يعكس عدم توجيه الدعوة لإيران للمشاركة في اجتماع على مستوى الوفود العسكرية بين تركيا و النظام السوري برعاية روسية خوفا على ما يبدو من أي جهود إيرانية معطّلة للعملية السياسية، فيما تشير تقارير إعلامية إلى عدم وجود رضا إيراني بشكل ضمني عن هذه المفاوضات في غياب طهران عنها وهو ما يهدد نفوذها في الساحة السورية.
وأعلنت الخارجية الروسية السبت عن اجتماع مرتقب على مستوى الوفود العسكرية لروسيا وتركيا والنظام السوري في فبراير الجاري.
وأضافت الخارجية الروسية أنه لا توجد مواعيد لعقد اجتماع على مستوى وزراء خارجية روسيا وتركيا والنظام السوري بعد، لكن المشاورات جارية. ولم تشر تصريحات الخارجية الروسية إلى مشاركة وفد إيراني في اللقاء المرتقب.
وتشير تقارير إعلامية إلى عدم وجود رضا إيراني بشكل ضمني عن هذه المفاوضات في غياب طهران عنها، وهو ما تسبب في انقسامات داخل التيارات السياسية الإيرانية.
ويقول الباحث في الشؤون الإيرانية هاني سليمان إن إيران تنظر بنوع من الترقب والشك إلى تطور العلاقات التركية – السورية، حيث ترى طهران أن ذلك ربما يشكل مساسا بمساحة نفوذ إيران وتواجدها في الداخل السوري، خاصة أن التواجد الإيراني في سوريا بُني على إستراتيجية الخوف والحرب والمواجهة والصِدام، وبالتالي وجود قنوات تقارب تركي – سوري من شأنه أن يقلل من ماهية الأزمة التي تتذرع بها إيران في سوريا، خاصة بعد تراجع المواجهات وحسم المعركة إلى حد ما لصالح حكومة دمشق.
ويجادل محللون أن عودة العلاقات التركية – السورية ستشكل تقليلا من مركزية وأهمية دور إيران في سوريا، ومدى الحاجة من قبل حكومة دمشق إلى الوجود الإيراني في هذه المرحلة.
ومنذ بدء مسار التطبيع بين دمشق وأنقرة، حاولت الأخيرة تجاهل الدور الإيراني في سوريا، خوفا على ما يبدو من أي جهود إيرانية معطّلة للعمليات السياسية، واتجهت بدلا من ذلك إلى روسيا ما أفضى لعقد شراكة روسية – تركية بشأن الملف السوري.
ومن بوابة “أستانا” سعت إيران إلى اقتحام الشراكة الروسية – التركية، التي حاولت تهميش طهران، التي بدورها لا تريد اتفاقيات ثنائية خارج “أستانا”، كونها قد تحمل بنودا تتعارض مع مصالحها، فضلا عن إدراكها أن دور روسيا في الوساطة بين أنقرة ودمشق قد يكون بمثابة “اتفاقية ثنائية”، تُبعد إيران من الطاولة الثلاثية.
ويقول مراقبون إن الدور الإيراني لن يفيد جهود عودة العلاقات بين أنقرة ودمشق، التي كانت تسير خطوة وراء خطوة بمساعدة الجانب الروسي.
إيران ستسعى لتكون عاملا معطّلا لأي اتفاق روسي – تركي في ما يخص الملف السوري ما لم يراع مصالحها وخارطة نفوذها
ويقول الباحث السياسي المختص بالشأن الإيراني مصطفى النعيمي إن إيران هددت بشكل غير مباشر بتعطيل أي اتفاق روسي – تركي في الملف السوري باستخدام قدراتها العسكرية في البلاد إذا تم تهميشها، مشيرا إلى أن جميع الأطراف تنظر إلى إيران كونها عنصرا معّطلا لأي اتفاق أو حل سياسي مستقبلي في سوريا.
