كما كان منتظراً، تم انتخاب شي جين بينغ، أمس الجمعة، رئيساً للصين لولاية ثالثة، من قبل الهيئة التشريعية الصينية، وذلك في الدورة الحالية للمجلس الوطني الرابع عشر لنواب الشعب الصيني المنعقد في العاصمة بكين.
ولكون شي المرشح الوحيد كما كان الحال عليه قبل خمس سنوات، فإنه يُنظَر إلى مراسم الاقتراع باعتبارها احتفالية سياسية شكلية، تظهر الولاء والاحترام المطلق للنخبة السياسية الصينية. فضلاً عن أنها تمنح شي تفويضاً قوياً للسنوات الخمس المقبلة باعتباره أقوى زعيم في البلاد منذ عهد الزعيم الراحل ماو تسي تونغ. كما أعيد أيضاً تعيين شي الذي يقود الحزب الشيوعي الحاكم، رئيساً للجنة العسكرية المركزية.
ويعتقد محللون أن السنوات المقبلة ستكون فترة حرجة لكل من شي والصين، إذ يحتاج إلى إعادة البلاد إلى مسار النمو الاقتصادي، لإقناع العالم بأن نموذج الحكم والتنمية الفريد للصين يعمل بكفاءة، وأن إرثه السياسي الطموح لا يزال تحت السيطرة في ظل التنافس الشديد مع الولايات المتحدة والاضطرابات العسكرية والأمنية المتكررة بين البلدين.
القيادة الجديدة تضمّ عدداً من التقنيين وأصحاب الكفاءات
ومن المقرر أن يتم تعيين حلفاء شي الموثوق بهم في مناصب حكومية رئيسية خلال اليومين المتبقيين من الدورة البرلمانية السنوية، ومن أبرز هذه المراكز، منصب رئيس الوزراء.
ويتوقع خبراء أن يتم تعيين مساعدي شي منذ فترة طويلة، لي تشيانغ، ودينغ شو يشيانغ، وهما العضوان الثاني والسادس في اللجنة الدائمة للمكتب السياسي للحزب، كرئيس للوزراء ونائب رئيس مجلس الدولة. أيضاً من المتوقع أن يتولى موالون آخرون له مناصب حكومية عليا، ومن بينهم خي لي فنغ، وليو تشونغ، وتشانغ قوه، الذين من المقرر أن يصبحوا نواباً لرئيس الوزراء.
سنوات حاسمة في عهد شي
في تعليقه على هذه الخطوة، قال الأستاذ في معهد لينغ نان للبحوث والدراسات الاستراتيجية (مقره هونغ كونغ)، جين وان مينغ، في حديث لـ”العربي الجديد”، إن إعادة انتخاب شي، هي مجرد فعالية رمزية لإظهار مدى أهمية الدستور في البلاد، الذي خضع بطبيعة الحال لتعديلات غير مسبوقة قبل سنوات حين تم شطب الفقرة الخاصة بتحديد ولاية الرئيس بفترتين.
وأضاف جين وان مينغ أن إجماع المندوبين على إعادة انتخاب شي هو استجابة حتمية للتعديلات الدستورية السابقة، وبالتالي لم يكن هناك أي خروج عن الإجماع الحزبي والتأكيد على أهمية استمرار الرئيس في منصبه لمواجهة التحديات السياسية والاقتصادية.
تقارير دولية
زيادة الإنفاق الدفاعي الصيني: مخاوف أمنية ونوايا خفية
ولفت مينغ إلى أن السنوات المقبلة ستكون حاسمة بالنسبة للقيادة السياسية وبالتحديد للرئيس شي وفريقه الجديد، ولعل التحدي الأكبر يكمن في إعادة صياغة العلاقات الصينية الأميركية في ظل الاضطرابات الراهنة التي تنطوي على العديد من الملفات الشائكة.
ومن بين هذه الملفات، وفق شرحه: التوتر في مضيق تايوان، قضايا التجسس، والتنافس المحموم في منطقة المحيطين الهادئ والهندي، إلى جانب قضايا اقتصادية ملحّة، تتمثل في كيفية وقف التراجع الاقتصادي وإعادة البلاد إلى مسار النمو. ومن التحديات أيضاً، تحقيق أهداف الاعتماد على الذات في المجال التكنولوجي، وموازنة العلاقات مع موسكو والغرب بما يخدم المصالح الاستراتيجية للصين، بحسب مينغ.
