توالت، أمس الأحد، عدة تصريحات غربية تندد بتصريحات للرئيس الروسي فلاديمير بوتين نسب فيها إليه قوله إن بلاده ستنشر أسلحة نووية تكتيكية في روسيا البيضاء المجاورة، فاعتبر الاتحاد الأوروبي، خطط نشر أسلحة نووية روسية على أراضي بيلاروسيا «تصعيدا غير مسؤول وتهديدا للأمن الأوروبي» وندد حلف شمال الأطلسي، بدوره، بـ«الخطاب الروسي» فيما دعت أوكرانيا لعقد اجتماع طارئ لمجلس الأمن، واعتبرت الخطوة «ابتزازا نوويا» ورأت أنه جعل بيلاروسيا «رهينة».
تحتاج التصريحات الأخيرة لبوتين قراءة هادئة وخصوصا لكونها تجيء بعد زيارة نظيره الصيني شي جينبينغ إلى موسكو الأسبوع الماضي، وصدور بيان مشترك للبلدين جاء فيه إنه يجب على القوى النووية «عدم نشر أسلحتها النووية خارج حدودها القومية وسحب كل الأسلحة النووية المنشورة خارجا» وقول بوتين في تصريح جديد آخر لقناة حكومية روسية إن بكين وموسكو لم تشكلا تحالفا عسكريا.
مقابل الانتقادات المنددة والمهددة من «الناتو» والاتحاد الأوروبي وأوكرانيا وبولندا فقد كان رد الفعل الأمريكي أقل حدة حيث أكد المتحدث باسم مجلس الأمن القومي جون كيربي إن واشنطن ليس لديها أي مؤشر إلى أن بوتين نفذ ما أعلنه أو «إلى نقل أي أسلحة نووية» فيما بدا تقدير ليتوانيا للأمر هادئا رغم كونها دولة يفترض أن لديها أسبابا كبيرة للتخوف من خطوة كهذه، لوقوعها على حدود بيلاروسيا وجيب كاليننغراد الروسي داخلها، حيث قال وزير دفاعها إن بوتين يهدف لتخويف الدول التي تدعم أوكرانيا.
تأتي تصريحات الرئيس الروسي بعد عدة وقائع جديدة خطيرة يصعب على موسكو عدم الرد عليها، إعلان بريطانيا قرار تزويد أوكرانيا بأسلحة تستخدم اليورانيوم المنضّب، وكذلك تعهد بولندا وسلوفاكيا بتقديم طائرات ميغ 29 لأوكرانيا، وهما خطوتان كانتا تعتبران خطا أحمر في السابق.
المرة الأولى التي هدد فيها بوتين باستخدام السلاح النووي كانت بعد أيام من بدء اجتياح قواته لأوكرانيا، وبعد أيام من ذلك أعلنت بولندا أنها ستزود كييف بطائرات ميغ 29، لكن واشنطن غيّرت موافقتها على ذلك، كما أكدت مصادر إعلامية لاحقا، بعد تدخّل الصين لمنع موسكو من استخدام الأسلحة النووية.
رغم إعلان واشنطن، أمس، عن استمرار قرارها بعدم تزويد كييف بطائرات مقاتلة، فإن تنفيذ بولندا وسلوفاكيا تعهدهما تزويد كييف بطائرات ميغ 29، بالإضافة إلى قرار بريطانيا بتأمين أسلحة منضبة باليورانيوم لكييف، يعني أن هناك خطا عسكريا قد تم تجاوزه في الحرب الأوكرانية.
في هذا الجو المشحون والغامض والمهدد، لا يمكن الاستهانة طبعا بإحساس الرئيس الروسي شخصيا بالمهانة من قرار المحكمة الجنائية الدولية بملاحقته باعتباره مجرم حرب، وهو ما عبرت عنه تصريحات غاضبة لدميتري مدفيديف، رئيس الأمن القومي الروسي، بقصف مقري الحكومة والبرلمان الألمانيين (وحتى بقرصنة موقع نتفلكس!).
بالعودة إلى تصريحات بوتين النووية الأخيرة، فإن بوتين قد أشار قبل ثلاثة أشهر إلى أن بعض الطائرات البيلاروسية قد تم تجهيزها لاحتمال حمل صواريخ نووية، وأنه أشار في تصريحه الأخير إلى أن روسيا ستنهي بناء مواقع التخزين للأسلحة النووية التكتيكية في بيلاروسيا في 1 تموز/يوليو المقبل، لكنه لم يحدد متى سيتم نقل الأسلحة إلى هناك بعد.
التصريح إذن، حسب مصادر متخصصة بالشأن الروسي، ليس عن «نشر أسلحة نووية» ولكن عن منصات (تم تسليمها فعلا) وعن تدريب (وقد تم ذكره سابقا) وعن بنى تحتية للتخزين، وهو ما يعني أن نشر الأسلحة التكتيكية لم يقرر بعد.
يبدو أن صمّام الأمان لضبط التهديد النووي، لا يقوم على التهديد الغربي المقابل فحسب، كما أشارت ليتوانيا، بل على القنوات الخلفية بين واشنطن والصين، لكن أسباب القلق من إمكانيات تدهور الأوضاع إلى نقطة غير مسبوقة تبقى مشروعة.
القدس العربي