وأضاف النعيمي “أرى أن التموضع الإيراني في سوريا قد انتقل من مرحلة الميليشيات إلى الجيوش، وبالتالي ترغب طهران في فرض حضورها من خلال القدرات العسكرية البرية التي تتمتع بها وذلك من خلال شرعنة النظام السوري لوجودها وستكون عاملا معطّلا لأي اتفاق روسي – تركي لما يخص الملف السوري”.
وعلى الرغم من أن إيران لم تعلن بشكل مباشر رفض عمليات التطبيع بين تركيا والنظام السوري، لكن كان موقفها يظهر من خلال تصريحات المسؤولين في دمشق، وكان أبرز ما طالبت به دمشق كشرط للاستمرار في محادثات التطبيع، خروج القوات التركية من الداخل السوري كخطوة استباقية ومبادرة حسن نية، الطلب الذي تجاهلته أنقرة.
وتسعى إيران كذلك لأن تكون جزءا من هذا المسار، لأن نجاح عودة العلاقات التركية مع حكومة دمشق قد يمهّد الطريق أمام العديد من دول المنطقة للتطبيع مع دمشق، خاصة دول الخليج التي تهدف من خلال عودة علاقاتها مع سوريا إلى تحجيم النفوذ الإيراني في البلاد، في إطار مواجهتها مشاريع إيران العدائية في الشرق الأوسط.
وتريد إيران أن تكون جزءا من أي كعكة تخص سوريا، ولذلك قد تدفع هذه التطورات الجديدة، لتنفيذ الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي أول زيارة إلى سوريا منذ عام 2011، لإظهار التأثير في أي مسار مُقبِل.
الدور الإيراني لن يفيد جهود عودة العلاقات بين أنقرة ودمشق، التي كانت تسير خطوة وراء خطوة بمساعدة الجانب الروسي
ووجدت تركيا نفسها أمام العديد من التحديات لإنجاح عملية التطبيع مع دمشق، خاصة بعد اضطرارها مؤخرا لإشراك إيران في المحادثات، ما قد يشكل خطرا على المسارات السياسية التي تسعى أنقرة إلى خلقها بالتعاون مع روسيا، خاصة إذا كانت هذه الآليات تضر بمصالح النفوذ الإيراني.
وقد تظهر خلال الفترة القادمة خلافات عديدة بين إيران وتركيا في المسارات السياسية في سوريا بعد مشاركة طهران، خاصة وأن أنقرة تريد الوصول إلى تعديل على اتفاقية “أضنة” بما يخص قدرتها على التوغل إلى داخل الأراضي السورية لمتابعة من تصفهم بـ“الإرهابيين” إلى عمق 30 كم، هذا ما قد يهدد مناطق تموضع الميليشيات الإيرانية في الشمال السوري.
ولا يبدو أن التحركات التركية الأخيرة ناجمة عن رغبة تركية بتنفيذ شروط دمشق، لكن ربما تسعى أنقرة إلى المزيد من تحفيز حكومة دمشق، للإسراع باللقاءات الثنائية، وإيصال رسائل أن أنقرة لا تزال لديها الرغبة بالتطبيع ومنفتحة على مناقشة جميع القضايا، وذلك على الرغم من التحديات الكبيرة التي تواجه عودة العلاقات بين الجانبين.
ويبدو أن مسار التطبيع بين أنقرة ودمشق لن يكون بالسهولة التي تخيلتها تركيا عندما بادرت لعودة علاقاتها مع حكومة دمشق، لتضطر لطلب مساعدة موسكو وتقديم التنازلات في هذا الإطار.
وكذلك فإن إقحام وضع القوات العسكرية التركية في ملف المفاوضات سيكون عثرة جديدة في طريق نجاح هذه المحادثات، هذا كله فضلا عن الرفض الأميركي المتواصل لأي عمليات تطبيع مع الحكومة السورية.
صحيفة العرب