مستقبل إيران والخلافات بين أركان النظام

مستقبل إيران والخلافات بين أركان النظام

بدأت العديد من التصريحات والتوقعات حول مستقبل النظام الإيراني وقابليته على مواجهة الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها ، فاستمرار التظاهرات الشعبية التي ابتدأت في منتصف شهر أيلول 2022 بعد وفاة الشابة الكردية الإيرانية( مهسا اميني) وردود الأفعال التي رافقتها وانتفضت بسببها العديد من المدن الإيرانية مطالبة بالتغيير والإصلاح في النظام الحاكم والهتاف ضد رموزه الدينية والسياسية وتحسين الأوضاع المعيشية ورفع قدرة المواطن الاقتصادية ومراجعة سياسة الدولة الخارجية وتدخلاتها الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي وإيقاف عملية الهدر المالي الذي يصرف على تنفيذ المشروع السياسي للنظام الإيراني، هذه الوقائع والأحداث تلقى اهتمام واسع لدى المتابعين للشأن الإيراني وهذا ما نراه في حديث مدير المخابرات الأمريكية( وليام بيرنز) في جامعة جورج تاون في الثاني من شباط 2023 بقوله ( أن الحكومة الإيرانية أصبحت غير مستقرة بشكل متزايد بسبب ما يحدث في البلاد) وهي إشارة للأوضاع الداخلية واستمرار الغضب الشعبي والأساليب القمعية التي تستخدم في إسكات صوت الشعوب الإيرانية وتنفيذ أحكام الإعدام بالناشطين السياسيين وشباب الانتفاضة وزج الألأف منهم في المعتقلات والسجون واستخدام العنف والبطش في مواجهة المدنيين والطلبة والشباب المنتفض ضد سياسة النظام ومؤسساته الأمنية والاستخبارية .
يمكن أن نحدد الآفاق المستقبلية التي يسعى إليها النظام وجعلها في أولوياته في الحفاظ على نظامه السياسي والتشبث بالسلطة وأحكام سيطرته على الجبهة الداخلية وتوسيع إجراءاته الأمنية ومواجهة المواقف السياسية من حلفائه الأوربيين في موضوع البرنامج النووي بعد العقوبات التي فرضت من قبل الاتحاد الأوروبي وبعض الدول الاوربية على عدد من الكيانات والمؤسسات الإيرانية في وزارتي الدفاع والداخلية واعتماد الحرس الثوري الإيراني تحت طائلة المنظمات الإرهابية.
امام هذه التطورات الميدانية شعر المسؤولين الإيرانيين بجسامة الأحداث وخطورة المستقبل على وجودهم فبدأ البعض يتحدث ويطالب بمواجهة النظام واشعاره بخطورة ما يقوم به وضرورة إيجاد الحلول الجذرية والقرارات الصائبة للحفاظ على هيكلية مؤسسة الحكم والتقرب من متطلبات أبناء الشعوب الإيرانية والاستماع إليهم ، وهذا ما تحدث به الرئيس الإيراني السابق( حسن روحاني ) في الخامس من شباط 2023 وطالب بإجراء تغيير في النظام السياسي الإيراني في ظل الاحتجاجات التي أعقبت وفاة الفتاة (مهسا اميني) مؤكدا(أن ما هو واضح اليوم هو الاستياء العام وضرورة اللجوء إلى وسائل مدنية غير عنفية والخوض في الإصلاح ولا يلام الشعب اذا ما يأس من النظام ) ، هذا الرأي السياسي صادر من رئيس حكم إيران للفترة من 1997_2005 ويتمتع برؤية إصلاحية شخص فيها الأزمة السياسية التي يعانيها النظام وعدم قدرته على مواجهتها بشكل واقعي بعيد عن العنف والقسوة والخوف والشدة التي رفضها روحاني عندنا ابدى مساندته للاحتجاجات ودعوته للإستماع إلى ضمير الشعب ، وهذا ما أشار إليه أيضا(مير حسين موسوي) رئيس وزراء إيران للأعوام من 1981_1989 وهو قيد الإقامة الجبرية الآن في رسالة له نشرت على موقعه الإلكتروني في بداية شهر شباط 2023 معتبرا أن النظام يعيش أزمة متداخلة اقتصادية واجتماعية وبيئية وثقافية وإعلامية ومشروعية داعيا إلى استفتاء حر وعادل وصياغة دستور جديد .
