انقسم محللون واقتصاديون عند تحليل أرقام ومؤشرات الاقتصاد الكلي للشهر الأول من هذا العام التي صدرت في معظم #الاقتصادات_الرئيسة حول العالم، إذ دار الانقسام حول احتمالات الركود الاقتصادي العالمي هذا العام، كما كانت تشير #التوقعات في نهاية العام الماضي.
وبعد استثناء بريطانيا أظهرت أرقام ومؤشرات وبيانات الاقتصاد في كتلتي الغرب الرئيستين، أميركا وأوروبا، أن الأولى صاحبة أكبر اقتصاد في العالم قد تتفادى الركود هذا العام، وكذلك الحال في اقتصاد دول منطقة اليورو على رغم تبعات الحرب في أوكرانيا التي تكمل عامها الأول، الأسبوع المقبل.
التقديرات وإن كانت متفائلة إلا أنها مشوبة بالحذر، مع احتمال التباطؤ الاقتصادي بالقدر الذي لا يؤدي إلى ركود أو كساد، وإنما يجعل البنوك المركزية في الاقتصادات الرئيسة قادرة على إدارة هذا التباطؤ، عبر الاستمرار في تشديد السياسة النقدية (رفع سعر الفائدة وسحب السيولة من السوق) لكبح جماح التضخم.
في غضون ذلك، جاءت أرقام التضخم في الاقتصاد الأميركي، التي صدرت هذا الأسبوع، مرتفعة بالقدر الذي جعل المستثمرين يتخلون عن سلوك التفاؤل، في شأن بدء الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) في التوقف عن رفع أسعار الفائدة بقوة، بالتالي شهدت تعاملات نهاية الأسبوع في أسواق “وول ستريت” بنيويورك والأسواق الرئيسة حول العالم بعض التراجع، في المقابل جاءت أرقام مؤشر إنفاق المستهلكين إلى حد كبير متسقة مع التوقعات السابقة، خصوصاً مع توجه “الفيدرالي” الذي أعلن عنه في اجتماعه الأخير بأنه مستمر في رفع أسعار الفائدة هذا العام، وإن كان بمعدلات أقل قوة.
ركود أم لا ركود؟
النبرة التي يتحدث بها “الفيدرالي” دفعت معظم البنوك الاستثمارية والمؤسسات المالية الكبرى إلى تعديل توقعاتها للنمو الاقتصادي والتضخم، هذا الأسبوع، إذ زادت ارتفاعاً مقارنة بتوقعات سابقة قبل شهرين، وعلى رغم ذلك يظل الانقسام قائماً بين الاستراتيجيين والمحللين في السوق، حول حدوث ركود في الاقتصاد الأميركي هذا العام، أو حدوث تباطؤ نمو فحسب، لكن الجديد خلال اليومين الماضيين، هو الزيادة الكبيرة في نسبة المستثمرين الذين يتوقعون ألا يحدث ركود ولا تباطؤ في ضوء البيانات التي تؤكد مرونة الاقتصاد الأميركي وقدرته على تفادي التوجه السلبي هذا العام.
ويعني ذلك استمرار “الفيدرالي” في رفع سعر الفائدة إلى أعلى من مستوى نسبة 4.5 في المئة حالياً، كما قدر موقع مؤشر “ناسداك 100” في تحليل له، أمس الجمعة، لكن التحليل خلص إلى أن الأسواق ما زالت مترددة بين أيهما أكثر تأثيراً في أسعار الأسهم وحركة المؤشرات الرئيسة للسوق: سعر الفائدة أم النمو الاقتصادي؟
وفي أحدث مسح أجراه “بنك أوف أميركا” لمديري الصناديق أظهر أن تشاؤم المستثمرين في شأن النمو الاقتصادي تراجع بشدة، بعد أن بينت نتيجة المسح أن 24 في المئة من مديري الصناديق يتوقعون ركوداً في الاقتصاد هذا العام، مقارنة بـ77 في المئة في مسح مماثل في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.
