يد اللبناني لم تعد قادرة على عدّ الليرة مع تواصل انهيارها

يد اللبناني لم تعد قادرة على عدّ الليرة مع تواصل انهيارها

بيروت – يعيش المواطن اللبناني تحت وطأة مستويات غير مسبوقة لارتفاع أسعار الاستهلاك، في ظل الارتفاع المستمر للدولار مقابل الليرة اللبنانية التي فقدت 95 في المئة من قيمتها بفعل تداعيات الأزمة المالية والاقتصادية.

ومع الانخفاض المتسارع في قيمة العملة اللبنانية نتيجة الأزمة الاقتصادية والمالية التي تضرب البلاد منذ 2019، لجأ العديد من اللبنانيين إلى شراء آلات عد النقود حتى وصلت إلى المتاجر والمحال الصغيرة.

ومنذ 2019 لم تستطع السلطات اللبنانية إيقاف تدهور عملتها مقابل الدولار، في بلاد تعتمد على استيراد ما يقارب من 90 في المئة من احتياجاتها منذ أن كان الدولار الواحد يقارب 1500 ليرة في 2019. وأما اليوم فقد أصبح كل دولار يساوي أكثر من 100 ألف ليرة في السوق السوداء حتى تاريخ الرابع عشر مارس 2023.

1 دولار يساوي أكثر من 100 ألف ليرة في السوق السوداء حتى تاريخ الرابع عشر مارس 2023

وفي حين أن قيمة أكبر عملة نقدية في لبنان هي من فئة 100 ألف ليرة، إذ كانت الـ100 دولار تساوي 150 ألف ليرة، أما اليوم فقد أصبحت كل 100 دولار تساوي أكثر من 10 ملايين ليرة.

وكشفت بيانات إدارة الإحصاء المركزي اللبنانية (حكومية) أن أسعار المواد الغذائية سجلت ارتفاعا فاقت نسبته الـ6000 في المئة منذ ديسمبر 2019 وحتى نوفمبر 2022.

وبحسب آخر تقرير للبنك الدولي، احتل لبنان الترتيب الثالث عالميا والأول عربيا في قائمة الدول الأكثر تضررا من تضخم أسعار الغذاء، بعد أن سجلت البلاد ارتفاعا بنسبة 143 في المئة في أسعار المواد الغذائية بنهاية يناير الماضي.

وبعد هذا التضخم الكبير في الأسعار، لجأت العديد من المتاجر حتى الصغيرة منها إلى شراء آلات عد النقود التي أصبحت جزءا أساسيا، ليس فقط في المتاجر بل حتى في البيوت.

وأصبح المواطنون في الشوارع يحملون حقائب صغيرة، بالتزامن النشط أيضا مع شراء الخزنات الحديدية لوضعها في المحال أو المنازل.

ومنذ بداية الأزمة الاقتصادية في لبنان، ومع الانقطاع المزمن للكهرباء، كانت تنتشر لوحات إعلانية على جوانب الطرقات تروج للطاقة الشمسية والبطاريات، أما اليوم ومع الارتفاع الكبير للدولار، أصبحت إعلانات عداد النقود تطغى على منتجات أخرى.

وقال محمد الحلاق صاحب متجر لبيع العدادات والخزائن في بيروت “منذ أن تخطى الدولار 20 ألف ليرة لاحظنا الطلب المتزايد على آلات عد النقود”. وأضاف الحلاق أنه قبل الأزمة “كنا نبيع عداد نقود واحدا خلال 6 أشهر ولكن اليوم يتم بيع 4 في الشهر الواحد”.

ولفت إلى أن عدّ الأموال وفحصها من التزوير اتخذا منحى آخر في لبنان في حين كانا في السابق يقتصران على المتاجر الكبرى، وأضاف “الجميع أصبح اليوم بحاجة إلى هذا العداد الآلي في المنزل والمكتب والمتاجر الصغيرة”.

وقال أحمد زكريا الذي يعمل محاسبا في أحد المطاعم بشارع الحمرا الشهير ببيروت “أصبحنا بحاجة إلى ماكنة عد النقود بدل عدها يدويا، لأن الأسعار بالدولار ونتقاضى الأموال بالليرة اللبنانية، فكل 100 دولار تساوي 10 ملايين ليرة”.