ثم حديث المساعد السابق للرئاسة الإيرانية في حكومة حسن روحاني(محمد رضا صالحي) خلال اجتماع للاصلاحين في التيار المحافظ حذر فيه من الانهيار الداخلي للنظام مطالبا بتحديد صلاحيات المرشد الأعلى علي خامنئي عبر تسجيل صوتي نشر في 30 كانون الثاني 2023 من قبل موقع (إيران ناشيونال) .
يمكن قراءة خطورة هذه التصريحات أنها تأتي في وقت يشهد أزمة دولية يعانيها النظام بعد المعلومات التي أشارت إلى قيامه بتزويد روسيا بالطائرات المسيرة والصواريخ الموجهة مما أغضب الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوربية المشاركة في جولات الحوار حول البرنامج النووي وأزمة اقتصادية يعيشها منذ سنوات تتعلق بتأثير العقوبات الاقتصادية الأمريكية وعدم قدرته على القيام بالتعاملات التجارية وتصدير حصته المقررة من النفط والغاز بالكميات التي كان عليها عام 2018 وسخونة الأوضاع الداخلية واشتداد المواجهة مع الانتفاضة الجماهيرية للشعوب الإيرانية وانهيار العملة المحلية وزيادة التضخم المالي وتفشي الفساد وظاهرة الفقر والبطالة في المجتمع الإيراني وسوء إدارة الأزمات وعدم وجود الحلول الناجحة لها.
والأهم في حديث صالحي انه يطالب بإجراء استفتاء بشأن العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية وإحياء الاتفاق النووي وحظر تدخل المؤسسات العسكرية في الشؤون السياسية ، وهذا التوجيه يعتبر انقلاب داخلي حول سياسة النظام الداخلية والخارجية والدعوة للأنفتاح وبناء علاقات دولية مشتركة مع الإدارة الأمريكية للحد من الأزمة الاقتصادية ورفع العقوبات عن النظام والحد من التدخلات التي تقوم بها قيادات الحرس الثوري الإيراني في توجيه السياسة العامة للنظام وفقا لمصالحها وأهدافها ومشروعها التوسعي الإقليمي بما يكلف القيادة الإيرانية تبعيات كثيرة ومواقف جسيمة تتنافى ومبادئ العلاقات الدولية والإقليمية بين بلدان العالم .
يبقى المحور الاساسي في كيفية التعامل مع سياسة النظام الإيراني التي تعاني تباين واضح في طبيعة استمرارها وتعاملها مع الأحداث الميدانية والتطورات السياسية وعدم قدرتها على اتخاذ القرارات المناسبة بسبب الاختلافات الواسعة في الرؤى داخل أروقة النظام والقيادات السياسية والحزبية في النظر لمستقبل النظام وهذا ما تعانيه منظومة الحكم الآن، كذلك التعثر الذي تبديه السياسة الأمريكية في تحديد خياراتها تجاه إيران بسبب الخوف من المجازمة والمخاطرة والتجارب السابقة في استخدامها للقوة في ردع نشاطات إيران النووية والأمنية وبرنامج الصواريخ البالستية والتمدد والنفوذ الإقليمي والحد منها ،فهل يتم تغيير هذا التعثر الأمريكي في التعامل مع إيران وهل سيكون لمعارضة رجال الحكم دورا في انهيار النظام وتغيير منظمومته الكاملة؟؟.
هذا ما ستثبته الأحداث والمتغيرات السياسية القادمة في منطقة الشرق الأوسط .

وحدة الدراسات الايرانية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية