ثمة تطوران دوليان ربما يدفعان إيران إلى تبرير زيادة تخصيب اليورانيوم، هما الحرب الأوكرانية و”اتفاق أوكوس” الذي تم توقيعه بين الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا. ففي حين أكدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن إيران واصلت في الأشهر الأخيرة زيادة مخزونها من اليورانيوم المخصب وأنها اكتشفت آثار تخصيب تصل إلى نسبة 84 في المئة، جاء رد طهران على تقرير الوكالة أن التقلبات غير المقصودة في مستويات التخصيب ربما حدثت خلال الفترة الانتقالية وقت بدء عملية التخصيب إلى درجة نقاء 60 في المئة في نوفمبر (تشرين الثاني) 2022 أو أثناء استبدال أسطوانة التغذية، لكن التطورين المشار إليهما ربما يفسران سبب زيادة معدلات تخصيب اليورانيوم لدى إيران ومن ثم فتح ملف عدم الانتشار النووي في الشرق الأوسط.
ومن المعروف أن إيران متهمة بامتلاك طموحات نووية وامتلاك برنامج نووي لأغراض غير سلمية، وتم الاتفاق على خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA) التي وافق عليها الأعضاء الخمسة الدائمون في مجلس الأمن وألمانيا وإيران عام 2015، لتعود الولايات المتحدة وتنسحب منها عام 2018 خلال عهد الرئيس دونالد ترمب. منذ ذلك الحين، لم تعد إيران ترى أن الامتثال لخطة العمل الشاملة المشتركة يصب في مصلحتها.
في أغسطس (آب) 2022، قال كمال خرازي، مستشار المرشد الأعلى علي خامنئي، إنه “في غضون أيام قليلة تمكنا من تخصيب اليورانيوم بنسبة تصل إلى 60 في المئة ويمكننا بسهولة إنتاج يورانيوم مخصب بنسبة 90 في المئة، إن إيران تملك الوسائل التقنية لإنتاج قنبلة نووية لكن لم يكن هناك قرار لبناء واحدة”. ولم يتم بعد التوصل إلى اتفاق نووي جديد بين واشنطن وطهران وتسري شكوك حول إمكانية تحقيق اتفاق في ظل المناخ الحالي الذي خلفه الدعم الإيراني لروسيا في حرب أوكرانيا وحركة الاحتجاج داخل إيران. لكن من المؤكد أنه إذا طورت إيران سلاحاً نووياً، فسيؤدي ذلك إلى تغيير ميزان القوى الإقليمي بشكل أساسي في الخليج من خلال تسهيل حقبة جديدة من الضربات الوقائية والانتشار النووي، وهنا ستنتقل المنطقة إلى مرحلة من التصعيد والتوترات بين إيران وإسرائيل على الأخص.
اندبندت عربي
من جهة أخرى، حملت إشارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال الحرب الروسية- الأوكرانية إلى شبح استخدام الأسلحة النووية، رسائل في خصوص الانتشار النووي والردع وتطوير محطات الطاقة النووية في الشرق الأوسط. وكان “اتفاق أوكوس” الأمني الذي بموجبه أعلنت أستراليا وبريطانيا والولايات المتحدة عن شراكة أمنية ثلاثية جديدة، سيشكل أول مشروع لها، وهو تسليم أسطول غواصات يعمل بالطاقة النووية لأستراليا، أهم الحجج التي ربما تستند إليها إيران لتخصيب اليورانيوم. فوفقاً للاتفاق، يمكن للدول غير المالكة للأسلحة النووية الإعلان عن اليورانيوم عالي التخصيب لأغراض الدفع البحري ومنع الوكالة الدولية للطاقة الذرية من التعرف إلى تلك المواد. مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافاييل غروسي اعتبر أن “أوكوس يمكن أن يشكل سابقة للسعي وراء غواصات نووية”، وقال “إن دولاً أخرى يمكن أن تحذو حذو أستراليا وتسعى إلى بناء غواصات تعمل بالطاقة النووية، مما يثير مخاوف خطرة في شأن الانتشار النووي”، إذ إنها ستكون المرة الأولى التي تحصل فيها دولة غير مالكة للأسلحة النووية على غواصات تعمل بالطاقة النووية، مما يعكس منطقة رمادية في معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية لعام 1968 التي تسمح بإزالة المواد الانشطارية من ضمانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية لهذه الأغراض. وأشار غروسي إلى أن إيران أبلغت الوكالة الدولية للطاقة الذرية عام 2018 نيتها بدء برنامج دفع نووي بحري. وقالت طهران في رسالة إلى الوكالة إنه لن يتم إشراك أي منشأة نووية في الأعوام الخمسة الأولى من المشروع. ووفقاً لتخوفات مدير الوكالة الدولية يمكن لأي دولة أن تتحمس لاستخدام برامج بحرية لحماية إنتاج اليورانيوم عالي التخصيب من نظام المراقبة التابع للوكالة الدولية للطاقة الذرية. إيران ذاتها، وفقاً لدوائر سياسية وتقديرات عدة، تمت الإشارة إلى أنها ربما تحاول الاستفادة من هذه السابقة من خلال تجديد اهتمامها بالغواصات التي تعمل بالطاقة النووية واستخدامها للتهرب من رقابة الوكالة على أنشطتها لتخصيب اليورانيوم.
وهنا يأتي دور “خطة العمل الشاملة المشتركة” (الاتفاق النووي)، إذ إنها كانت مصممة لضمان أن البرنامج النووي الإيراني سيكون سلمياً، وفي حال ستلتزم طهران بها، فلا يجوز استخدام أي من موادها النووية في الدفع البحري، فذلك يعد انتهاكاً لأحكام الخطة.
ربما تعتقد إيران الآن بأن لديها عذراً لإعادة تشغيل برنامج الدفع النووي للحصول على يورانيوم عالي التخصيب غير خاضع للرقابة للاستخدام في صنع الأسلحة النووية، أي إن “أوكوس” ربما يمكن الدول التي لديها قدرات نووية وغير مالكة للأسلحة النووية، من استخدام برامج المفاعلات البحرية كغطاء لتطوير أسلحة نووية.
ومن ثم كلما زادت إيران من مخزوناتها من المواد الانشطارية، كلما تحولت الأمور على الأرجح إلى المجال العسكري وإلى هجوم إسرائيلي على المنشآت النووية الإيرانية، سواء كان ذلك سراً أو علناً وتصاعدت التوترات الإقليمية من جهة، ومن جهة أخرى ستسعى دول عدة في المنطقة إلى تطوير برامج نووية في المقابل، بما يفتح ملف إعادة الانتشار النووي وسباق التسلح في المنطقة.
ومن ثم كان من الممكن أن تعمل “خطة العمل المشتركة الشاملة” (JCPOA) بمثابة لبنة بناء نحو مزيد من الحد من التسلح والأمن الإقليمي ولكنها انهارت وعودتها لن تكون مجدية لتغيير السياقين الإقليمي والدولي وحتى القدرات النووية لإيران.