هل يساعد إطلاق صناعة الغاز العراق على الخروج من الفلك الإيراني

هل يساعد إطلاق صناعة الغاز العراق على الخروج من الفلك الإيراني

بغداد- يتفاءل العراقيون بأن بلادهم، التي أطلقت عدة مشاريع لاستخراج الغاز، سيمكنها أن تحل مشكلة الكهرباء وتعتمد على نفسها، وسط تساؤلات إن كانت صناعة الغاز الناشئة وعودة إنتاج النفط إلى نسقه العادي ستقودان العراق للخروج من الفلك الإيراني؟

يأتي هذا في ظل مخاوف جدية من أن مساعي التحرر من سيطرة إيران ستجد عقبة رئيسية أمامها من داخل العراق نفسه بسبب ولاء الأطراف السياسية المهيمنة لإيران وتحكّمها في القرار العراقي.

ولا يقدر العراق على التخلص من سيطرة إيران إذا استمرت حاجته الماسة إليها في الحصول على الكهرباء خاصة في فترات الصيف، ولذلك سيحتاج إلى وقت وإلى دعم أميركي تدريجي.

وفي الصيف الماضي عمدت إيران إلى التخفيض بمقدار خمسة ملايين متر مكعب كميات الغاز الذي تصدّره إلى العراق بسبب تأخر سداد الالتزامات المالية، وهو ما كان سبباً لتقليص ساعات التجهيز بالكهرباء، بالرغم من الارتفاع الكبير في درجات الحرارة.

◙ الفساد المستشري بين السياسيين مشكلة رئيسية تواجه مساعي واشنطن لمساعدة العراق على الخروج من فلك إيران

ووصف هذا التخفيض وقتها بأنه رسالة سياسية إلى الجهات الخارجية التي تحاول جلب العراق ناحيتها.

وتراقب واشنطن باهتمام كبير إعلان العراق عن توقعاته بإنهاء استيراده للغاز في غضون السنوات الثلاث المقبلة. وعرضت الولايات المتحدة خبراتها بهدف المساعدة على استغلال الغاز المصاحب وإنتاج الكهرباء، وشجعت شركات دولية بينها شركة قطر للطاقة الحكومية على الاستثمار في استخراج الغاز العراقي.

وقبل أيام، قال عماد العلاق مستشار رئيس الوزراء العراقي إن الولايات المتحدة أظهرت جدية عالية لتمكين العراق من تنفيذ حلول إستراتيجية فعّالة في مجال الطاقة ودعم الشبكة الكهربائية واستغلال الثروات على المديين المتوسط والطويل.

ويطمح العراق إلى الاستفادة من الخبرة والمساعدة الأميركيّتيْن؛ لتجنب إهدار 6.5 مليار دولار من حرق كميات من الغاز المصاحب تصل إلى 18 مليار متر مكعب سنويًا.

ويمكن للعراق في الواقع إنهاء اعتماده على الغاز الإيراني بسهولة نسبية إذا أراد ذلك حقا. ويبلغ إجمالي احتياطيات العراق المؤكدة من الغاز الطبيعي حوالي 131 تريليون قدم مكعب، وهي ثاني أكبر احتياطيات في العالم. ويُتوقع أن تكون النسب أكبر.

سيمون واتكينز: أميركا منحت مصطفى الكاظمي في مايو 2020 أموالا أكثر مع أطول مهلة بلغت 120 يوما لمواصلة استيراد الغاز والكهرباء من إيران
سيمون واتكينز: أميركا منحت الكاظمي في مايو 2020 أموالا أكثر مع أطول مهلة بلغت 120 يوما لمواصلة استيراد الغاز والكهرباء من إيران
وقلل مراقبون من قدرة الحكومة العراقية على إحداث قطيعة مع إيران، مشيرين إلى أن السعي لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الغاز والكهرباء سيجد عراقيل من داخل الحكومة نفسها والطرف الرئيسي الداعم لها، أي الإطار التنسيقي الذي هو تحالف مرتبط بإيران وكان وراء ترشيح وتزكية رئيس الحكومة الحالي محمد شياع السوداني، ما يجعل الحكومة ورئيسها رهينتين بيد حلفاء إيران.

ويخوض حلفاء إيران حملة ضد المسار الذي فرضته الولايات المتحدة لمراقبة تدفق العملة في العراق، وهي حملة لم تكن لتوجد لو أن هذا المسار لا يستهدف محاصرة إيران ويمنعها من الاستفادة من العملة الصعبة، ما يؤشر على صعوبة تخلي إيران عن مكاسبها الاقتصادية والمالية في العراق.

وتعترض مساعي واشنطن لمساعدة العراق على الخروج من فلك إيران مشكلة ثانية وهي الفساد المستشري طويل الأمد الذي تعاني منه البلاد، وخاصة لدى الطبقة السياسية التي يفترض أنها هي من ستقود عملية الخروج.

ودأبت الولايات المتحدة على تقديم الدعم لكل رئيس وزراء عراقي جديد مقابل تعهده بأن يتوقف العراق تدريجيا عن استخدام واردات الطاقة الإيرانية، وهو ما يندرج ضمن مبادرة أوسع للحد من قوة وكلاء إيران السياسيين والاقتصاديين والعسكريين في العراق.

لكن ما يحدث أن الوزراء يصرفون الأموال التي يحصلون عليها من واشنطن، ويستمرون في استيراد الطاقة الإيرانية كما كانوا يفعلون من قبل، إن لم يكن بكميات أكبر.

ويرى سيمون واتكينز المحلل في موقع أويل برايس الأميركي أن أبلغ مثال على تفصي المسؤولين العراقيين من التزاماتهم مع واشنطن قد حدث في حكومة مصطفى الكاظمي الذي منحته أميركا في مايو 2020 أموالا أكثر مع أطول مهلة بلغت 120 يوما لمواصلة استيراد الغاز والكهرباء من إيران. ثم وقّع العراق عقدا لمدة سنتين مع إيران لمواصلة استيراد الغاز والكهرباء منها بمجرد ضمان الأموال.

131 تريليون قدم مكعب إجمالي احتياطيات العراق المؤكدة من الغاز الطبيعي

ومباشرة بعد ذلك، بدا الأميركيون على قناعة أكبر بأن الطبقة السياسية مخترقة بشكل واسع لحساب إيران، حيث أدرجت واشنطن عشرين شخصية وكيانا في لائحة العقوبات بتهم انتهاك السيادة العراقية واستغلال الاقتصاد العراقي لتحويل الأموال إلى فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني.

وقالت إن هذه الكيانات استمرت في استغلال اعتماد العراق على إيران كمصدر للكهرباء والغاز من خلال تهريب النفط الإيراني عبر ميناء أم قصر العراقي وغسيل الأموال عبر شركات الواجهة العراقية، من بين أنشطة أخرى لخرق العقوبات.

وكان القلق الأميركي الأكبر هو أن العراق بقي قناة تمرّ عبرها إمدادات النفط والغاز الإيرانية في اتجاه أسواق التصدير في جنوب أوروبا وإلى آسيا، وخاصة الصين.

وتعمل إيران عبر وكلائها على تعزيز دورها في قطاع الطاقة العراقي ودخول المنافسة مع الشركات الدولية الجديدة على استخراج الغاز.

وأصدرت وزارة النفط العراقية نهاية العام الماضي تعميما إلى جميع الشركات العراقية تعلن فيه استعداد الشركات الإيرانية المتخصصة للمشاركة في مشاريع النفط والغاز العراقية.

العرب