حرب دبلوماسية أمريكية ـ روسية عابرة للقارات

حرب دبلوماسية أمريكية ـ روسية عابرة للقارات

فتحت الحرب الأوكرانية الباب لصراع دبلوماسي محتدم بشكل غير مسبوق بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا.
تظهر جولة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن الأخيرة إلى وسط آسيا مثالا شديد الوضوح عن هذه الحرب الدبلوماسية التي استهدفت مناطق نفوذ اقتصادية وسياسية وأمنية لموسكو.
التقى بلينكن في أستانا، عاصمة كازاخستان، نظراءه من أوزبكستان وقرغيزستان وطاجيكستان وتركمانستان وكازاخستان، وحاول إقناعهم بالابتعاد عن روسيا، عبر تحذيرهم من أن النزعة التوسعية لموسكو لا تقتصر على أوكرانيا، وهو أمر يجب أن يثير اهتمام تلك الدول، التي تسكنها جميعا أقليات روسية، فروسيا استخدمت حجة الدفاع عن الروس للتدخل العسكري في أكثر من بلد، مع العلم أن أستانا، تجرأت مؤخرا على تزويد أوكرانيا بالسلاح عن طريق تشيكيا وسلوفاكيا، كما أن كازاخستان كانت إحدى الدول التي لجأ إليها آلاف الروس بعد قرار إعلان التعبئة العسكرية العامة، كما أن، رئيس قرغيزستان، صابر جباروف، قام السنة الماضية بجعل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ينتظر خلال اجتماع مرتب بينهما خلال قمة شنغهاي، فأذاق سيد الكرملين من الكأس التي كان يسقيها لغيره من الزعماء!
كانت قارة أفريقيا، أيضا، إحدى ساحات الصراع الدبلوماسي العريضة بين البلدين، حيث قام وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بجولة خلال الشهر السادس من الحرب الأوكرانية، التي فجرت في القارة السمراء عدة أزمات اقتصادية وإنسانية، شملت مصر والكونغو وأوغندا وإثيوبيا، وكانت تلك الزيارة ضمن إطار تجهيز قمة روسية ـ أفريقية، وأتبعها بزيارة إلى الجزائر، في أيار/ مايو الماضي، لتعزيز العلاقات الوثيقة بينهما، ثم زار جنوب أفريقيا واسواتيني وأنغولا وأريتريا في مطلع العام الحالي، وأتبعها بزيارة الشهر الماضي إلى مالي وموريتانيا والسودان.
حمل لافروف بدوره، إلى دول القارة الأفريقية، وعودا بالدعم العسكري واللوجستي في مواجهة التهديدات الإرهابية، وكذلك بتدعيم الأمن الغذائي المهدد لتلك البلدان، ويتناظر هذا مع وجود عسكري متزايد لـ«شركة فاغنر» العسكرية الروسية في أكثر من بلد أفريقي، وكذلك مع صراع شديد على النفوذ مع فرنسا، التي قال رئيسها إيمانويل ماكرون، من الغابون، أمس، أن سياسة بلاده الأفريقية قد انتهت!
دفعت هذه الهزائم السياسية في أفريقيا واشنطن للرد بقوة على تحركات روسيا (والصين) في القارة السمراء، في محاولة لافتة لاستجماع تأثيرها المتراجع فعقدت مؤتمر قمة أمريكية ـ أفريقية في واشنطن (كانون أول/ ديسمبر 2022) حضره عشرات القادة الأفارقة، وحمل عنصرين رئيسيين، الأول هو التحذير من زعزعة روسيا للاستقرار في بلدان القارة، والثاني هو الوعود بالدعم الاقتصادي حيث أعلنت عن تخصيص مبلغ 55 مليار دولار لقضايا الصحة والاستجابة للتغير المناخي، وكذلك وعود سياسية من بينها تعزيز دول أفريقيا في مجلس الأمن بتخصيص مقعد دائم لها.
كان لافتا للنظر، في نهاية هذه المعارك الدبلوماسية الطاحنة، أن يلتقي بلينكن ولافروف، ولو بشكل مقتضب، خلال قمة مجموعة العشرين المنعقدة حاليا في الهند، لكن هذا اللقاء لم يغير طبعا أي شيء في الخطابين الأمريكي والروسي، ويدل فشل القمة في إعلان بيان مشترك، بوضوح، أن أوار هذه الحرب الدبلوماسية الطاحنة لن تنطفئ قريبا.

القدس العربي