مقولة الحرب على داعش: ذهنية تعلي من شأن التنظيم

مقولة الحرب على داعش: ذهنية تعلي من شأن التنظيم

217582

مراهقون ومرتزقة وشباب لا يملكون الحد الأدنى من الوعي، هم جيش الصف الأول من تنظيم ما يسمى بالدولة الإسلامية التي يقودها البعض ممن ظهروا والبعض الآخر من المتخفين. هؤلاء حققوا الهدف المرجو من هجماتهم الإرهابية الخاطفة كي يكبر حجمهم ويجبروا العالم على القدوم إلى ساحتهم لمحاربتهم، وقد خلق الخطاب السياسي غير المدروس لزعماء العالم من هذه الجماعات غولا أعلنوا عليه الحرب، وهذا ما ورد في دراسة للباحث في جامعة ميتشيغان خوان كول.

العرب

واشنطن- بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، رفض الرئيس الفرنسي جاك شيراك مقترح الرئيس الأميركي جورج بوش المتمثل في شن “حرب على الإرهاب” وحث الولايات المتحدة على معاملة الإرهاب كشكل من أشكال الإجرام، ولكن في المقابل، وبعد الهجمات الإرهابية في نوفمبر في باريس، أعلن الرئيس فرانسوا هولاند، ذو التوجه الاشتراكي، أن فرنسا تعيش الآن في حالة حرب، وكان ذلك خطأ جسيما، فالدول الفعلية لا ينبغي أن تمنح مثل هذه الشرعية لعصابات صغيرة من المجرمين العنيفين، من خلال استخدام لغة وأساليب الحرب التي تعتبر أفضل وسيلة لخسائر أي حملة ضدهم.

إن الحديث عن خوض حرب ضد هؤلاء المجرمين هو أشبه بنوع من إغداق الكرم عليهم، لذلك لا ينبغي أن يمكنوا من مجد هم أحقر من أن ينالوه. فعبر تفجير أنفسهم في ملعب لكرة القدم وإطلاق النار في مقهى وقاعة للعروض الموسيقية، خطط هؤلاء الإرهابيون لإقامة مهرجان إرهابي بحضور مشاهدين آخرين في المدرجات، وأمام كاميرات التلفزيون كي يتم بث الأحداث إلى العالم.

فجرائم القتل في المطاعم لا يمكن اعتبارها من أعمال الحرب، ويمكن تحقيق ذلك عن طريق أي شخص لديه سلاح ناري. هناك عصابات تستخدم الدراجات النارية أو أولئك الذين يعانون من أمراض عقلية في ارتكاب أعمال مماثلة بشكل روتيني مما يؤدي إلى حدوث فوضى في الولايات المتحدة، وهي لم تعلن الحرب فحسب بل حتى لم تتخذ خطوات عملية لوقف ذلك.

خطاب هولاند حول الحرب يخلط ويدمج تحديين سياسيين مختلفين تماما؛ الأول هو التعامل مع الأمن في أوروبا والعمل ضد التطرف في الأحياء الفقيرة، والآخر هو دحر توابع أبي بكر البغدادي وما يسمى بالدولة الإسلامية، لكن لا شك أن هذا الخطاب مثّل خطأ كبيرا لأنه رفع من قيمة التنظيم إلى مرتبة يمكن معها لدولة مثل فرنسا أن تعاملها بقدر المساواة وتشن حربا ضدها، فالبغدادي هو الاسم الحركي للعراقي إبراهيم السامرائي، الذي يحظى بتكوين أكاديمي إسلامي جيد، ولكن بإعلانه أنه خليفة انتابت المسلمين حالة من الضحك.

إن الحرب على الإرهاب بشكلها الحالي يمكن أن ينتج عنها الكثير من الالتباس، إذ يمكن أن تصور كل اللاجئين السوريين كمقاتلين محتملين مع داعش، وهذا ما يعطي الحق لبعض الذين يعملون على الاستقطاب والتجنيد من أمثال العقل المدبر لهجمات باريس عبدالحميد أباعود، فهم يهدفون أساسا إلى “شحذ التناقضات” بين المسلمين والمسيحيين.

وبشكل آخر، لم يشاهد أحد انضمام بعض السوريين إلى المنظمة الإجرامية التي استولت على بعض بلدات صحراوية تحت تهديد السلاح. ففي الواقع، عندما استولى داعش على الموصل، فر 500 ألف من السكان على الفور في حالة من الرعب والاشمئزاز، وقد لحق بهم عدد كبير بعد ذلك. كذلك هرب مئات الآلاف من السوريين بكل طوائفهم وليس فقط من الأكراد من محافظة الرقة التي يسيطر عليها داعش الآن.

وبالتالي فإن الحديث عن “حرب” شاملة ضد داعش يمكن أن يخلق مغالطة لدى الرأي العام في أن يعتقد بأن كل السوريين هم جنود لداعش. ومن الملاحظ في جانب آخر أن داعش يزدهر في المناطق التي تكون فيها الدولة المركزية قد انهارت وفقدت شرعيتها. إذ يحتقر العرب السنة في الريف في شرق سوريا داعش، ولكن ليس أقل من احتقارهم للستالينية القاتلة لنظام بشار الأسد، وقد يكون الموصليون يعانون من البؤس في ظل سيطرة أبي بكر البغدادي، ولكنهم سوف يكونون أذلاء ويعانون التهميش من جانب الميليشيات الشيعية المتشددة التي تملي سياستها على حكومة بغداد، لذلك فإن أي محاولة للقضاء على داعش ينبغي أن تأخذ بعين الاعتبار شعبيته في بعض الأوساط.

أما عن المطالبين بإجابات سهلة أو نتائج فورية في سوريا والعراق فهم من أصحاب التفكير الصبياني، وخطاب الحرب هو ضرب من الصبيانية. إذا كان من السهل إلحاق الهزيمة بمنظمات مثل داعش، فكان من الممكن تجنب الكثير من الصراعات المعاصرة على المدى الطويل، وببساطة فإن قصف الرقة، في ظل عدم وجود خطة عملية لقوة برية للسيطرة على الأراضي التي لم يستول عليها داعش بعد، لن يحسّن الوضع الراهن، ولكن سوف يساهم في تهدئة الغضب الشعبي بشكل كبير.

يقول العديد من الخبراء إن تحدي التعامل مع تطرف الشباب في المدن الهامشية في أوروبا مثل معالجة مشكلة الصحة هو بمثابة حرب حقيقية عوض الحديث عن حرب ضد مرتزقة، وثبت أن أفضل الممارسات الحضارية مثل الشرطة المجتمعية والتدخل الحكومي الاستباقي لتحقيق كرامة الناس قد تسفر عن نتائج إيجابية بشكل أكثر فعالية، لكن تشويه صورة السوريين المهاجرين أو المسلمين وتصويرهم على أنهم مجندون محتملون لداعش دفعهم بالفعل إلى أحضان المتطرفين، إذ يحتاج صانعو السياسة الذين يرغبون في معالجة هذه الأزمة إلى استخدام أدوات السياسة العامة بدلا من أدوات الحرب.

خوان كول

نقلا عن صحيفة العرب