حتى عام 2011 لم يكن باستطاعة #النظام_الإيراني الحديث عن امتلاكه وسيطرته على جميع دوائر المحور الذي يطمح لتشكيله في منطقة الشرق الأوسط. إذ لم يكن #النظام_السوري على الرغم من تحالفه مع طهران، تحت سيطرتها شبه الكاملة إن لم تكن الكاملة، وكان ما زال قادراً على المناورة بينها وبين الدول العربية، بغض النظر عن الضعف الذي أصاب دوره وموقعه نتيجة التطورات التي شهدتها الساحة اللبنانية واضطراره للانسحاب منها بعد عملية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق #رفيق_الحريري وما تعرض له من حصار.
الانتفاضة الشعبية
إلا أن اندلاع ما أُطلق عليه تسمية “الربيع العربي” وانتقاله إلى سوريا مطلع مارس (آذار) 2011، أعطى طهران فرصة ذهبية لتثبيت وتوسيع طموحاتها بالتحول إلى لاعب أساس ومحوري في أزمات الشرق الأوسط، وأن تكون قادرة على تعزيز وجودها ومواقعها على مقربة من الحدود مع إسرائيل أو استكمال الطوق على هذه الحدود من الجنوب السوري امتداداً حتى الناقورة في الجنوب اللبناني.
ولم يكن النظام ليخفي هذه الطموحات أو يعتمد المواربة في تحقيق هذا الهدف، إلا أنه أعطى الأولوية لمشاركته ودوره في سوريا والتصدي للانتفاضة الشعبية التي بدأت سلمية هناك قبل أن تتم عسكرتها بإرادة مشتركة من النظام والجهات الداعمة لهذه الانتفاضة، ما شكل خدمة للمشروع الإيراني، عبرت عنه مواقف المرشد الأعلى للنظام علي خامنئي وأيضاً مؤسسة “حرس الثورة” على لسان رئيس جهاز استخباراتها حسين طائب آنذاك، إذ اعتبر أن معركة دمشق دفاع عن طهران وأن خسارتها أصعب من خسارة محافظة خوزستان الغنية بالنفط، لأن استعادة هذه المحافظة ستكون أسهل على النظام من معركة سقوط العاصمة السورية.
بداية التدخل العسكري
أمام هذه الحقيقة، وبالتنسيق بين النظامين في طهران ودمشق، بدأ الحديث رسمياً عن مشاركة مستشارين عسكريين من “فيلق القدس” (التابع للحرس) في العمليات العسكرية إلى جانب النظام السوري، وذلك بعد الزيارة الميدانية الأولى التي قام بها قائد الفيلق قاسم سليماني، إلى دمشق واطلاعه على التقدم الذي حققته فصائل المعارضة التي باتت على مقربة من محاصرة القصر الرئاسي.
الدخول الإيراني المباشر على خط الأزمة السورية، وسع من صلاحيات “سليماني” ليتحول إلى قائد ميداني لعمليات التوسع الإيراني في الإقليم، بعدما كان يتولى مباشرة الإشراف على الساحة العراقية والتنسيق والتعامل مع الأحزاب والفصائل الموالية لإيران الممسكة بالسلطة، إلى جانب التنسيق مع “حزب الله” اللبناني ومع الساحة الفلسطينية. واستطاع سليماني في هذه المرحلة نقل الموقف العراقي المتشدد من دمشق واتهامها من قبل رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي بالوقوف وراء عمليات التفجير الانتحارية التي يشهدها العراق إلى موقف التعاون والدعم بذريعة أن “الضرورات تبيح المحظورات” وأن المرحلة تقتضي وحدة الموقف لمواجهة الجماعات المتطرفة التي مثلتها في المرحلة الأولى “جبهة النصرة” (الفرع السوري لتنظيم القاعدة)، قبل أن يسيطر تنظيم “داعش” على المشهد، ويتمكن من التوسع والسيطرة على ثلث مساحة العراق في المحافظات الغربية ويعلن الموصل عاصمة لخلافة زعيمه البغدادي.
يقول الأمين العام لـ”حزب الله” اللبناني حسن نصرالله إن قاسم سليماني زاره ليلة سقوط الموصل، أي قد يكون تاريخ هذه الزيارة بين التاسع أو الـ10 من يونيو (حزيران) 2014، وطلب منه إرسال أكثر من 100 كادر عسكري للمشاركة في المعركة ضد “داعش” وتدريب عناصر “الحشد الشعبي” العراقي وتقديم الاستشارات في التخطيط والقتال وإدارة المعارك. ولبى نصرالله طلب سليماني، وبالتالي تمكن الجنرال الإيراني من تحويل تشكيلات الحزب إلى قوة إيرانية في الإقليم، خصوصاً وأن العبء الأكبر في المعارك السورية قامت به هذه العناصر، ما أكسبها خبرة قتالية، فضلاً عن أنها استطاعت خلال معاركها السورية أن تدرب عناصر عراقية تابعة لفصائل موالية لإيران مثل “حركة النجباء” و”كتائب حزب الله” و”عصائب أهل الحق”.
استطاع سليماني تحويل “حزب الله” من لاعب على مستوى الساحة اللبنانية وفي معادلة الصراع مع إسرائيل انطلاقاً من الجنوب اللبناني، إلى قوة إقليمية تشكل ذراعاً عسكرية لـ”فيلق القدس” في “حرس الثورة”، وبالتالي قادرة على لعب أدوار محورية وأساسية في ترجمة استراتيجية المشروع الإيراني للإمساك بالإقليم، وقد شكلت معركة القصير في القلمون السوري في عام 2013 النقلة النوعية التي كرست قوة الحزب اللبناني في معادلة القوة الإيرانية أو المحور الذي تقوده طهران. إلا أن التطور الذي حصل مع تنامي سيطرة “داعش” وتوسعها، وصولاً إلى عام 2014، دفع النظام الإيراني بقيادة سليماني و”حرس الثورة” إلى البحث عن جهة لتحميلها مسؤولية المشروع الذي ينفذه هذا التنظيم الإرهابي. وهنا فإن توجيه الاتهام إلى الإدارة الأميركية بالمسؤولية عن هذا التنظيم وأهدافه، قد يدخل في باب المسلمة، لكون النظام في طهران يرى نفسه دائماً في دائرة الاستهداف الأميركي، وبالتالي فإن أي تغيير من خارج حساباته في المنطقة يسارع إلى تصنيفه في خانة العداء له واستهدافه.
ومع استبعاد الاكتفاء بتحميل إسرائيل مسؤولية رعاية المشروع الداعشي، خصوصاً وأن ما قام به هذا التنظيم يصب بالنهاية في إطار مصالح تل أبيب وطهران على حد سواء، كل من منطلقاته الخاصة وآلية توظيفه المخاطر الناجمة عن سيطرة هذه الجماعة، لذلك كان لا بد لطهران من البحث عن طرف آخر في المنطقة، ترى فيه منافساً أو تهديداً لمصالحها، من هنا جاء التركيز على المملكة العربية السعودية والهجوم الإعلامي ضدها، وبالتالي دعمت الانقلاب الحوثي في اليمن وما تلاه من تداعيات.
اندبندت عربي