صعد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى السلطة قبل 20 عاماً بينما كانت تركيا تنهض بعد مشكلتين عويصتين متمثلتين في استشراء التضخم وزلزال مميت، وقطع على نفسه وعداً حينها ببدء عصر جديد من الأداء الحكومي السليم بعد اتهام الحكومة الائتلافية في ذلك الوقت بسوء إدارة الأزمتين.
وفي وقت يسعى أردوغان إلى تمديد فترة حكمه إلى عقد ثالث، يلقي المعارضون باللوم عليه في زيادة حدة التضخم مجدداً والسماح لمقاولي البناء بانتهاك اللوائح المتعلقة بالزلازل التي كان من الممكن أن تنقذ مزيداً من الأرواح.
وتمثل الانتخابات المقرر تنظيمها في يونيو (حزيران)، إذا قررت السلطات إجراءها في منطقة الزلزال بجنوب تركيا حيث شرد ملايين، أصعب اختبار انتخابي لأردوغان حتى الآن.
الانتقادات
وتولى “حزب العدالة والتنمية” ذو الجذور الإسلامية مقاليد السلطة عام 2002 وسط أزمة مالية وبعد انهيار حكومة ائتلافية واجهت انتقادات شديدة بسبب طريقة تعاملها مع زلزال مدمر وقع عام 1999.
ومنذ الزلزال الأخير في السادس من فبراير (شباط)، زار أردوغان (68 سنة) مدناً عدة مدمرة ووعد بإعادة إعمارها ومحاسبة مقاولي البناء بسبب عدم امتثالهم للوائح الأمان في المباني.
لكن هذا قد لا يكون كافياً لإقناع الناجين الغاضبين الذين تحولت منازلهم إلى أنقاض في الزلزال الذي بلغت قوته 7.8 درجة وأودى بحياة أكثر من 40 ألف شخص.
وانتقد الناجون من الزلزال الاستجابة البطيئة للغاية لفرق الإنقاذ في أعقاب الكارثة.
وقال زعيم “حزب الشعب الجمهوري” المعارض كمال قليجدار أوغلو، الذي من المحتمل أن ينافس أردوغان في الانتخابات الرئاسية، إن الضرر الناجم عن الزلزال سببه “سياسات التربح الممنهجة” خلال عقدين من حكم أردوغان. وأضاف “إذا كان هناك أي شخص مسؤول عن هذا فهو أردوغان. هذا الحزب الحاكم فشل لمدة 20 عاماً في تجهيز البلاد لزلزال”.
رئيس مصمم
وقال مسؤولون إن أردوغان الذي سيبلغ عامه الـ69 يوم الأحد، فكر في تأجيل الانتخابات لكنه يفضل الآن المضي قدماً. وأضافوا أن أردوغان على ثقة من قدرته على حشد الناخبين الأتراك حول شعار حملته التي أطلقها بعد الزلزال “نبني تركيا معاً”.
وقال مصدر مقرب من الرئيس، “يشعر أردوغان بالأسى حقاً، حتى أنه انهار بسبب الزلزال. لكنه لم يستسلم بأية حال من الأحوال ولم ييأس”. وأضاف المصدر “لقد أصبح عمله أصعب. كان مشغولاً بالفعل. في زياراته لمواقع الزلزال… قد يبدو متعباً، وهذا أمر طبيعي”.
وفي وقت تستعد البلاد للانتخابات الرئاسية والبرلمانية، تلوح في الأفق مخاطر حول مسار البلد الذي دأب أردوغان على محاولة تشكيله ليصبح متديناً ومحافظاً ولاعباً إقليمياً ذا ثقل.
وتعهد المعارضون بإلغاء الرئاسة التنفيذية القوية التي أنشأها أردوغان، وإعادة تركيا إلى الديمقراطية البرلمانية وعودة الاستقلال للبنك المركزي الذي نفذ خطط الرئيس بخفض معدلات الفائدة، مما قاد نمواً اقتصادياً لكنه تسبب في انهيار الليرة وارتفاع التضخم بشدة.
