تتواتر التقارير حول حصول إيران على مقاتلات SU-35 منذ أعلن المتحدث باسم مجلس الأمن القومي للبيت الأبيض جون كيربي (9 ديسمبر 2022) عن تدريب طيارين إيرانيين في روسيا عليها، وأن إيران قد تحصل على 24 مقاتلة في غضون عام. وتتناول أغلب التقديرات ما الذي يمكن أن تشكله هذه الصفقة بين موسكو وطهران من متغيرات في التوازنات العسكرية في الشرق الأوسط على المديين المتوسط والبعيد، وسط إشارات بأنها قد لا تضمن لإيران التفوق العسكري، في إطار موازين القوة الجوية الحالية في المنطقة وأنها قد تحتاج إلى مضاعفة هذه الصفقة للوصول إلى نقطة التعادل بما قد يتجاوز عقداً من الزمن.
وفي واقع الأمر، قد يبدو من المهم وقبل الوصول إلى تلك الاستنتاجات الخاصة بالتداعيات، الأخذ في الاعتبار بشكل أساسي حجم ما قد تشكله صفقة من هذا النوع من تأثير على هيكل القوة العسكرية الإيرانية أولاً، من حيث ازدواجية الهيكل الموزع ما بين الجيش والحرس الثوري الإيراني والذي يشرف بشكل أساسي على القوة الجوفضائية الإيرانية.
ومن جانب آخر، في حال نجاح إيران بالفعل في إتمام هذه الصفقة والبدء في إعادة بناء قوة جوية، من غير المتصور أن ذلك سيشعل سباق تسلح في الخليج بقدر ما سيفرض على أغلب دول الخليج تعزيز البنية الدفاعية أكثر مما هي عليه حالياً.
صفقة غامضة
بينما أشارت تقارير أمريكية وإسرائيلية إلى أن طهران قد تحصل على 24 طائرة، نقلت تقارير خليجية عن مصادر إيرانية بأن حجم الصفقة التي تعاقدت عليها طهران مع موسكو عام 2021 خلال زيارة قائد أركان القوات المسلحة اللواء محمد باقري إلى موسكو قد يصل إلى 100 طائرة، بالإضافة إلى تدريب طاقم تشغيل وصيانة يصل إلى 500 فرد، في مقابل حصول موسكو على طائرات من دون طيار وصواريخ إيرانية تحتاج إليها موسكو.
وربما يعني التفاوت الواضح في حجم الصفقة أحد أمرين: فإما أن يكون حصول ايران على 100 مقاتلة مبالغاً فيه لأهداف دعائية منها محاولة اختبار ردود فعل القوى الإقليمية التي تراقب هذه الصفقة. وربما يحتمل أن يكون هناك اتجاه لحصول إيران على صفقة كبيره على مراحل وفق برنامج طويل المدى للتسليم والتدريب والصيانة. لكن يؤخذ في الاعتبار أن ربط الصفقة بإمدادات إيرانية (درونز – صواريخ) لموسكو قد يشكك في ابرام صفقة كبيرة وطويلة المدى.
كذلك؛ يثير الغموض في حجم الصفقة، غياب التفاصيل الخاصة بمضمون التعاقد، في ظل عدم إعلان كل من موسكو وطهران تفاصيل رسمية يمكن الاعتماد عليها في هذا الصدد. لكن في كل الأحوال، من المتصور أن صفقة من هذا النوع ستمثل فرصة لكلا الطرفين، فقد أعادت الحرب الروسية-الأوكرانية هيكلة الصفقات العسكرية الروسية بشكل عام، وبالتالي قد تكون إيران خياراً رئيسياً لدى روسيا، والعكس. بالإضافة إلى أن بدائل طهران هي الأخرى محدودة في الحصول على مقاتلات نوعية بهذا الشكل، علماً بأن اعتماد ايران على تسليح روسي قد يشكل ميزة لسد الفجوة الهائلة التي تعاني منها القوة الجوية من الأساس، لكن ستظل بحاجة الى تنويع هذه القدرات، وربما تشجع صفقة من هذا النوع بين الصين وإيران.
الانعكاسات على القوة الجوية الإيرانية
كما سلفت الإشارة، في ضوء الخبرة الإيرانية، من الأهمية بمكان مناقشة الأبعاد الخاصة بالانعكاسات على القوة الجوية الإيرانية من زوايا مختلفة، لا سيما ما يتعلق بهيكل القوة العسكرية الإيرانية. فمن المؤكد أن حصول إيران على صفقة مقاتلات SU-35 هو قيمة مضافة لسلاح جوي تقادم لعقود من الزمن تقدر بعمر نظام الجمهورية الإسلامية في إيران، أي منذ عام 1979، والتي تقادمت لدرجة أصبحت صيانتها غير ممكنة، وهو ما تشير إليه معدلات حوادث المقاتلات التي تمتلكها طهران، والتي توقفت تماماً عن العمل، وهي (F-4 Phantom II وF-14 Tomcat وF-5E / F Tiger II) الأمريكية التي حصل عليها نظام الشاه قبل أن تتم الإطاحة به. وتمكنت إيران من الحصول على عدد محدود من مقاتلات MiG-29 Fulcrum في التسعينيات، لكنها لم تحقق لها الأهداف المرجوة في الهيمنة الجوية.
فيما يتعلق بهيكل القوة الإيرانية، هناك عدة مؤشرات هامة تسلط الضوء على التحديات التي تشكلها صفقة مقاتلات SU-35، لعل أبرزها طبيعة العلاقة ما بين الحرس الثوري والجيش، فسياسياً ظل هاجس موقف الجيش وتحديداً القوات الجوية من دعم النظام الإيراني عاملاً للحد من قدرات هذه القوة، فقد تم إخضاع هذه القوة بعد فترة من قيام الثورة الإسلامية. دلالة ذلك، أن إيران حصلت على عدد من طائرات (Su-22 Fitter و(Su-25 Frogfoot خلال الحرب العراقية-الإيرانية، ومع ذلك تم تسليم هذه المقاتلات للجانب العراقي عام 2014، ربما طالبت بها العراق، لكن كان الحرس الثوري حريصاً على تسليمها بدعوى دعم العراق في الحرب على الإرهاب ضد تنظيم داعش، وفي عام 2015 مع التوصل للاتفاق النووي أعلنت القوات الجوية الإيرانية أنها تعتزم الحصول على 30 مقاتلة سوخوي 30، وهي الصفقة التي أحبطها الحرس الثوري بدعوى الحاجة لتوجه الدعم لتعزيز التواجد العسكري الإيراني في سوريا، في حين أنه لا يحتاج لمقاتلات من هذا النوع لدى باقي الوكلاء، خاصة وأن التوجه الرئيسي لتسليح الحرس الثوري لوكلائه كما هو الحال في اليمن والعراق ولبنان هو إمداداهم بالطائرات من دون طيار التي تحقق الأهداف التي يسعى إليها في تلك المواقع.
لكن ربما يؤخذ في الاعتبار متغير آخر على الساحة الإيرانية، فمن حيث التوقيت بدأت طهران هذا التوجه بعد اغتيال واشنطن للرجل القوي في الحرس الثوري الإيراني قاسمي سليماني، الذي كان بمقدوره اتخاذ قرارات استراتيجية لا يمكن المجادلة بشأنها في أي من الدوائر الإيرانية، كذلك فإن تطلعات إيران لبناء موازين قوى في الإقليم ربما شكل نوعاً من الضغط على الحرس الثوري لتغيير موقفه من تسليح الجيش بشكل عام، ودون الاقتصار على القوة الجوية. فعلى التوازي مع الإعلان عن تلك الصفقة، هناك اتجاه إيراني أيضاً للحصول على غواصات روسية جديدة بسبب تقادم ثلاثة غواصات كانت قد حصلت عليها أيضاً في زمن الشاه والاتحاد السوفيتي.
يضاف إلى ذلك، أن الحرس الثوري هو نقطة ضعف في عملية التسليح الإيراني، على خلفية موقف القوى الغربية منه، ومع ذلك لا تشير التصريحات والتقديرات الغربية إلى ممانعة حصول الجيش الإيراني على تلك المقاتلات، لكن يجادل فيمن له القرار في إدارة أصول استراتيجية من هذا النوع، هل الجيش أم الحرس الثوري؟. ووفقاً لـ”طهران تايمز”، فإن عملية تدريب طواقم الطيارين في روسيا تؤكد أن من يتلقون التدريبات هم من عناصر الجيش.
ربما حسم الجدل في هذا السياق سيتوقف على عدة عوامل، في المقدمة منها توجهات السلطة الإيرانية لرسم سياسات الدفاع الإيرانية في المستقبل، والاستفادة من مرونة هيكل القوة المزدوجة، بمعنى أن صفقة من هذا النوع تشكل قيمة مضافة للقوة الإيرانية، خاصة إذا ما قبلت تقديم تنازلات في الملف النووي الإيراني، أو الملف الصاروخي، أو حتى إذا ما اضطرت إلى تقليل الاعتماد على الوكلاء في الإقليم مستقبلاً.