وأضاف زكريا أنه قبل الأزمة كان بإمكانه بسهولة عد الأموال التي يحصل عليها من الزبائن يدويا، بسبب قلة عدد الأوراق النقدية “ومع ذلك، إذا اشترى بعض اللفائف والمشروبات الآن، فعلينا أن نحسب المال من خلال آلة عد النقود”.

143 في المئة نسبة ارتفاع أسعار المواد الغذائية بنهاية يناير الماضي

وقال المواطن أحمد صبح (40 عاما) الذي جاء إلى المتجر لشراء خزنة لوضعها في منزله، إنه لم يعد بإمكانه الاحتفاظ بالمال في درج صغير أو حقيبة يد في المنزل بسبب زيادة حجم الليرة. وأضاف صبح “إذا كان لديك 500 دولار في المنزل الآن، فأنت بالتأكيد بحاجة إلى خزنة لتخزين هذه الأموال أو حمايتها بعد تحوليها إلى العملة اللبنانية”.

ومنذ عام 2020 يتم تحديد أسعار جميع المنتجات المستوردة في لبنان بالليرة اللبنانية، نظرًا إلى الانخفاض المستمر في قيمة الليرة مقابل الدولار، وكان تجار السوق يعملون على تغيير لائحة الأسعار كل يوم تقريبا.

وبدأ لبنان في الأول من الشهر الحالي تطبيق قرار التسعير بالدولار في المتاجر الغذائية الكبرى، بهدف الحد من التلاعب في الأسواق واختلاف تسعير البضائع مقابل الدولار وأن يدفع المواطن بالليرة اللبنانية.

ومنذ صيف العام 2019، يشهد لبنان انهيارا اقتصاديا خسرت خلاله الليرة قرابة 95 في المئة من قيمتها أمام الدولار، فيما بدأ منذ مطلع الشهر الماضي اعتماد سعر صرف رسمي جديد يبلغ 15 ألفا مقابل الدولار مقارنة مع 1507 ليرات سابقا. ويتزامن ذلك مع أزمة سيولة حادة، وتوقف المصارف عن تزويد المودعين أموالهم بالدولار.

واستأنفت المصارف الثلاثاء إضرابا مفتوحا كانت باشرته في فبراير احتجاجا على قرارات قضائية ألزم بعضها المصارف بقبول تسديد ديون بالعملة الأجنبية عائدة لها بالليرة اللبنانية، فيما ألزمتها قرارات أخرى بتسديد ودائع لبعض المودعين بالعملة الأجنبية. ووصفت المصارف هذه القرارات بأنها “تعسفية”، مشيرة إلى أنها “تكيل بمكيالين”، بحسب بيان صدر عن جمعية المصارف.

ولم يعد بإمكان المودعين الوصول إلى مدّخراتهم العالقة في المصارف اللبنانية التي فرضت قيودًا على عمليات السحب وتحويل الأموال.

وأعلن نائب رئيس البنك الدولي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فريد بلحاج الثلاثاء بعد لقائه رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبناني نجيب ميقاتي عن دعم البنك الدولي في الأشهر المقبلة للفئات الفقيرة في لبنان بقيمة 300 مليون دولار ودعم الزراعة بقيمة 200 مليون دولار.

وقال بلحاج بعد اللقاء “هناك مشروعان سنسير بهما في مجلس إدارة البنك الدولي في الأشهر المقبلة، المشروع الأول هو مشروع التغطية الاجتماعية وهو مشروع مهم بقيمة 300 مليون دولار لدعم الفئات التي لامست مستوى الفقر بشكل غير مسبوق، وسيضع المشروع قاعدة معلومات تمكن من تفادي الفساد والتغيير في وجهة التمويل”.

وأعلن أن المشروع الثاني “مخصص لدعم قطاع الزراعة ولاسيما في مجال التواصل بين القطاعين العام والخاص، فهذا المشروع والذي يقدر بنحو 200 مليون دولار سيكون مع الحكومة اللبنانية”.

العرب