تعد #إيران أكثر دول الإقليم التي حاولت الاستفادة من الفرص التي قدمتها #الحرب الروسية – الأوكرانية، فنظراً إلى اعتبارات العلاقة بين روسيا وإيران فرضت الحرب على طهران تداعيات بعضها حمل فرصاً والآخر تحديات، وقد تطورت تلك التداعيات مع تطور موقف #إيران من الحرب ذاتها، لذا فمن المهم أولاً الوقوف على موقف إيران من الحرب الروسية – الأوكرانية، ثم تناول تداعيات الحرب عليها من مختلف المستويات.
أولاً: موقف إيران من الحرب
تمحور موقف إيران من الحرب في بدايتها حول ثلاثة مواقف، وهي عدم إدانة روسيا بل تحميل #روسيا وأوكرانيا مسؤولية الحرب، وإدانة سياسات الغرب تجاه بعض الدول، لا سيما سياسات الـ “ناتو”، وأخيراً الامتناع من دعم روسيا في الأمم المتحدة، إذ غابت بعثتها عن التصويت فى الجمعية العامة للأمم المتحدة لمصلحة روسيا.
ومع تطور الحرب وكشف معلومات حول إمداد إيران روسيا بمسيرات إيرانية تستخدم لمهاجمة البنية التحتية الأوكرانية، انخرطت إيران في الحرب إلى جانب روسيا منذ ذلك الوقت.
ثانياً: كيف تلقت إيران درس الحرب الأوكرانية؟
قال نائب رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية اللواء عزيز ناصر زاده إن “الدرس الرئيس من حرب أوكرانيا هو أنه لا يمكنك أن تغمض عينيك عن أهمية عنصر الردع وتتحدث عن الحد من قوتك الصاروخية العسكرية”، كما أدلى عدد من المسؤولين في إيران بتعليقات مماثلة مؤيدة للرواية القائلة بأن “الحرب هي مصير أية دولة تتخلى عن قدراتها الرادعة للخصوم وتعتمد على ضمانات أمنية من قوى أجنبية”، ويلفتون دائماً إلى “مذكرة بودابست” لعام 1994، التي نقلت فيها أوكرانيا الصواريخ الإستراتيجية السوفياتية السابقة والأسلحة النووية إلى روسيا في مقابل ضمانات أمنية، وما سبق يعني أن إيران لن تتخلى خلال أية مفاوضات مع الغرب عن ترسانتها الصاروخية أو قدراتها النووية التي تطورها حتى هذه اللحظة، وستتفاوض انطلاقاً من الوضع القائم.
ثالثاً: تداعيات الحرب على إيران
التداعيات على الملف النووي وتراجع الأولوية
منذ بداية الحرب بين روسيا وأوكرانيا أعاقت المعارك المفاوضات المتعلقة بإحياء الاتفاق النووي الإيراني، وفي ظل العقوبات الغربية على روسيا طالب الروس بضمانات بألا تؤثر العقوبات المتعلقة بالصراع الأوكراني في التجارة بين موسكو وطهران، ومع انخراط إيران في الحرب ودعم روسيا بالمسيرات تراجعت أولوية العودة للمفاوضات لإحياء الاتفاق لدى كل من واشنطن والدول الأوروبية، وتوالت المواقف الأوروبية المتشددة ضد إيران التي يبدو معها تراجع أولوية الملف النووي في مقابل تصدر أولوية وقف الدعم الإيراني لروسيا بالمسيّرات خلال الحرب في أوكرانيا، فالخطوات الأوروبية كلها تعكس كيف انتقلت إيران من كونها تحدياً محتملاً لأوروبا إلى تهديد أمني فعلي لها، ومن ثم صار اتخاذ خطوات فعالة ضرورة ملحة للتعامل مع برنامج الطائرات من دون طيار الإيرانية التي تصل إلى الروس، إذ باتت طريقة الحصول على مكوناتها وتصنيعها وإمدادها لروسيا الأولوية الأمنية الملحة للإدارة الأميركية، وقد عملت إيران على توظيف الحرب بأن يكون لها دور نشط أوسع خارج إقليم الشرق الأوسط لتمتد أوراق الضغط التي تمتلكها في مواجهة واشنطن إلى الساحة الأوروبية.
فرضت بعض الدول الأوروبية وواشنطن عقوبات على أشخاص وكيانات إيرانية مرتبطة بتصنيع المسيرات الإيرانية، كما صوّت البرلمان الأوروبي على إدراج الحرس الثوري على قائمة المنظمات الإرهابية، بل وتدرس بعض الدول الأوروبية حالياً إمكان تصنيف الحرس الثوري كمنظمة إرهابية، وعملت لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي منذ يونيو (حزيران) الماضي على تعديل قانون مكافحة أعداء أميركا من خلال العقوبات (CAATSA) المتعلق بإيقاف الطائرات من دون طيار الإيرانية. ويستهدف التعديل منع إيران وأية جماعات إرهابية أو ميليشيات متحالفة معها من الحصول على طائرات من دون طيار، فقد تبين أن 82 في المئة من مكوناتها تم تصنيعها بواسطة شركات مقرها الولايات المتحدة، فشكلت إدارة جو بايدن فريق عمل للتحقيق في كيفية وصول المكونات الأميركية والغربية، بما في ذلك الإلكترونيات الدقيقة الأميركية الصنع إلى المسيرات الإيرانية التي تطلقها روسيا بالمئات على أوكرانيا، وباتت وواشنطن تدرك أن العقوبات قد لا تكون كافية لمنع إيران من الحصول على التكنولوجيا الغربية لبناء طائراتها من دون طيار، وأن هناك حاجة إلى مزيد من المراقبة لكيفية توريدها لوقف توزيعها ثم اتخاذ خطوات في ما يتعلق بضوابط التصدير لتقييد وصول إيران إلى التقنيات الحساسة.
وعلى رغم الفرص والتحديات التي حملتها الحرب لإيران يمكن القول إنها بشكل عام عمقت التعاون بين إيران وروسيا على المستوى الاقتصادي، إذ دفعت العزلة الاقتصادية والسياسية روسيا وإيران إلى تعزيز التعاون بينهما، فالعلاقة الوثيقة بين هاتين الدولتين لها أبعاد عسكرية واقتصادية وتنعكس في مستوى تعاونهما الجديد في الحرب في سوريا والذي وصل إلى آفاق جديدة خلال الأشهر الأخيرة مع قرار إيران دعم روسيا في حربها في أوكرانيا، وكذلك فإن انخفاض العلاقات التجارية بين روسيا وأوروبا دفع روسيا للاتجاه نحو الشرق وفي هذا السياق إلى إيران. ومن جهة أخرى تهتم إيران الخاضعة أيضاً للعقوبات الغربية بزيادة تعاونها الاقتصادي مع روسيا، فتبادلت الوفود الرسمية بين البلدين الزيارات لبحث سبل دفع التعاون الاقتصادي، كما استثمرت روسيا فى قطاع النفط والطاقة الإيراني. من جهة أخرى، كانت إيران مرشحاً محتملاً كمصدر للطاقة إلى السوق الأوروبية بدايات الحرب وقبل انخراطها في الحرب إلى جانب روسيا.
التداعيات على المستوى العسكري: التحول نحو شراكة دفاعية كاملة
قفزت العلاقة الطويلة بين إيران وروسيا، والتي انعكست في جملة أمور من خلال التعاون العسكري الوثيق بينهما في الحرب في سوريا، إلى الأمام مع قرار طهران دعم موسكو في حربها ضد أوكرانيا، ويشار إلى أن إمداد إيران روسيا بالطائرات، بما في ذلك طائرات من دون طيار والتدرب على كيفية عملها، إذ أدت حاجة روسيا إلى المساعدة الإيرانية بعد أشهر عدة من القتال في أوكرانيا، إلى توفير حوالى 1700 طائرة من دون طيار، فقد حضر وفد من العسكريين الإيرانيين إلى شبه جزيرة القرم لتدريب الجيش الروسي على استخدام الطائرات المسيرة وتحسين أدائه في ضوء الخبرة المكتسبة على الأرض.
ويعد وجود عناصر من “الحرس الثوري” على الأراضي الأوكرانية لتوجيه الجنود الروس حول كيفية تشغيل الطائرات من دون طيار ميزة لإيران، إذ يمكنها التحقق من أداء الأنظمة في الميدان وتحسينها إذا لزم الأمر، كما ترى طهران في مساعدة روسيا وسيلة لتأمين وصولها مستقبلاً إلى الأسلحة الروسية وبخاصة المقاتلات الروسية.
كما نوقش بين الطرفين أنه سيتم توريد الصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى إلى جانب المساعدة في بناء مصنع للطائرات من دون طيار في روسيا، ومن جهة أخرى بدأت روسيا في تدريب الطيارين الإيرانيين على قيادة طائرات (Sukhoi Su-35) المقاتلة، ومن المحتمل أنها ستبيع هذه الطائرات لإيران، وهو ما من شأنه أن يعزز القوة الجوية الإيرانية بشكل كبير.
من جهة أخرى تحاول إيران تسويق نفسها في السوق العالمية، فقد صرح مسؤول عسكري إيراني أن 22 دولة قدمت طلبات رسمية لشراء طائرات من دون طيار مسلحة إيرانية الصنع.
إجمالاً يمكن القول إن الحرب حملت فرصاً وتحديات لإيران، فقد تراجع الملف النووي لكن إيران عملت على استغلال الوضع فى الحصول على أوراق ضغط فى مواجهة الغرب عند التفاوض، كما ستفيد من تراجع أولوية الملف النووي وعدم إحياء الاتفاق عبر ضعف الرقابة الدولية على برنامجها النووي، ومن ثم تستمر في عدم الالتزام بالقيود المفروضة وتطوير قدراتها النووية على النحو الذي يخلق واقعاً نووياً جديداً تتفاوض على أساسه مع الغرب، وبالتالي عدم جدوى الاتفاق حال إحيائه سوى رفع العقوبات المفروضة عليها، أما على جانب الأمن والاستقرار الإقليميين فإن تعميق التعاون بين إيران وروسيا من شأنه دفع إسرائيل للتحوط من تعزيز قدرات إيران الجوية أو ترسيخ وجودها فى سوريا بمساندة روسيا، وبالتالي ربما تشهد الفترة المقبلة توترات متصاعدة بين إيران وإسرائيل.
اندبندت عربي