منذ وقوع الزلزال الإثنين الماضي في سورية وتركيا، توالت التصريحات من مسؤولين في الأمم المتحدة عن ضرورة عدم “تسييس المساعدات الإنسانية”.
أبرز هذه التصريحات كان للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، في تصريحات لـ”العربي الجديد”، خلال مؤتمر صحافي في نيويورك عقده الخميس للإعلان عن بدء دخول قوافل المساعدات للشمال السوري، حيث مناطق سيطرة المعارضة، عبر باب الهوى الحدودي مع تركيا.
وقال غوتيريس “من الضروري أن يتحد الجميع في هذه اللحظة إنها ليست لحظة انقسام أو تسييس، ومن الواضح أننا نحتاج إلى دعم هائل”. وأكد غوتيريس أنه “سيكون من دواعي سروري لو اتفق مجلس الأمن الدولي وسمح بتقديم المساعدات عبر معابر حدودية إضافية (لمعبر باب الهوى) في وقت نحتاج فيه لرفع قدرتنا على توصيل المساعدات عبر خطوط التماس إلى إدلب من دمشق”.
لكن طلب غوتيريس من مجلس الأمن للسماح بفتح معابر إضافية، لم يلقَ رداً سريعاً من المجلس يتناسب مع حجم الكارثة وضرورة إيصال المساعدات بكل الطرق الممكنة وبأسرع ما يمكن، فالمجلس لا يبدو مستعجلاً. وأعرب بعض الدبلوماسيين يوم الجمعة الماضي عن إحباطهم من تباطؤ مجلس الأمن. ونقلت وكالة “رويترز” عن دبلوماسي في الأمم المتحدة، لم تسمه، أن “هناك إحباطاً من التباطؤ في هذا الأمر. قال الأمين العام إننا بحاجة إلى المزيد من المعابر. يحتاج مجلس الأمن الدولي إلى تكثيف الجهود وإنجاز المسألة”.
مجلس الأمن ينتظر غريفيث
وعلى الرغم من دعوة كل من سويسرا والبرازيل لعقد اجتماع الأسبوع المقبل، حيث يحمل البلدان الملف الإنساني السوريفي مجلس الأمن، لكن الاجتماع سيكون في الغالب بعد أكثر من أسبوع من الزلزال.
وستأتي الإحاطة بعد عودة منسق الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة، مارتن غريفيث، من زيارة إلى المناطق المنكوبة التي يزورها نهاية الأسبوع، بحسب ما أكدت السفيرة السويسرية، باسكال بيريسويل، خلال مؤتمر صحافي عقدته في مقر الأمم المتحدة في نيويورك. لكن المتحدث الرسمي باسم الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، قال إن غريفيث يمكن أن يقدّم إحاطته عبر تقنية الفيديو ولا يحتاج للعودة إلى نيويورك لذلك. وحتى لو حدث هذا بالفعل، فإن الاجتماع لن يُعقد قبل يوم غد الإثنين، أول يوم في الأسبوع في نيويورك.
السفيرة السويسرية: على جميع الأطراف تسهيل وصول المساعدات إلى جميع المحتاجين وبدون عائق
السفيرة السويسرية شددت خلال مؤتمرها الصحافي المقتضب مع السفير البرازيلي رونالدو كوستا فيلهو على ضرورة أن تسهّل “جميع الأطراف وصول المساعدات إلى جميع المحتاجين وبسرعة، وبدون عائق، وبشكل مستمر في جميع أنحاء سورية. إننا نحتاج لجميع الطرق المتاحة، عبر خطوط التماس والنقاط العابرة للحدود (باب الهوى)”.
من جهته وصف كوستا فيلهو، زيارة غريفيث للمناطق المتأثرة بالزلزال بأنها ستلقي الضوء على حجم الاحتياجات ونوعيتها والخطوات المقبلة. وحاول السفيران الدفاع عن عدم عقد مجلس الأمن أي اجتماعات حول الموضوع بحجة ضرورة انتظار عودة غريفيث.
