اتبعت الولايات المتحدة الأمريكية سياسة الردع وتخفيف التصعيد والدبلوماسية في تعاملها مع السلوك الإيراني ومدى انضباطه وتنفيذه للاتفاق الذي وقع مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية في الرابع من اذار 2023 وهي النتائج التي تمخضت عنها زيارة (رافائيل غروسي ) رئيس الوكالة الدولية للطاقة لإيران، لترى مدى فعالية وتنفيذ السلطات الايرانية لفحوى الاتفاق ومدى الالتزام في منح مفتشي الوكالة حق الوصول إلى المواقع النووية ومعرفة نسب تخصيب اليورانيوم بعد المعلومات التي أشارت إلى امتلاك النظام الإيراني للمواد الانشطارية التي تعتبر الخطوة الأولى الرئيسية في امتلاك القنبلة النووية وهي تدرك هذا الحال لأنها قامت في عام 1945 وأثناء الحرب العالمية الثانية بضرب مدينة هورشيما اليابانية بقنبلة نووية تمثل مواد إنشطارية بتخصيب 80% وهذا ما تخشاه الإدارة الأمريكية الآن وأجهزتها الاستخبارية التي عقدت عدة اجتماعات لمناقشة أبعاد وصول إيران لهذه المديات في برنامجها النووي، وهو ما أشارت إليه مديرة الاستخبارات الأمريكية(افريل هانيز) في الثامن من آذار 2023 بأن(إيران اقتربت بشكل خطير من صنع قنبلة نووية وهي تواصل زيادة حجم ومستوى تخصيب مخزونها من اليورانيوم بما يتجاوز الاتفاق النووي وهي تقترب من إنتاج المواد الانشطارية ) وهي إشارة إلى اتفاقية العمل الشاملة المشتركة التي وقعت في تموز 2015 وسمحت لإيران بتخصيب اليورانيوم بنسبة 3,67 ولكنها بدأت بتصعيد هذه النسب بزيادة أجهزة الطرد المركزي وتصاعد نسبة التخصيب بعد الانسحاب الأمريكي من الاتفاق عام 2018 ، وكانت فرق التفتيش التابعة للأمم المتحدة والمعنية بالرقابة النووية قد اكتشفت بقايا يورانيوم مخصب بنسبة 84% في سلاسل أجهزة الطرد المركزي وعادة ما يتم وصف المواد الانشطارية المستخدمة في صنع الأسلحة النووية بانها يورانيوم مخصب بنسبة 90% والتي بين الإيرانيون أنهم لا يخصبون بنسبة 60% وإنما هذه البقايا هي مجرد جسيمات ولكن الوكالة الدولية تراها انها تطلق أجراس الإنذار بعد أن تمكن مفتشي الوكالة من معرفة قيام الإيرانيين بربط مجموعتين من أجهزة الطرد المركزي المتطورة لتخصيب اليورانيوم بنسبة 60% في منشأة فوردو ولم يبلغوا الوكالة بها.
تابعت الإدارة الأمريكية الاعلان السياسي عن الاتفاق السعودي الايراني بوساطة صينية ورحبت به ولكنها أعلنت حذرها من مصداقية النظام الإيراني على التقيد بتنفيذ الاتفاقية ولهذا فقد أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن في الاول من شهر آذار 2023 تمديد العقوبات الاقتصادية على إيران لعام اخر ، وجاء ذلك في بيان لوزارة الخزانة الأميركية التي قالت (انها إضافة للتمديد فقد تم فرض عقوبات جديدة على مسؤولين إيرانيين لاتهامهم بانتهاك حقوق النساء والفتيات الايرانيات وقمع المتظاهرين السلميين مع عقوبات أخرى على شركات صينية لمساعدتها في إنتاج الطائرات المسيرة.
ثم سارعت الولايات المتحدة لإصدار بيان بعد الاجتماع السنوي لمجلس محافظي الوكالة الدولية المؤلف من 35 دولة يتعلق بالجزيئات المكتشفة من اليورانيوم المخصب بنسبة 83,7 % وأشارت إلى أن الجميع يجب أن يشعر بقلق بالغ وبخطورة التطور الميداني، وأن على إيران أن تتعاون مع الوكالة الدولية وتسهيل إجراءات المراقبة والتحقق من التقدم الحاصل في البرنامج النووي الإيراني.
فيما جاء الدول الاوربية الراعية للحوار( المانيا وفرنسا وبريطانيا ) أكثر شدة وتحفظا ومطالبة للنظام الإيراني بضرورة الانصياع لعمل الوكالة الدولية وتتسم الموقف الأوربي بأنه أكثر حذرا من واشنطن بسبب موقف إيران من النزاع الروسي _الأوكراني وتزويدها لموسكو بالطائرات المسيرة والصواريخ الموجهة وتهديدات للمعارضين الإيرانيين بالقتل والمتابعة الأمنية والمتواجدين في الدول الاوربية .
ليأتي تصريح المتحدث باسم الوكالة الذرية الإيرانية(بهروز كمالوندي) في الرابع عشر من آذار 2023 الذي أشار فيه إلى أن(بلاده قامت بتخصيب اليورانيوم في منشأة فوردو التي تبعد عن مدينة طهران مسافة 130كم بنسبة 60% وهذا دليل على تخلي إيران عن تعهداتها النووية والتي تراها انها إجراءات ميدانية ردا على استمرار العقوبات الاقتصادية ضدها .
تبقى المخاوف الأمريكية واستمرار سياسة الردع التي أصبحت علنية بتعدد المناورات العسكرية بين واشنطن وتل أبيب والتي ابتداتها في شهر كانون الثاني 2023 ثم ما تقوم به الآن من مناورات في قاعدة نيفادا العسكرية التابعة القوات الأمريكية الأسلحة ومعدات متنوعة ومتطورة من طائرات وقاذفات وصواريخ أرض جو إنما هي رسالة موجهة لإيران ولتأكيد بقاء الدور الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط وردا على الدور الصيني الجديد الذي اقتحم مناطق النفوذ الأمريكي وتدخل في صفحة سياسية مهمة بوساطته لتحقيق الاتفاق السعودي الايراني، والخشية مستمرة من تقارير الاستخبارات الأمريكية الوطنية التي ترى أن أيران يمكن لها أن تنتج (10) قنابل من المواد الانشطارية بنسبة تخصيب 60% بحلول نهاية عام 2023 ولهذا فهي تدعو إلى سياسة خفض التصعيد واستخدام الدبلوماسية وانتظار التصرف الإيراني ومراعاة جميع صلاحياتها ومدى استعداد إيران واستمرارها في التعاون وتقديم المعلومات ومنح المزيد من الوصول إلى الأنشطة النووية والتحقق منها ومراقبتها عن قرب وعند الضرورة الميدانية وان يكون للوكالة دورا وموقفا حاسما في عمليات التفتيش التي تتم طوعيا.
وحدة الدراسات الدولية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية