هل تنتهي مرحلة الرئيس أردوغان في تركيا؟ قد تبدو الإجابة صعبة للغاية، وإن كانت للسؤال شرعية نظرية، من حيث إنه تساؤل أصبح يتردّد على معظم الألسنة، المختصّة وغير المختصة.
أصاب الترهّل حزب العدالة والتنمية، لكنه ترهل يمتد ليشمل أيضاً أحزاب المعارضة، بما فيها التي لديها إرث حزبي وسياسي عريق. وفقد الخطاب السياسي والاقتصادي للحزب بريقه الشعبي، لكن الصحيح أيضاً أن خطاب المعارضة لا يحظى بقبول شعبي واسع.
لم يعد لـ “العدالة والتنمية” أجندة وبرنامج اقتصادي وسياسي كما كان الحال قبل نحو 20 عاماً، وهذا ما يفسّر الانعطافة السياسية تجاه ملفات المنطقة، وبالأخص الملف السوري، الذي يسعى أردوغان من خلاله إلى الحصول على تأييد شعبي داخلي.
مع ذلك، يبدو أردوغان شبه واثق من فوزه في الرئاسة وفوز حزبه بالأغلبية البرلمانية لانعدام البديل أو ضعفه، سواء على مستوى الأحزاب أو الشخوص المعارضة، وربما قد جانب الصواب، حين قال إن “المعارضة التركية بقيت متأخّرة أمام سرعة التنمية في البلاد”، فالبرنامج الذي كشفت عنه المعارضة السداسية (الحقوق والعدالة والقضاء، القطاع العام، مكافحة الفساد، الرقابة والشفافية، والاقتصاد والتوظيف، العلوم، والتطوير، والتحول الرقمي والتعليم والسياسات الاجتماعية والسياسة الخارجية) جاء عامّاً وفضفاضاً.
لم يعد لـ “العدالة والتنمية” أجندة وبرنامج اقتصادي وسياسي كما كان الحال قبل نحو 20 عاماً
وعلى الرغم من أن السؤال أعلاه مركزي لمراقبين كثيرين، فضلا عن الشارع المهتم، إلا أنه ليس سؤالا سياسيا، فعملية تغير السلطة عبر البوابة الديمقراطية مسألة طبيعية ومتوقعة بشكل دائم. ومن هنا، نرى أن السؤال السياسي الأهم هو ما التغير الذي ستُحدثه المعارضة في حال وصولها إلى السلطة على الصعيدين، الداخلي والخارجي، مع ضرورة طرح سؤالٍ معرفي، ما المفيد لتركيا، هل أن يبقى “العدالة والتنمية” وأردوغان في السلطة، أم وصول حزب ورئيس جديدين إلى السلطة؟
قد يبدو أن الوقت قد حان لحدوث تغير في السلطة بعد سنواتٍ من ترهّل المؤسّسات الحاكمة، وانتشار بيروقراطية مركزية حزبية أضعفها الفساد، وتراجع حادّ في الحريات السياسية والمدنية. وقد تحوّلت تركيا خلال السنوات السابقة إلى ديمقراطية السيطرة الخالية من التنوّع والمفاوضات الحوارية التي هي في صلب الديمقراطية ـ الليبرالية، مع تراجع كبير في دور منظمات المجتمع المدني.
أفرغت حالة الستاتيكو السياسي بالمعنى الحيوي التي عمت تركيا الديمقراطية من محتواها، من حيث إن الديمقراطية ليست مجرّد عملية انتخابية، وإنْ كانت حرّة ونزيهة. وقد تبدو أسوأ مظاهر الوضع السياسي في تركيا الهوّة التي تفصل المجتمع السياسي عن المجتمع المدني ومن ثم المجتمع، فالأخير غير قادرٍ على بلورة كتلةٍ اجتماعيةٍ تتحوّل إلى كتلة سياسية تستطيع الوصول إلى السلطة خلال العقد الماضي، في حين يبدو أن جزءاً من المجتمع السياسي (الأحزاب المشاركة في البرلمان) تعيش في حالة عزلةٍ أو ضعفٍ اجتماعي وسياسي يجعلها غير قادرةٍ على التأثير في الأسفل (الشعب)، ولا في الأعلى (السلطة الحاكمة). وبين المجتمع والمجتمع السياسي، لا يجد المجتمع المدني دوراً يؤدّيه سوى المناشدات الكلامية وبعض الخطوات غير المؤثرة في تحشيد رأي اجتماعي ـ سياسي فعال. من هنا، قد يبدو من الأفضل أن يحدُث تغيير في السلطة من أجل إعادة إنعاش المؤسّسات وإنعاش الأحزاب والمجتمع المدني، بما يفسح المجال للديمقراطية التركية الناشئة أن تجيب عملياً على إشكالاتها، وتنتقل إلى طور آخر من التطور الديمقراطي ـ الليبرالي.
لن تستطيع المعارضة إجراء تغييرات كبرى في السياسة التركية الخارجية
وفيما يتعلق بالسؤال بشأن التغير الذي ستحدثه المعارضة في حال وصولها إلى السلطة على الصعيدين الداخلي والخارجي، قد تبدو الإجابة بسيطةً بخلاف ما ذهب إليه بعضهم أن الانتخابات المقبلة ستشكل تحولاً استراتيجياً في السياسة التركية إن خسر أردوغان السلطة.
لن تستطيع المعارضة إجراء تغييراتٍ كبرى في السياسة التركية الخارجية، خصوصاً في الملف السوري، إذ لن يستطيع أحدٌ تقديم تنازلاتٍ استراتيجية في الشمال السوري قبيل حل المسألة السورية، بعدما أصبح الشمال السوري عمقا استراتيجيا للأمن القومي التركي. كما أن التطبيع مع الأسد إن تقدَّمَ لن يؤدّي إلى نتائج كبرى، لا بالنسبة إلى تركيا ولا بالنسبة إلى النظام السوري، طالما بقي الشمال السوري على حالته العسكرية.
كما لن تستطيع المعارضة إن وصلت إلى السلطة من الانقلاب على العلاقة التركية ـ الروسية، وإنْ كانت ستسعى إلى إعادة الثقة بالعلاقة مع الغرب، سيما الولايات المتحدة.
قد يتعلّق التغيير الأكثر وضوحاً في الساحة الداخلية، لجهة السياسة الاقتصادية، ولجهة توسيع مساحة الحريات، لكنها تغيّرات لا أحد يعرف إن كانت حقيقية أم شكلية، فهذا منوطٌ بطبيعة المرحلة المقبلة، على مستويي الداخل والخارج.
العربي الجديد