يعكس كشف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن أنه يدرس احتمال تزويد أوكرانيا بمنظومة القبة الحديدية المضادة للصواريخ خروجا عن المسار الحذر والمتوازن الذي اتبعته الحكومة الإسرائيلية السابقة في علاقة بالحرب الروسية على أوكرانيا، ما قد يتسبب في أزمة دبلوماسية بين تل أبيب وموسكو تكون لها تداعيات أمنية بالأساس خاصة في الساحة السورية.
وقال نتنياهو في مقابلة مع قناة “LCI” الفرنسية نقلت تفاصيلها الأحد وسائل إعلام عبرية “انتهينا تقريبا من عملية تشكيل الحكومة. سندرس ما إذا كنا سنزود أوكرانيا بمنظومة القبة الحديدية (…) نحن الآن بصدد صياغة سياستنا، وبعد ذلك سنبحث في التداعيات السياسية للقضية”.
وسبق أن رفضت الحكومة الإسرائيلية السابقة، التي تناوب على رئاستها نفتالي بينيت ويائير لابيد، تزويد أوكرانيا بأسلحة، واكتفت بنقل مساعدات إنسانية إلى كييف.
لكن الولايات المتحدة لا تتوقف عن دعوة إسرائيل إلى تقديم مساعدات أمنية لأوكرانيا، وهو ما أكد عليه وزير خارجيتها أنتوني بلينكن الذي التقى نتنياهو في القدس الغربية الاثنين.
وقال بلينكن خلال مؤتمر صحافي مع نتنياهو إنه بحث مع رئيس الوزراء الإسرائيلي قضية مساعدة أوكرانيا.
ومتهما إيران بمساعدة روسيا، قال بلينكن إن “هذا يؤكد الحاجة إلى مساعدة أوكرانيا أيضا في الجانب الأمني وليس فقط الإنساني”.
ومنذ الرابع والعشرين فبراير 2022 تشن روسيا هجوما على جارتها أوكرانيا ما دفع دولا في مقدمتها الولايات المتحدة حليفة إسرائيل إلى فرض عقوبات اقتصادية مشددة على موسكو.
والعديد من المصالح تجمع بين روسيا وتل أبيب، لاسيما في ما يخص الوجود الإيراني في سوريا، إذ تسعى تل أبيب للحفاظ على خط التواصل مع موسكو لاستمرار تنسيق التحركات العسكرية في سوريا، إلا أنه ومع تعقّد ملف إيران يبدو أن إسرائيل ستعلن دعم الحلف الغربي لمواجهة الحلف الروسي الإيراني.
وتسعى إسرائيل بدورها للحصول على الدعم الأميركي لحل الملف الإيراني، لذلك فقد بدأت التلميحات الإسرائيلية بتقديم الدعم العسكري لأوكرانيا، ذلك ما يطرح التساؤلات حول تأثير التوجه الإسرائيلي على مستقبل العلاقات بين موسكو وتل أبيب، وفيما إذا كان تحرك إسرائيل سيكون بمثابة ضربة قاضية للعلاقات الثنائية.
وكان الموقف الإسرائيلي من الغزو الروسي لأوكرانيا مبنيا على رغبة إسرائيلية في الحفاظ على العلاقة مع روسيا، حيث توصف أحيانا بالضبابية، بسبب الخلاف الداخلي في إسرائيل بخصوص مستقبل العلاقات مع موسكو، فالبعض يفضّل القرب من الصف الأميركي والغربي باعتباره حليفا إستراتيجيا لإسرائيل، فيما يعتقد آخرون داخل إسرائيل أن قطع العلاقة مع روسيا سيضر بمصالح إسرائيل الأمنية، وهو سبب محاولاتها في بعض الأحيان للظهور بموقف شبه حيادي.
ويرى أستاذ العلوم السياسية في الجامعة العبرية يوناثان فريمان أن “ثمة متغيرات في أوكرانيا قد تدفع نتنياهو إلى إعادة النظر في موقف إسرائيل الرافض لدعمها بالسلاح، خاصة بعد التقارير عن بيع إيران لروسيا طائرات من دون طيار وصواريخ تستخدمها في أوكرانيا”.
وأضاف فريمان “أعتقد أننا قد نرى محاولة لجسر الخلافات بين تل أبيب وواشنطن بشأن الحرب في أوكرانيا، فواشنطن تريد من إسرائيل أن تكون داعمة أكثر لأوكرانيا وأكثر انتقادا لروسيا، وقد نشهد انعطافة قوية في الدعم الإسرائيلي لسياسة واشنطن في ما يتعلق بأوكرانيا”.
واستدرك بأن لنتنياهو علاقات مميزة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ومن مصلحة إسرائيل الاحتفاظ بعلاقات جيدة مع روسيا التي تغض الطرف ولا تتدخل في الغارات الجوية الإسرائيلية في سوريا على أهداف إيرانية وأخرى تابعة لجماعة حزب الله اللبنانية.
العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا تضع إسرائيل أمام حسابات صعبة، تبدأ من سوريا وتمر بإيران، وبينهما روسيا
وتابع “لا أعتقد أن نتنياهو سيتجه إلى مواجهة مع بوتين، أعتقد أن الحكومة الجديدة ستقوم بأمور منها تقديم بعض المعدات لأوكرانيا وتبني سياسات بينها مثلا فرض عقوبات على موسكو”.