الاقتصاد الأوروبي
في تلك الأثناء نشر موقع “المنتدى الاقتصادي العالمي” (دافوس)، أمس الجمعة، تقريراً يشير إلى أن اقتصاد دول منطقة اليورو ربما يتفادى الركود الاقتصادي هذا العام، وإن كان معدل النمو ضعيفاً، وجاء ذلك بعد أن أعلنت المفوضية الأوروبية، هذا الأسبوع، أن “اقتصاد دول الاتحاد الأوروبي سينمو بشكل معقول هذا العام”، متوقعة أن “النشاط الاقتصادي في دول الاتحاد لن ينكمش (أي نمو بالسالب) في الربع الأول من هذا العام، ويعني ذلك أن اقتصاد دول المجموعة سيتفادى الركود هذا العام، كما تتوقع المفوضية الأوروبية أن “ينمو اقتصاد دول منطقة اليورو بنسبة 0.8 في المئة في المتوسط خلال العام الحالي، مقابل نمو بنسبة 0.3 في المئة في تقديرات المفوضية الصادرة في نوفمبر الماضي”.
وأرجعت المفوضية ذلك التحسن في التوقعات والتقديرات إلى انخفاض أسعار الغاز الطبيعي بقوة في أوروبا، إضافة إلى الدعم المقدم من حكومات دول الاتحاد الأوروبي للاقتصاد عموماً، وأيضاً استجابة إنفاق الأسر البريطانية للتحديات الاقتصادية بشكل جيد.
سوق العمل
أضافت المفوضية الأوروبية لدى إعلانها التوقعات المتفائلة أن “سوق العمل في دول الاتحاد الأوروبي تواصل الأداء الجيد، إذ تظل معدلات البطالة عند أدنى مستوياتها بنسبة 6.1 في المئة في شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي”، مستدركة أن “اقتصاد دول الاتحاد الأوروبي ما زال يواجه تحديات، وأن عدم اليقين المحيط بتلك التوقعات يظل مرتفعاً”.
وارتفعت معدلات التضخم في دول مجموعة اليورو في شهر يناير (كانون الثاني) الماضي، مما يشير إلى أن البنك المركزي الأوروبي سيواصل رفع أسعار الفائدة هذا العام، لكن الجديد في التوقعات أن ذلك ربما لا يؤدي إلى انكماش النشاط الاقتصادي بالشكل الذي كان متوقعاً من قبل، مما يعني زيادة احتمال تفادي الركود في الاتحاد الأوروبي، وهو ما توقعته المفوضية أيضاً، إذ تنبأت بانخفاض معدلات التضخم في دول أوروبا إلى 6.4 في المئة هذا العام، مقابل 9.2 في المئة في المتوسط العام الماضي.
الاقتصادات الصاعدة تعاني
تبقى الأعين الآن مركزة على توقعات نمو الاقتصاد الصين، ثاني أكبر اقتصاد في العالم، خصوصاً بعد إعادة الصين فتح اقتصادها كاملاً، إثر موجة الإغلاق الأخيرة العام الماضي، بسبب الموجة الجديدة من انتشار وباء كورونا في البلاد، كما أن الحرب في أوكرانيا، وما صاحبها من عقوبات اقتصادية غير مسبوقة على روسيا، علاوة على التوتر بين الصين والولايات المتحدة واحتمالات فرض عقوبات اقتصادية إضافية على الصين، أدت إلى تضرر اقتصادات الدول الصاعدة والنامية بشكل أكبر من الدول الغربية والاقتصادات الغنية.
ووفقاً لبيانات صندوق النقد الدولي، أخيراً، فإن أسعار المستهلكين ارتفعت العام الماضي في الدول الغنية بنسبة 7.3 في المئة، لكنها ارتفعت في الدول الفقيرة بنسبة 9.9 في المئة في المتوسط. وتعليقاً على ذلك، قالت وكالة “أسوشيتد برس” في تقرير، إن “التأثيرات الاقتصادية السلبية للحرب في أوكرانيا كانت أكبر بكثير على الدول الصاعدة والنامية منها على الدول المتقدمة الغنية”، مستشهداً بأمثلة لدول عدة تأثرت، خصوصاً تلك التي تعتمد إلى حد كبير على استيراد الحبوب والأسمدة وغيرها من المنتجات بشكل أكبر من روسيا وأوكرانيا، وتضررت اقتصادها بشدة من الحرب في أوكرانيا، خلال العام الماضي، وتناول التقرير أوضاع الاقتصاد في دول مثل مصر ونيجيريا وغيرها، هذا إلى جانب الأزمة الكبيرة التي حلت على الاقتصاد التركي الذي سيبدأ في المعاناة نتيجة كارثة الزلزال الأخيرة، وتحمل كلفتها الاقتصادية.
اندبندت عربي