بدوره، قال الخبير في الشؤون الدولية، وانغ تشو ينغ، في حديث لـ”العربي الجديد”، إنه من غير المرجح أن تقدم القيادة الجديدة على إجراء تغييرات سياسية على صعيد العلاقات الخارجية خصوصاً مع الولايات المتحدة، لأن الأولوية ستكون لإعادة إحياء الاقتصاد، وذلك يستدعي، بحسب قوله، المزيد من الاستقرار في العلاقات الدولية، وعدم الانزلاق في أي صدام يستنزف مقدرات البلاد وتركيزها لتحقيق خططها الاستراتيجية.
واستدرك: لكن هذا لا يعني عدم التأهب والاستعداد للتوترات المتزايدة في مضيق تايوان، وتعزيز الأمن القومي الذي يمثل محور سياسة الحزب والدولة.
تشاو تشيانغ: السيطرة على الموارد والاستقلال التكنولوجي، ستمثل خلال السنوات المقبلة أولوية أساسية للصين
ولفت وانغ تشو ينغ إلى أن الرئيس شي نفسه حذر مراراً من أن الصين ستبحر في أمواج عاصفة خلال السنوات المقبلة. لكن هذا التحذير، برأيه، لا ينطوي على دعوة للتصعيد، بل للتأهب والاستعداد من خلال تماسك الحزب والشعب وتقوية الجبهات الداخلية.
قيادة صينية من الكفاءات
من جهته، قال الباحث في المركز الصيني للدراسات الاقتصادية في جامعة فودان، تشاو تشيانغ، في حديث لـ”العربي الجديد”، إن تركيز القيادة الجديدة، سوف ينصب على إعادة تشغيل المحرك الاقتصادي، على الرغم من أن الظروف والبيئة الخارجية غير مواتية.
وأضاف تشاو تشيانغ أن هناك مؤشرات واضحة بشأن فعالية التشكيل الجديد نظراً لأن عدداً كبيراً منهم من التقنيين وأصحاب الكفاءات، لافتاً إلى أن نحو 48 في المائة من أعضاء المكتب السياسي البالغ عددهم 205، حاصلون على درجات عليا في العلوم والتكنولوجيا والهندسة. وأوضح أن ذلك ينسجم مع رغبة الرئيس شي، ودعوته السابقة للاعتماد على الذات من الناحية التكنولوجية.
ورأى تشاو تشيانغ أن السيطرة على الموارد والاستقلال التكنولوجي، ستمثل خلال السنوات المقبلة أولوية أساسية في ظل العقوبات والقيود التي تفرضها الولايات المتحدة لمحاصرة الصين ومنعها من تصنيع أشباه الموصلات والوصول إلى شبكات الجيل الخامس.
ولكن في المقابل، شكّك مراقبون في قدرة الصين على تجاوز العقبات وتحقيق الطموحات من خلال الاعتماد على قيادة من الكفاءات، على اعتبار أن هؤلاء ليست لديهم الخبرة السياسية الكافية لإدارة قضايا وملفات حساسة وشائكة، فضلاً عن أنهم غير مؤهلين لذلك وليسوا على دراية بالشؤون الدولية.
وكانت بكين قد أعلنت قبل أيام عن خطط لزيادة مركزية السلطة على سياسات العلوم والتكنولوجيا في أيدي الحزب من خلال إنشاء هيئة جديدة لصنع القرار، سُميّت اللجنة المركزية للعلوم والتكنولوجيا، وذلك كجزء من خطة إصلاح الحزب ومؤسسات الدولة الرئيسية التي تم الإعلان عنها خلال الجلسة العامة الثانية للحزب في وقت سابق من الشهر الحالي.
وتأتي هذه الخطوة في أعقاب دعوة الرئيس شي، لتقليل الاعتماد على التكنولوجيا الأجنبية، إذ فرضت الولايات المتحدة عدداً متزايداً من ضوابط التصدير، ما تسبب بأضرار كبيرة للعديد من الشركات والصناعات الصينية.
العربي الجديد