وهذه المخاطر ليست أمراً جديداً يتعرض له أردوغان الذي قضى في يوم من الأيام عقوبة السجن بعد أن ألقى قصيدة دينية. كما نجا من محاولة انقلاب عسكرية في عام 2016 عندما هاجم جنود البرلمان وقتلوا 250 شخصاً.
مسيرته السياسية
ولد أردوغان لأب فقير كان يعمل قبطاناً بحرياً ونشأ في بيئة يرثى لها في حي فقير في إسطنبول حيث التحق بمدرسة مهنية إسلامية ونشط بعد ذلك في العمل السياسي كزعيم لذراع محلية للشباب تابعة لأحد الأحزاب.
بعد أن شغل منصب رئيس بلدية إسطنبول، دخل أردوغان ساحة العمل الحزبي على المستوى الوطني كرئيس لـ”حزب العدالة والتنمية”، الذي فاز في الانتخابات عام 2002. وفي مارس (آذار) 2003، تقلد أردوغان منصب رئيس الوزراء.
وفي ذروة نجاحه، تمتعت تركيا بازدهار اقتصادي طويل الأمد مع إنشاء طرق ومستشفيات ومدارس جديدة وارتفاع مستويات المعيشة لسكانها البالغ عددهم 80 مليون نسمة.
وقيد “حزب العدالة والتنمية” سلطات الجيش التركي الذي كان قد أطاح بأربع حكومات منذ 1960. وفي عام 2005، بدأت أنقرة محادثات لتحقيق طموح استمر عقوداً للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وهي عملية توقفت الآن تماماً.
وكان الحلفاء الغربيون ينظرون إلى تركيا تحت حكم أردوغان في البداية على أنها مزيج حيوي من الإسلام والديمقراطية يمكن أن يكون نموذجاً لدول الشرق الأوسط التي تكافح للتخلص من الاستبداد والركود، لكن سعيه لفرض سيطرة أكبر أثار قلق الشركاء الدوليين.
تشدد في الداخل وتوسع في الخارج
ويرى المؤيدون لأردوغان أنه زعيم أعاد التعاليم الدينية إلى صميم الحياة العامة ودافع عن الطبقات العاملة المتدينة، بينما يصوره المعارضون على أنه مستبد ومدمن للسلطة.
وبعد محاولة انقلاب 2016 شنت السلطات حملة قمع وسجنت أكثر من 77 ألف شخص على ذمة المحاكمات وفصلت أو أوقفت عن العمل 150 ألفاً من موظفي الدولة. وتقول جماعات حقوقية إعلامية إن تركيا أصبحت أكثر دول العالم سجناً للصحافيين.
وقالت حكومة أردوغان إن التطهير سببه التهديدات التي يمثلها مساندو الانقلاب، وكذلك تنظيم “داعش” ومسلحو حزب العمال الكردستاني الذي تصنفه تركيا إرهابياً.
وفي الداخل أصبح مجمع القصر الرئاسي الجديد مترامي الأطراف على مشارف أنقرة علامة واضحة على سلطاته الجديدة، بينما أصبحت تركيا في الخارج أكثر حزماً، إذ تدخلت في سوريا والعراق وليبيا، ناشرة في كثير من الأحيان طائرات مسيرة محلية الصنع.
وسعى أردوغان إلى التقارب مع دول في أنحاء المنطقة فيما يواجه تعثر اقتصاد بلاده وتدهور العملة المحلية وانطلاق العد التنازلي لانتخابات هذا العام.
وقد أتت هذه الخطوة ثمارها جزئياً، فقد تعهدت الإمارات بضخ استثمارات في تركيا، كما عزز تحسين أنقرة علاقاتها مع الرياض الآفاق الاقتصادية للبلاد في هذا العام الانتخابي الصعب.
ولكن جاء زلزال السادس من فبراير ليقلب خطط أردوغان رأساً على عقب. الآن بات لزاماً عليه إقناع الناخبين بأنه الزعيم الذي سيقود إعادة بناء تركيا بعد الكارثة.
اندبندت عربي