وبالتالي يمكنها الاعتماد على بناء قوة جوية متعددة الهيكل. لكن من الواضح أنه لا يزال من المبكر معرفة ما إذا كان حصول الجيش الإيراني على المقاتلات الروسية يشكل عامل احتواء للطابع العدواني للحرس الثوري أم لا؟. ربما تشير التقديرات المطروحة إلى العكس من ذلك. وهناك نقطة أخرى ذات صلة، وهي أن جانباً من التعاقد الإيراني-الروسي ينطوي على مقايضة للطائرات من دون طيار والصواريخ، وهي جزء من أصول الحرس الثوري التي لن يقدمها مجاناً، وبناءً على ذلك لا يمكن استبعاد اختراق الحرس الثوري للجيش كفرضية أخرى.
الانعكاسات الخارجية
لا تزال الجهود الإقليمية تنصب على مكافحة الاستخدامات العدائية للدرونز الإيرانية التي يُشغِّلٌها الحرس الثوري أو يمنحها للوكلاء في الإقليم. ربما تطورت هذه الجهود لتصبح عالمية في ظل إمداد طهران لموسكو بطائرات شاهد 136 كنوع من الدعم في حربها ضد أوكرانيا، وستظل هذه الجهود قائمة حتى مع حصول طهران على مقاتلات SU-35، حيث لن يشكل الأمر نوعاً من الإزعاج في المدى المتوسط، بل ربما سيشكل فرصة مقابلة لحصول القوى الإقليمية على مقاتلات أفضل من مصادر غربية، قد يكون من بينها الحصول على مقاتلات F35، بما يضمن لها استمرار التفوق النوعي في سلاح الجو.
لكن على التوازي، من الأهمية بمكان النظر إلى الدفاعات الجوية في الخليج، التي تتطلب الحصول على قدرات إضافية، وهي نقطة ضعف أخرى لإيران، مع توجهها لبناء نظام جوي متعدد الطبقات في السنوات الأخيرة، فقد يكون دخول مقاتلات SU-35 بحاجة إلى مراجعات فنية بشأن هذه المنظومات أيضاً، أو قد تتوجه ايران للحصول على منظومة الدفاع S400 .
ثمة عوامل أخرى تتشابك فيها الأوضاع الداخلية بالخارجية، من بينها مدى استقرار النظام الإيراني في المستقبل، ولا يتعلق الأمر في هذه النقطة بشأن خلافة المرشد الأعلى الإيراني على خامنئي، لكن أيضاً بالتوترات الداخلية التي تفرض عبئاً على الأوضاع الاقتصادية، وهو ما سيكون له تأثيرات عديدة تتعلق بتمويل الصفقات العسكرية بشكل عام.
على الجانب الآخر، إلى أى مدي ترغب روسيا في تعزيز القدرات العسكرية الإيرانية، فالمسألة هنا لا تتعلق فقط بمبيعات روسيا العسكرية، بقدر ما تتعلق بمنظور روسيا لهندسة التسليح الإيراني، وما يشكله لها من عائد على المستوى الاستراتيجي، وحساباتها للأوضاع في الشرق الأوسط. لكن وكما هو الحال بالنسبة لحالة عدم الاستقرار الداخلي في إيران في المرحلة الحالية، فإن الوضع لا يبدو مختلفاً بالنسبة لروسيا، فلا يزال من غير المعروف متى ستنتهي الحرب الروسية-الأوكرانية، بل وإلى أى مدى يمكن أن تتطور، وهو ما يفرض على روسيا الحفاظ على أكبر قدر ممكن من منتجاتها العسكرية، وهو ما سيكون جزء من حساباتها أيضاً في الصفقة.
في الأخير؛ من المتصور أن حصول إيران على صفقة مقاتلات SU-35، قد يشكل قيمة مضافة ليس فقط لإيران، في المقابل ستفيد قوى أخرى في المنطقة ترى أن كل زيادة في هيكل القوة الإيرانية يشكل تهديداً إضافياً لموازين القوى الإقليمية، ما يوفر ورقة ضغط في يدها للحصول على أسلحة غربية ربما لم تكن متاحة لها قبل إقدام إيران على تلك الخطوة، مع التأكيد على أن تلك الصفقة لا تشكل تهديداً لموازين القوى في المدى القريب، ولا يقلل ذلك من توقع ارتفاع نمو مؤشرات الإنفاق العسكري في الإقليم إلى جانب زيادة الطلب المتوقع على منظومات الدفاع.
مركز الاهرام للدراسات