وشرح السفير البرازيلي أن “القرار حول الخطوات التي يجب اتخاذها من أجل تقييم العمليات الإنسانية (وحجمها) يتعلق بالحصول على معلومات موثوقة، ولهذا فإن زيارة وكيل الأمين العام مارتن غريفيث، أمر أساسي”.
وأضاف: “سيقوم (غريفيث) بإجراء تقييم للوضع على الأرض، حول المعوقات التي تحول دون تقديم المساعدة، وكيف يمكن لأعضاء المجلس أن يعالجوا ذلك على أفضل وجه. علينا أن نعمل على أساس المعلومات”. وشدد على أن رد الفعل “لا يمكن أن يكون متسرعاً ومرتبطاً بما تتناقله الصحافة. علينا أن نعرف بوضوح شديد، ما هو الوضع، وما هي نوعية الاستجابات الصحيحة”.
محاولة للحصول على موافقة النظام السوري
لكن ما لا يقوله السفراء علناً حول التأخر باتخاذ قرار لإدخال المساعدات، تشير إليه مصادر دبلوماسية تفضّل عدم ذكر اسمها. وأكد مصدر دبلوماسي غربي رفيع المستوى في مجلس الأمن الدولي، لـ”العربي الجديد”، أن الأمم المتحدة تحاول الحصول على “موافقة النظام السوري لإدخال المساعدات العابرة للحدود عبر معبر باب السلام الحدودي مع تركيا، على الأغلب، إضافة إلى معبر باب الهوى الحدودي”.
وأكد المصدر أن من ضمن أهداف زيارة غريفيث، محاولة إقناع النظام بفتح معابر إضافية لفترة محددة، مما يعني أن الدول الأعضاء في مجلس الأمن لن تحتاج للتفاوض مع روسيا من أجل السماح بفتح معابر إضافية لباب الهوى، من أجل إيصال المساعدات إلى المناطق التي تسيطر عليها المعارضة”.
مصدر دبلوماسي: الأمم المتحدة تحاول إقناع النظام بإدخال المساعدات عبر باب السلام وبالتالي عدم التفاوض مع روسيا
في المقابل، قال نائب السفير الروسي لدى الأمم المتحدة دميتري بوليانسكي الجمعة إن تفويض المجلس الحالي الذي يقصر الشحنات على معبر باب الهوى، كافٍ، وإنه يمكن توسيع عمليات التسليم عبر الخطوط الأمامية للوصول إلى المحتاجين. وأضاف، بحسب ما نقلت عنه “رويترز”: “سنستمع إلى غريفيث حين يعود”.
ومعبر باب الهوى الحدودي مع تركيا، هو الوحيد الذي وافقت روسيا على إدخال المساعدات منه إلى المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، وفق تفويض استثنائي لنقل المساعدات أقر في مجلس الأمن الدولي.
وذكر مصدر غربي ثانٍ رفيع المستوى في مجلس الأمن، لـ”العربي الجديد”، أنه “لا يتم العمل حالياً على صياغة مشروع قرار، ولكن إن قررنا فلن تكون الصياغة معقّدة بل بسيطة، ولن تأخذ الكثير من الوقت، ولكن من الأفضل ألا نضطر للطلب من الروس ذلك عبر التفاوض على مشروع قرار”. وأضاف: “لكننا ننظر بشكل عاجل لإمكانية أخرى لإدخال المساعدات”، من دون أن يحدد ماهيتها.
واستبعد مصدر أممي ثالث، لـ”العربي الجديد”، أن يحالف الحظ غريفيث، قائلاً “ما سمعته حتى الآن أن النظام السوري يرفض ذلك بشكل قاطع، وسيكون مفاجئاً لو تمكن غريفيث من إقناعه، ولكن أتمنى أن ينجح”.
