تجمع الأوساط الإيرانية، السياسية والإعلامية، الموالية والمعارضة، على وصف العلاقة بين إيرانو#الصين، بمناسبة زيارة الرئيس الإيراني #إبراهيم_رئيسي إلى بكين، بأنها علاقات ليست مستجدة، بل تذهب في التاريخ عميقاً، ما يجعلها قديمة متجددة.
يرجع ذلك إلى الانطلاق من خلفية العلاقة التي كانت تربط بين آخر الملوك الفرس كسرى يزدجرد وأمبوراطور الصين آنذاك، التي عبرت عنها حادثة طلب يزدجرد المساعدة من الإمبراطور لمحاربة المسلمين الذين استولوا على ملكه.
وبعيداً من هذه الحادثة التي تحمل مدلولات ثقافية وقومية وتحديات وجودية، فإن الطموح الإيراني المستنفر في هذه المرحلة التاريخية المعاصرة، يسعى لإعادة إحياء البعد الاقتصادي في العلاقة التاريخية التي نسجها ورسم معالمها “طريق الحرير” الذي ربط الصين تجارياً واقتصادياً بعمقها الآسيوي وتشعباته وامتداداته على مختلف الاتجاهات.
مسارعة القيادة الإيرانية للموافقة على تلبية الدعوة التي وجهها الرئيس الصيني شي جينبينغ لنظيره الإيراني، والتي حملها مساعد الرئيس في زيارته إلى طهران بعد أيام على زيارة الرئيس الصيني إلى السعودية، وملامح الأزمة التي برزت بين بكين وطهران على خلفية البيان المشترك للقمة الخليجية – الصينية، والتي دان فيها الدور المزعزع لإيران في المنطقة واستمرار احتلالها للجزر الإماراتية الثلاث، ما يجعل هذه الزيارة في البعد الصيني محاولة لترميم الصدع الذي أصاب العلاقة مع طهران، وفي البعد الإيراني محاولة النظام لإعادة تعريف العلاقة مع بكين وترسيخ أسس التحالف معها، الذي يتجاوز في أبعاده ما حصل من سوء تفاهم، وتتسع لتشمل عديداً وكثيراً من الملفات الدولية وتشكل الساحة الإقليمية جزءاً منها.
ويحاول النظام الإيراني وضع وإدراج الزيارة إلى إلصين، في إطار المساعي التي يبذلها لبناء منظومة مصالح وسياسة إقليمية تخدم رؤيته في تعميق التوجه نحو الشرق، في مقابل البقاء في حالة انتظار الدول الغربية التي أخلت بكثير من تعهداته، لذلك لا تبدو البراغماتية الإيرانية والتفكير بالمصالح القومية والوطنية أمراً مستهجناً ومستغرباً، بخاصة في القرار الذي اتخذته بابتلاع الموقف الصيني الذي صدر خلال الزيارة الخليجية، والعبور عنه من أجل المصالح الاستراتيجية للنظام، أو حسب تعبير وزير الخارجية حسين أمير عبداللهيان، بأن النظام سيقيم علاقاته وسيكون في أي بلد تكون فيه مصلحة إيران وشعبها، وأن هذه المصالح تتحقق من طريق تعزيز علاقتها مع محيطها في منطقة غرب آسيا وامتدادها الصيني – الروسي.
الطابع الاقتصادي للوفد المرافق لرئيسي والهدف المعلن للزيارة بتنفيذ اتفاقية التعاون الاقتصادي الاستراتيجية بقيمة 400 مليار دولار على مدى 25 سنة، يعني تخلي إيران عن الطوباوية في النظر على علاقتها مع الصين أو حلفائها، وأن التثبيت للحيز المشترك في المصالح الاستراتيجية والاقتصادية بين البلدين يشكل أولوية للنظام، وهذا يعني أن طهران ستكون مجبرة على التعامل بإيجابية مع التطورات التي حصلت في العلاقات الصينية مع محيط إيران الخليجي وتحديداً السعودية، وعدم اعتبار هذه التطورات تستهدف أو تؤثر سلباً في علاقتها مع بكين.
وينطلق النظام الإيراني في تمسكه بالعلاقة مع الصين، من عبارات متعددة ومتداخلة، فهو بالدرجة الأولى يحاول تفهم مساعي الصين لتنويع مصادرها لسد احتياجاتها من الطاقة، بالتالي يأتي التعاون في قطاع النفط على رأس أولويات هذه الزيارة والبعد الأهم في هذه العلاقة، التي تشكل الصين فيها الشريك الاقتصادي الأكبر لإيران والنظام.
وترى طهران أن العقوبات الأميركية المفروضة على إيران والصين وموسكو، تشكل دافعاً مشتركاً لهذه الدول في بناء تحالف يقوم على تأمين المصالح المشتركة، وإيجاد وخلق طرق بديلة وجديدة للالتفاف على العقوبات الأميركية، من هنا يمكن فهم وجود رئيس البنك المركزي الإيراني الجديد في عداد الوفد، الذي يهدف إلى وضع أسس التعامل بالعملات المحلية بديلاً عن الدولار في الاتفاقيات والصفقات التي سيتم التوقيع عليها، بخاصة وأن خطوة مماثلة قد جرى التوقيع عليها مع موسكو قبل أشهر في الاتفاقيات التجارية والتنقيب عن النفط والبنى التحتية الاستراتيجية. وإضافة لما يمكن أن تقدمه طهران من فرص استثمارية كبيرة للصين وروسيا، في ظل المواجهة التي يخوضها هذا المحور مع الولايات المتحدة الأميركية، فإن الموقع الجيوسياسي لإيران يشكل حاجة لدى بكين وموسكو كطرق مواصلات من الصعب تعويضها في مبادرة الحزام والطريق، وأيضاً في استراتيجيتهما من أجل الوصول إلى المياه الدولية أو المياه الدافئة.
وفي الوقت الذي تعتقد طهران، أن من الخطأ الاعتقاد بأن الصين ستضع كل “بيضها” في السلة الإيرانية، أي أن تعمد إلى تحجيم أو التخلي عن علاقاتها مع الدول الأخرى، لا سيما الدول الخليجية من أجل العلاقة مع إيران، فإن اعتقاداً آخر داخل دوائر النظام، يرى ضرورة التعامل المصلحي والواقعي مع الصين، أي ألا يعمد النظام إلى وضع كل “بيضه” في السلة الصينية وأيضاً في السلة الروسية، وأن سياسة الانفتاح على الشرق لا يجب أن تخرج عن مبدأ التوازن والبحث عن المصالح الاستراتيجية والوطنية، وأن أي اتفاق مع الصين يجب أن يقوم على مبدأ “رابح – رابح” بحيث يتم الحفاظ على المصالح الإيرانية والعمل على إبعاد هذا الاتفاق وأي اتفاق غيره من التأثيرات الأخرى، وألا يكون متداخلاً أو متأثراً بمصالح الدول الإقليمية.
اندبندت عربي