وأردف “يجب ألا ننسى أن ثمة عاملا جديدا في الحرب في أوكرانيا وهو أن إيران تلعب دورا فيها وتزيد من تدخلها في أوكرانيا، وكلما زاد التدخل الإيراني في أوكرانيا كلما توجب على إسرائيل أن تتبنى سياسة ليست معادية لروسيا بحد كبير وإنما لإيران، فإسرائيل ستساعد من يحارب إيران”.
وأكد “لا أعتقد أن إسرائيل ستكون معادية لروسيا ولكن أكثر استعدادا، سواء علنا أو سرا، لمساعدة أوكرانيا”.
وكانت إيران أحد أبرز العوامل التي دفعت إسرائيل إلى تغيير موقفها شبه المحايد، وتزويد أوكرانيا ربما بالأسلحة خلال الفترة القادمة، فتل أبيب تجنبت إرسال المساعدات العسكرية إلى أوكرانيا، لكن مع تزايد التعاون الروسي – الإيراني، وخروج التهديدات الإيرانية عن السيطرة، كانت هناك توجهات جديدة تخص الأمن القومي الإسرائيلي.
ويقول خبراء عسكريون إن التعاون بين إيران وموسكو سيكون كذلك المشجع الأبرز لتل أبيب للتوجه بشكل علني إلى محور الغرب، خاصة إذا قررت موسكو تعزيز هذا التعاون ومنح أسلحة متطورة لإيران، ما قد يعني مشاركة موسكو مباشرة بتهديد الأمن القومي لإسرائيل.
وتضع العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا إسرائيل أمام حسابات صعبة، تبدأ من سوريا وتمر بإيران، وبينهما روسيا.
التنسيق الأمني في سوريا
للدولة العبرية حساباتها التي تتمثل في الاستمرار في التمتع بـ”حُرية” هجماتها الجوية على أهداف في سوريا تقول إنها إيرانية، وأيضا رغبتها في تقويض قدرة إيران على إنتاج قنبلة نووية.
وفي حين أن حرية هجماتها في سوريا مرتبطة بغض طرف من قبل روسيا، فإن فُرص التوصل إلى اتفاق دولي مع إيران في فيينا يلبي مطالبها تشوبها تساؤلات في ظل انشغال العالم بأزمة أوكرانيا.
وتخشى إسرائيل أن يؤثر هذا الموقف (مدّ أوكرانيا بمنظومة القبة الحديدة) على علاقاتها بروسيا، وخاصة قدرتها على التحرك الجوي ضد أهداف في سوريا بموافقة روسية.
ونفذت إسرائيل العشرات من الضربات في سوريا خلال الحرب المستمرة منذ أكثر من سبع سنوات لتمنع ما وصفتها بأنها عمليات نقل أسلحة إلى مقاتلي حزب الله اللبناني وحلفاء آخرين إيرانيين. وتغاضت روسيا إلى حد كبير عن الضربات التي يقول الإسرائيليون إنها لا تشكل أي تهديد مباشر للرئيس السوري بشار الأسد حليف موسكو.
ويقول المراسل العسكري لصحيفة هآرتس العبرية يانيف كوبوفيتش “إن مصدر القلق الرئيسي لمؤسسة الجيش هو عرقلة العلاقات الإسرائيلية – الروسية الحساسة تجاه سوريا، حيث ورد أن الجيش الإسرائيلي يعمل بانتظام ضد القوات المدعومة من إيران، وهي جماعة حزب الله اللبنانية”.
إسرائيل وروسيا اتفقتا على “آلية تفادي التضارب” عقب التدخل الروسي العسكري في سوريا عام 2015، لمنع وقوع اشتباك دون قصد خلال الهجمات
وأضاف كوبوفيتش “في ظل هذه الظروف من المرجح أن يُغيّر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سياسته بشأن العمليات الإسرائيلية في سوريا وأماكن أخرى في الشرق الأوسط”.
وأردف “في محاولة لاستعادة مكانته يمكن لبوتين أن يتحرك للحد من قدرة إسرائيل على العمل ضد التواجد الإيراني، في إطار آلية تفادي التضارب بين إسرائيل وروسيا في سوريا”.
واتفقت إسرائيل وروسيا على “آلية تفادي التضارب” عقب التدخل الروسي العسكري في سوريا عام 2015، لمنع وقوع اشتباك دون قصد خلال الهجمات الإسرائيلية ضد التواجد الإيراني في سوريا.
وتابع كوبوفيتش “يُقدّر المسؤولون الإسرائيليون أن روسيا قد تقرر نقل أسلحة أكثر تقدمًا إلى سوريا ودول أخرى في المنطقة، بهدف تحقيق عائدات من صفقات الأسلحة الكبيرة، مع خلق توازن جديد للرعب في مواجهة القوات العسكرية الغربية في الشرق الأوسط”.
وتمتلك روسيا نفوذا عسكريا كبيرا في سوريا، حيث تدعم قوات النظام في مواجهة قوى المعارضة.
وأشار إلى أن هناك “مصدر قلق آخر لإسرائيل، هو أن روسيا قد تستخدم أنظمة متقدمة لتعطيل أنظمة التوجيه عبر نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) وإجراءات الحرب الإلكترونية الأخرى والهجمات الإلكترونية لتعطيل قوات الناتو أو العمليات الغربية في البحر المتوسط”.
وقد يؤدي ذلك أيضًا، وفق كوبوفيتش، إلى “تقييد حرية الجيش الإسرائيلي في العمل أو تعطيل التكنولوجيا العسكرية والمدنية في إسرائيل”.
وترتبط القوات الروسية في سوريا باتفاق مع الجيش الإسرائيلي لتنسيق الأنشطة الإسرائيلية في الأجواء السورية لتجنب وقوع حوادث عرضية.
صحيفة العرب