل المحافظة الواحدة”، مبيناً أن ما كان يطرحه المكون السني من جملة شروط على الحكومة العراقية كانت توحده في السابق، وبدأ يفرقهم السعي إلى السلطة وإثبات الوجود من خلال المناصب الموجودة في كل المفاصل التنفيذية والتشريعية.
تطور خطير
وأضاف أن هذه الانسحابات تنذر بشيئ خطير على المستوى القريب والأمر الآخر أن غرف صناعة القرار والتقارب السياسي باتت غائبة تماماً ومحاولة الاستئثار وردة الفعل العنيف مما سيؤدي إلى مزيد من التشظي داخل المكون السني، لافتاً إلى أن مجمل البيوتات الشيعية والكردية والسنية تعاني من التشظي إلا أن البيت السني والشيعي كان يجمعهم بما يعرف التحدي الطائفي والذي تراجع كثيراً بعد استقرار المشهد السياسي والأمني والذهاب إلى مشاريع سياسية عامة.
وتابع أن “انسحاب زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر من المشهد السياسي أثر بشكل واضح على مجمل القضايا لأن مشروعه كان يمثل مشروع دولة ومشروع معارضة وحكومة حقيقية وكثير من القوى السياسية تفتقر إلى هذه الرؤية وبالأساس تمتلك مشروع طائفة ومكون”، مشيراً إلى أن “المواطن العراقي يريد الإنجاز في وقت أن الكثير من الزعامات باتت تتبلور لديها مفهوم الدولة مقابلها هناك قوى أخرى ما زالت تؤمن بمفهوم الطائفة”.
ولاية أخيرة للحلبوسي
وأوضح أن الحلبوسي من الناحية القانونية لا يحق له الترشح لرئاسة البرلمان مجدداً لدورة أخرى وإضافة إلى ذلك عليه أن يرأب الصدع بين الفرقاء فمن يؤمن بمشروع أن يتمتع بقدرة على التفاهم و أن يكون عراب اللقاءات.
وعن إمكانية تغيير الحلبوسي، كشف أن ذلك يعتمد على مدى القدرة على إقناع الكتل الأخرى لا سيما الشيعية.
صراع نفوذ
ويرى رئيس مركز العراق للدراسات الاستراتيجية غازي فيصل إلى أن الصراعات السنية – السنية هي صراع مصالح على النفوذ في المحافظات ومجلس النواب.
وقال إن هناك ظاهرة خطيرة شهدها مجلس النواب في مراحله المختلفة هو شراء نواب من خلال دفع مبالغ لنواب من أجل تكوين كتلة معينة والانضمام إليها والخروج من أحزابهم السابقة، مبيناً أن “ما يجري هو لعبة سياسية تذهب لخلق تجاذبات واستقطابات لتغيير الخارطة السياسية على سبيل مجلس النواب أو المحافظات ضمن إطار الاستحواذ على المواقع الحيوية للنفوذ واتخاذ القرار”.
وأضاف أن “ما يجري هو صراع على رسم خارطة سياسية في إطار السلطات الثلاث وخصوصاً مجلس النواب والمجالس المحلية لاحقاً وإذا ما تم تحقيق انتخابات لتهيئة ظهور تحالفات سياسية مختلفة توظف لهذا الطرف أو ذاك”.