في المقابل، نقلت وكالة “رويترز” عن مسؤول أميركي لم تسمه، أنه بعد تصريحات غوتيريس الخميس ودعوات منظمات الإغاثة، تضغط الولايات المتحدة على مجلس الأمن لاعتماد قرار آخر “قد يسمح بمعابر حدودية إضافية حتى تتمكن الأمم المتحدة من الوصول إلى المناطق المحتاجة”.
وكانت منظمة “هيومن رايتس ووتش” قد دعت الأمم المتحدة إلى الاستغناء عن إذن مجلس الأمن، معتبرة أنه ليس ضرورياً. وقال مندوب المنظمة لدى الأمم المتحدة لويس شاربونو على “تويتر”: “إذا وصل مجلس الأمن إلى طريق مسدود، فعلى الأمم المتحدة الضغط للتعامل مع الأزمة ومساعدة الضحايا إذا اعتبرت ذلك ممكناً وآمناً”.
وتقدّم الأمم المتحدة مساعدات للمناطق التي تسيطر عليها المعارضة عن طريق دمشق، أو ما يعرف بـ”خطوط التماس”، ولكن نسبتها ضئيلة مقارنة بتلك التي تقدمها عبر الحدود التركية، كما أن تكلفتها عالية وتحتاج التنسيق بشكل أكبر ويأخذ إدخالها وقت أطول. كما يضع النظام الكثير من الشروط والمعوقات على تلك المساعدات عندما تمر عبر المناطق التي يسيطر عليها.
وكانت الحكومة التابعة للنظام السوري قد أعلنت الجمعة بعد اجتماع لها أنها “وافقت على إيصال المساعدات الإنسانية إلى جميع أنحاء سورية، بما في ذلك عبر الخطوط من داخل الأراضي التي تسيطر عليها الدولة إلى المناطق التي تقع خارج السيطرة”، وفق وكالة “سانا” التابعة للنظام. وأضافت أن الحكومة “أكدت أن إشراف الصليب الأحمر الدولي والهلال الأحمر السوري على توزيع هذه المساعدات بمعونة منظمات الأمم المتحدة سيكفل وصول هذه المساعدات إلى مستحقيها”.
انعكاسات الخلافات حول أوكرانيا
ولا يُخفى على أحد توتر العلاقات بين الدول الغربية وروسيا، لا سيما مع اقتراب الذكرى السنوية الأولى لبدء الاجتياح الروسي لأوكرانيا.
ومن المتوقع أن يشهد مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة عدداً من الاجتماعات حول هذا الملف، بالإضافة إلى العمل على مشروع قرار للجمعية العامة حول “خطة سلام” ما زالت تفاصيلها غير واضحة، خصوصاً أن الدول الغربية التي تفاوض على المشروع تريد أن يحصل على أكبر تأييد ممكن بين الدول. مما يعني أنها تريد أن تبقي “الجبهة السورية” في مجلس الأمن هادئة قدر الإمكان، وأن تحرم روسيا من تسجيل نقاط عن طريق موافقتها على مشروع قرار يسمح بفتح معابر إضافية.
تريد الدول الغربية عدم منح روسيا نقاطاً عبر الحاجة لموافقتها على مشروع قرار لفتح معابر إضافية
وعلى الرغم من نقاش دول أعضاء في مجلس الأمن لإمكانية طرح مسودة قرار، إلا أن تلك المشاورات كانت غير رسمية ومقتضبة، بحسب مصدر دبلوماسي مطلع في مجلس الأمن تحدث لـ”العربي الجديد”.
وأعرب المصدر عن إحباطه لأن قضية المساعدات “يتم تسييسها، في الوقت الذي بجب فيه عدم تسييس تلك المساعدات، لأن هناك حاجة ماسة لنقطة إضافية. إذا لم يوافق النظام، علينا أن نتحرك بسرعة ونعمل على مشروع قرار”. لكن هذه “السرعة” تبرح مكانها وتعني المزيد من الانتظار والوقت والمعاناة المستمرة للمحتاجين من السوريين.
العربي الجديد